ألبتراء (1)

ستبقى مكة و بكة سرًا يحير فكر المؤرخين الدينيين و العلمانيين،

هناك فيديو على الأوساط الإجتماعية لباحث (?) غربي، بالإنغليزية، يعرض فيه ما يقول أنه أدلة على أن قبلة المسلمين هي البتراء في الواقع، و ليست مكة،
و أنه قد قاس زوايا اتجاه بعض المساجد التي بُنيت في مستهل انتشار الإسلام، و أنه وجدها مشيرة للبتراء و ليس لمكة،

فمنذ قالت هذه الصفحة أن "ولوا وجوهكم شطرَ المسجد الحرام": هو في الحقيقة منع للتوجه لمكان محرّم، لأن كانت تُقام فيه شعائر وثنية، من طوف و سجود و ركوع: أسرع محبو الشعائر لإطلاق نظرياتهم الجديدة، شاعرين في أعماق ضمائرهم بالإثم الكبير، بعد أن جاءهم الكتاب لا ريب فيه قائلا: "لله المشرق و المغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم"،
فالذي ما يزال يقصر عن فهمه هؤلاء أن التقبل لحجر ما دون آخر، أو عبادة بشر ما دون آخر: لا يجعل من هذه المعتقدات جميعًا و شعائرها: عبادة وإيمانًا و توحيدًاTop of Form

ألبتراء (2)

قرأتُ على التواصل الإجتماعي منذ أيام قليلة رسلة (بوست) نشرها صديق لي، نقلًا عن مصدر لم يُفصح عنه، جاء فيها سرد يحاول كاتبه أن يُطبع القارئ بعلمه السري ...!
و القارئ المتفكر يقرأ بفكر منفتح و من غير اقتناع مسبق أو تحيز...، لكن عندما تتضارب المعلومات مع الوقائع فهنا يبدأ الشك بصحة المكتوب و نية الكاتب،
جاء فيها أن نيزكًا كبيرًا ضرب ... على حسب تلميحه ... المنطقة التي فيها البتراء و خليج العقبة، و أن خليج العقبة نتج من هذا الحدث ...
و كل هذا، حسب روايته، حصل بعد المسيحية، يعني منذ أقل من ألفي سنة ...!!
وأن الجان نحتوا صخر النيزك و جعلوه مكانًا للعبادة كما نرى آثاره اليوم،
و أن معركة كبيرة دارت فيه بعد الإسلام، و تم حصاره و قصفه بالمنجنيق لإخراج من فيه، الذين تمكنوا من الهروب إلى ما يُعرف اليومَ بمكة، و معهم الحجر الأسود المعروف، حيث أقاموا الكعبة ...
ثم يتساءل الكاتب ببراءة المستفسر العلمي: لماذا لم يذكر مؤرخو الإسلام هذه المعركة ...؟!

لكن الإستفسار الأصح: كيف بقي نيزك بهذه الضخامة، الذي شق واديًا و فتح خليجًا، مغيرًا خريطة المنطقة ...، كيف بقي منسيًا أو غير ملحوظ ...
و هذا منذ ألفي سنة، و ليس من مئتي ألف ...
و أحداث كهذه تترك حفرة هائلة تبقى لملايين من السنين ... ناهيك عن ما تخلفه من انفجار الصدمة، الذي يلقي طاقة تقاس بمئات الألوف أو الملايين من الإنفجارات النووية ... التي ينتج عنها دخان و غبار يغطي جزءً كبيرًا من السماء، مُحدِثًا تغييرًا مناخيًّا يدوم عشرات من السنين أو قرونًا ....
و هذه كله بعد المسيحية حسب رواية الكاتب يعني منذ أقل من ألفي سنة ...!

فلست أعلم، ما إذا كانت هذه الرواية من خيال الكاتب أو قائمة على الكتب السرية التي تخبئُها الأديان، ظانة أن ملكيتها الحصرية لها دليل على رضى إلاهها عنها، الذي، يوم الحساب، سوف يسأل الناس جميعًا - فلا تنسَوا أنه عادل - : من يعرف كذا وكذا؟
فيرفع هؤلاء أيديهم كما كتب لهم، و يجيؤون إليه و يربتهم على أكتافهم و يدخلهم جنتهم،

ياليت أهل الأديان يبدؤون بتدريب فكرهم على التفكير المنطقي، ليطرحوا خرافات أجدادهم و يبدؤوا مسيرتهم العقلية كما علّمتهم الكتب،
ليستيقنوا أن خلاصَهم يبدأ بخلاصهم من الخرافات و الأوهام و ما تستدرجه من معتقدات سكونية وثنية

ألبتراء (3)

إن آثار البتراء من نحت للصخر بعمق و دقة هائلين: تذهل فكر الناظر الفطن، و تدفعه إلى الإقتناع أن المؤرخين الدينيين و العلمانيين، الذين يُنظّرون أن البتراء بُنيت منذ ألفين أو ثلاثة من السنين: لا يفهمون ما يرون و لا يعلمون ما يقولون،
و ليست البتراء المكان الأثري الوحيد الذي تُذهل الناظرَ آثارُه،
ففي أميركا الجنوبية و مصر و أوروبا الشرقية و غرب آسيا، و في الهند و الصين و اليابان ... آثار مماثلة،
و لعل الآثار المماثلة الوحيدة التي تم تأريخهاعلميًا، بفضل أنها كانت مغلقة و غير معروفة حتى اكتُشِفت في الستينات من القرن الماضي، ثم بدأ التنقيب فيها في التسعينات، و عُثر فيها لحسن الحظ على مواد عضوية، من خشب أو غيره، و تم تأريخها بالتأريخ الفحمي (carbon dating) - و هذا دقيق النتيجة إلى بضع مئات أو عشرات من السنين - : هي غوبكلي تبه (Gobekli Tepe) في الجزء الكوردستاني من تركيا،
و عجِب المنقبون لما علموا أن تاريخ بنائها يرجع إلى عشرة آلاف من السنين،
يعني لما كان البشر وحوشًا بدائية تأكل بعضها و تنام في الكهوف الطبيعية أو العراء، حسب تنظير علم الآثار و التاريخ ...

و هذه المدينة منحوتة في الصخر بطبقات عديدة تحت سطح الأرض،
و كذلك البتراء وتدمرفي الجبال،
تُظهر آثارها تكنولوجيا النحت العميق و الدقيق، غير الممكن في الحاضر بالمعدات و الآلات العاملة بالمحروقات البترولية والكهرباء، فكيف تم هذا بالإزميل النحاسي أو بالحجارة؟

لكن لا المؤسسات الأكاديمية و لا الدينية تريد أن تتحرى أمرًا يغلِّط نظرياتها في نشوء الإنسان و تاريخ حضاراته على الأرض: التي تسوِّقها على أنها الحقيقة التي لاغبار عليها،

و يبدو أن كاتب الرسلة التي ذكرتُ ينتمي لواحدة من هذه المؤسسات التي باتت تشعر أن نظرياتها و معتقداتها المبنية عليها: خاطئة.

و قد قلنا على هذه الصفحة: أن المعلومات التاريخية أو غيره: لا يُبنى عليها إيمان و معتقد: إلا بها،
و عندما نقص قصصاً مضت: فلكي تظهر ألأسس المبنية على الرمال المتحركة، التي هي مسألة وقت حتى يحركها الزمان، جارفًا و طامرًا ما بُني و ما هُدِم من وهم،
فلا شيء تحت الشمس دائم و العلم الحقيقي برهانه شهادة حقيقية لا تعوزها معرفة تاريخية حدثية طبيعية

ألبتراء (4)

نشرت هذه الصفحة رؤاها في بعض من الأماكن المقدسة و غير المقدسة للأديان، و ليس هناك مشيرات أركيولجية على هذه، و لكن هناك التلميح في الكتب،
و لكني على يقين أن التنقيبات سوف تكشف عن أدلة لا جدل فيها، هذا إذا لم تسرع السلطات الدينية و السياسية لإخفائها و طمسها لتستمر سلطتها الوهمية،
فإذا أذن الزمان أن تستمر هذه الفترة: فلن تدوم طويلًا، لأن العالم أصبح مفتوحًا فكريًا و علميًا، و الأمم الذكية ستبقى لها اليد العليا في السياسة و الإقتصاد و الصناعة ...
و تبقى الشعوب الغبية تخاف "الجان"، كما جاء في تلك الرسلة، و تخاف قرارات إلاهها الإعتباطية و نزواته الصبيانية،
لا تريد أن تفهم سبب مآسيها و لا تريد منها خروجًا،
يقول لها رجال الدين والأزياء: صبرًا صبرًا سيكافئنا إلاهنا على الجهل، فقد كتب كل أمر ...
ألا يرَون أنهم جلبوا العذاب على أنفسهم؟

سيبقى الشرق متخبطًا بآلامه، ما دام راضيًا بجهله،
و جاءهم حكمة شريفة تقول لهم سبب الأسباب،
فللطبيعة أسباب و لحركة الآلة أسباب و لارتقاء الإنسان و سقوطه أسباب ... و الحق سبب الأسباب،
فأخفَوا كتبهم و ناموا على وسائد الوعود الخصوصية،
لكن ذاك المطر هطل على كل الأرض، هل يحسبون أنهم مانعوه إذا اختبؤوا في أقبيتهم؟
لماذا نهضت أوروبا بالفلسفة اليونانية و فنونها و هندستها المعمارية و قيمها الجمالية؟
لماذا حدّقت في السماء و أجرامها ... حتى كذّبت خرافات الكنيسة؟
لماذا اقتبست بالرياضيات و الطب التي كان بدءها العرب؟

لا يحتاج الناس لرجال الأزياء و الدين ليزدادوا علمًا و يرتقوا خلقًا،
حسب بعض من هؤلاء أنهم إذا أخفوا الكتب تصير احتكارًا لهم و خلاصًا خصوصيًا،
فذهب العلم إلى الشعوب التي تحبه، و تبقى الشعوب الدينية ساكنة في ماضيها و طالبةً مثله مزيدًا


 

 


All rights reserved
Copyright The Circle of Beauty

  Site Map