ألتقية (1)

لستُ أعلم ما هي التقية عند الدروز بالتحديد،
و إذا حاولتَ أن تستفهم العقّال منهم فلن يجيبوا، و هذا شيء من التقية،

هذه السلسلة سوف تطرح بعض الإسئلة و تحاول الإجابة عليها منطقيّاً،

و لعل هذا يساعد القليلين منهم، الذين باتوا على يقين أن مُفترضات الدولتين الفاطمية و العثمانية و تقاليدهما ليست صالحة للوقت الحاضر: على الخروج من دوامة البحث عن الهُوية الضائعة، و عما إذا كانت التقية لا تزال واجبةً، ليكونوا منارة فكرية و قدوة أخلاقية و مرشدًا روحيًا، بهدي الكتب و الحكمة القديمة منها و الحديثة،

فهكذا مسؤوليةٌ لا تشترط هوية ما على طالب حملها، لأنها هي التي تمنح هويتها للمستحق حملَها،
فهذه مسؤولية فكرية أخلاقية علمية إيمانية، متى وجدت هذه تلك: حمّلتها،

و أيّة هوية أرقى و أنبل من هذه يريد إنسان في العالم؟
ألحق يُقال، لا يُطبّل و لا يزمّر فرِحًا بهويته إلا من ليس له هوية حقيقية

ألتقية (2)

ألرد الذي يتبادر لذهن الدروز منهم، الذين يعتقدون أنهم مصونون عن النقد و الإستفهام هو أن "كل شيء قد انتهى"،
فقد تم الحساب و انفصلت البشرية بين موحدين و كافرين، و لاجدوى من طلب العلم أو نشره،
فالموحدون هم الدروز الذين يولدون للدروز، و غير الدروز هم الكافرون، يولدون لأهل الأديان،
و كل هؤلاء قد أُحصوا عددًا، و عدد كل فريق ثابت،

و الحساب قد تم لمّا تجلى الله في المنصور بن محمد الذي لُقب حاكمًا بأمر الله،
فالذين عرفوه كتبوا ميثاق توحيدهم، و هذا خُبئ في هرم من أهرام مصر،
و يومَ يتجلى المنصور مرة ثانية بإسم جديد، ألمعز على ما أظن، فسوف ينبش تلك المواثيق، لتكون حجة على الكفار، و يعيشون في العذاب إلى الأبد، بينما يحكم الدروز الأرض بمساعدة الدروز في الكواكب الأخرى،
فهم الملائكة منذ خلقهم ربهم، و غير الدروز هم المخلوقات الساقطة الشريرة التي حكم المنصور عليها بالعذاب منذ الأزل،

و إن القارئ الذي في رأسه ذرة من العقلانية باقية، يستيقن أن خرافات الأديان الإبراهيمية الأخرى: خرافات تتقزم أمام خرافات الدروز،
و جميعها تبرّعت بالحكم بالخلاص و الخصوصية على نفسها، و بالكفر و العذاب على غيرها،
و هذا أكبر دافع للتقية عند عقّال الدروز، و إن لم يقرّوا به علنًا أو سرًا،
فلا يريد هؤلاء أن تُكشف معتقداتهم، و لا أن تخضع كغيرها للتحري الفكري و النقد الفلسفي، آملين أن تتحقق أمانيهم مهما بدت باطلة إذا أخلصوا للمنصور و خدمه، فهذا هو الإيمان و التوحيد حسب فهمهم

ألتقية (3)

لا يستطيع أحد أن يتآمر على التوحيد،
و لا على الدرزية و الإسلام و المسيحية و اليهودية ...
ألتوحيد بين الإنسان و ربه و ليس موضوعًا لعبث البشر و قراراتهم،
و الأديان أحزاب، تتآمر و تخطط، و تحصد ما تزرع و تُحصد إذا زُرعت،
و هذا يجري بالحق الذي يُجري كل شيء بسببه،
هل تفهمون؟

ألزور يُكشف مهما طال تمهيله، و الحق يعلو و لا يُعلى عليه،
كفوا عن تحذير تابعيكم من أن يفيقوا من المخدرات التي أجرعتموهم،
أسقطوا شريعة ذبح المُستلمين الذين يفيقون و يعترضون،
لا يحكم المنصور إلا خدمه سفاكي الدماء، فلا تكونوا منهم و لا ترغموا كل درزي أن يكون منكم،
هكذا تخففون الذل و الجهل عن أنفسكم و عنهم،

إنكم بإصراركم على اختصار عقولهم بالخرافات و الخوف: أنتم تحكمونهم، و يكونون عبئًا عليكم لا قدرة لكم على حمله،
و لو أن الواحد منكم رعى قطعان المواشي استعان بالكلاب لحفظها، فكيف سترعَون البشر المحتالين الحَرابيق؟

هذي حكمة غرسها ربكم في عقول كل الناس من عالم و جاهل و مؤمن و كافر: أن الإنسان لا يُظلم، و إذا ظُلم ثار و تمرّد

ألتقية (4)

و قلنا لكم على هذه الدائرة أن الباطنية شيء و السرية شيء آخر،
أما الباطنية: فالكتب كلها باطنية، و بقراءتنا للقرآن بالإنغليزية قدّمنا لكم البرهان ساطعًا،
لكنكم قصّرتم عن باطن الكتب و اكتفيتم بما ظهر من وعد و وعيد،
شأنكم شأن الأديان التي سبقتكم أو تلتكم،
فأنتم تقفون و إياهم على مسطبة المظاهر عينها و تتجادلون على أوهام مختلفة،

و أما السرية، فهذه جرى عليها كثيرون غيركم، من الماسون و المورمون و الساينتولوجي و بعض طوائف العلوية ...
و يلجأ للسرية الذي يبتغي تخبأة معتقده لئلا يتعرض للنقد و السخرية،
و يحسب أصحاب الأسرار أن عندما يُحاسَبُ الناسُ: يُسألون: من يعرف كذا و كذا ...؟ فيرفع هؤلاء أيديَهم، و يأخذهم إلاههم و يرضى عنهم،
و الذين فاتتهم هذه الأسرار فهؤلاء هم الضالون الكافرون الساقطون، يرميهم الإلاه في العذاب الأبدي انتقامًا منهم و ليشمت المقربون منه بهم،

و هذي أماني الوثنية التي جلبت على نفسها التخلف الفكري و العقلي و سقطت أخلاقيًّا،

أما الحقائق، فهذه مفتوحة لمن استطاع إليها سبيلاً،
لا تخبئُها قرارات سياسية و لا أعراق بشرية و لا يمنعها عن الناس أي مانع طبيعي،

هل تفهمون ما جاء ههنا؟
فهذه حقائق أيضًا،

أين الأذكياء منكم الذين دخلوا الجامعات و درسوا الفلسفة و العلوم الإنسانية؟
و مرّوا بالفلسفة اليونانية و بالفلسفة التوحيدية في أوروبا في القرون الماضية،
سألتُ على هذه الصفحة و أسأل مجددًا،

لقد ذهب هؤلاء إلى تلك المؤسسات الأكاديمية حاملين شاهاداتهم المسبقة التي أعطاهموها رجالهم الأزياء،
فدرسوا الفلسفة كمن يتعلم المهن اليدوية، كالنجارة و الخياطة،
تؤمّن عملاً و دخلاً حسنًا، لكنها لا تغير في النفس شيئًا، و لا تحث على التساؤل،

بولادته المنصورُ تجاوز كلَّ الكتب و الفلسفة التي سبقته أو تلته، و لا فائدة اليومَ منها باعتقادكم، و لمّا ركب على السرج المخزز بالذهب هزئ منها جميعًا و أبطلها بعد أن أنزلها و قبل أن أنزلها،

هذا هو التوحيد بمعتقدكم،
لكن الزمان يُجري كل أمر بالحق الذي لا يقيس بولادة المنصور و موته، و إن أسميتموهما ظهورًا و غيابًا، و لا يقيس الحقُّ شيئاً بقواميسكم،
يا ليتكم شهدتموه كما تدعون، لزال رعبكم من المنصور و استغنيتم عن ميثاقه، و حلّقتم بعقولكم فوق مصر و الدولة الفاطمية

ألتقية (5)

تواضع الإنسان دليل على علمه و فضله،
و لا يريد المتواضع أن يُعطى حقوقاً أكثر من غيره، و لا منصبًا لا يستحقه،
و يقف بين يدي ربه و يقول: يا رب لا أريد إلا عدالتك و رحمتك لكل الناس، لا تعاملني إلا كما تعاملهم،
و يقف المتكبر أمام الناس و يقول: أنا مفضّل عليكم،

و لا يتكبر المتواضعُ إلا على المتكبر، و التكبر على المتكبرين عمل حسن لعله يوقظهم،
و أصغر المتكبرين هو الذي ترونه ليس أكثر من الناس علمًا و لا أعلى منهم خلقًا، و إذا تكلم كذب و إذا فعل شيئًا رسب،
و هذا يزيد كبرياءه، لأنها مبنية على معتقدات خرافية،
يقول: أنا ملاك مطهر، و أنا من أعراق أصيلة، لا أحد يفوقني في العالم، و عندما يأتي يومُ الحساب سوف ترَون و سوف تترجَّوني أن أشفع بكم، فإذا أحسنتم لي فسأقبلكم خدمًا عندي، هذا قدركم و ذاك قدري، خُلقتُ فاضلاً و خُلقتم أنذالاً،


و المتكبر هذا بارع بالتظاهر بالتواضع و بالمحاضرة عنه، و ذلك لكي يحظى بسمعة التواضع ليزداد كبرياءً،

و لا شك أن الناس المغالين بالوثنية العنيدين بالجاهلية الفاسدين في السلوكية تصعب عشرتهم، فيتجنبهم العاقل إذا حاول إرشادهم و لم يقبلوا رشدًا، و هذا ليس من التكبر.

لا أعرف النظريات التي جاء بها عقّال الدروز عن تاريخ قبائلهم و ساستهم، لكني أرى الشقاق بينهم جذورُه في الكبرياء التي غرسها هؤلاء في نفوسهم فارتدّت عليهم،
متى زالت الكبرياء من نفوسهم إلتأمت شقاقهم و زالت أثآرهم و جاؤوا متآخين بين بعضهم و بينهم و بين كل البشر، تاركين الحكم على العباد لرب العباد

ألتقية (6)

لا تريد هذه الصفحة منكم شيئًا، و قد قالتها لكم عدة مرات،
فلا يقوّيها تأييدكم ولا تحبطها كبرياؤكم،
و لا أنتم معكم مفاتيح السماء و لا تبحرون سفينة الخلاص،

لا يبدو أنكم قادرون على طرح مسلماتكم لتسيروا أحرارًا منها بهدى عقولكم، شأنكم شأن كل الأديان الإبراهيمية التي تنتظر ظهور إلاهها و المعجزات لتتحقق وعودُها التي وعدت نفسها،

أما المؤمن و الموحد فهذا يسير بهدى عقله لا يخاف لومة لائم و لا ألبسة رجال الدين،
فإذا كنتم ترون هذه الصفحة تطلب منكم أن تتبعوها فهذا لأنكم لم تقوَوا على مخاوفكم،
سيروا بهدى عقولكم و جادلوا هذه الصفحة إذا استطعتم، و إذا وجدتم خطأً فصححوه،
لا تطلب هذه الصفحة من أحد أن يتبعها فليست هي دين و لا مذهب،

و قلنا لكم أن يبقى كلُّ ذي دين على دينه، و لا يغير اعتناق دين ما شيئًا إلا في إحصائياتكم السياسية الغاية و الدافع،
و الأولى بكل ذي دين أن يفهم الكتب فهمًا صحيحًا و قد أتيناكم بكشف باطنها، و متى فهمتموها اتضح لكم أن الكتب و الحكمة واحد جوهرها،

و قلنا أنكم لن تأتوا بردٍّ إلا و ندحضه حالما تقولونه، و هو مدحوض قبل أن تفوهوا به، لأن الحق يعلو و لا يُعلى عليه، و لستم ذوي سلطان فكري أو إيماني أو توحيدي،

إذا أبقيتم رؤوسكم مخبأة في الرمال فهذا اختياركم، لكن لن يطول اختباؤكم، لأن الماء سيفيض و يجرف الرمال فلا يبقى رأس مخبّأً، مهما ثخنت اللفات و العمائم أو تضخمت تيجان، و قد قلنا لكم تكرارًا،
لن تُرمم الأبنية المتصدعة التي تسكنون، و لن يجري ماء نهر قد جف من زمن مجددًا، و لن يثمر الشوك و العليق الذي في حقولكم تفاحًا و لوزًا،

هذي قوانين الطبيعة التي لا تسأل الناس عن شهاداتهم و أصولهم، تضرب لكم أمثالًا لعلكم تستيقظون،
من عرف الحق عرفها و استخدمها لمنفعة الناس جميعًا، و من جهلها بات عبءً على الأرض و لعبة بأيدي الأمم الذكية القوية


 

 


All rights reserved
Copyright The Circle of Beauty

  Site Map