ألمرأة في الشرق (1)
لقد حاولت على هذه الصفحة و على صفحات أخرى أن أثير مناقشة هذا الموضوع فلم أحصل إلا على الصمت، و السخط و الإشمئاز في بعض الأحيان،
فإن الرجل الشرقي لا يزال ينظر إلى المرأة كخادمة و أداة للترفيه و آلة للتكاثر، رغم ادعائه أنها محفوظة الحقوق في معتقده و تقاليده،
و لا يزال شرفه ممثلاً بحصانة الإناث اللواتي يعشن في بيته أو ينتمين لقبيلته و طائفته،
و لا تزال المرأة في نظره أدنى درجة فكرية و خلقية من الرجل، مُستنداً إلى الكتاب الذي يؤمن به حسب فهمه له،
و كل هذه الإقتناعات و المفترضات راسخة في عقول الكثيرين من الشرقيين منذ آلاف السنين كما سأبيّن في رسلات لاحقة، و عند جميع الأديان و الطوائف بغير استثناء،
و يعمل رجال الدين جاهدين لإبقاء أديانهم و طوائفهم على الشرائع و التقاليد التي اتُبعتْ في ماضىٍ غابر على هذه الأسس التي أشرت لها
ألمرأة في الشرق (2)
لا يكلّف الله أحداً أن يعاقب أحداً، ألحكم له وحده و لا يشارك في حكمه أحداً،
أما أن تُعذّبوا الناس و تقولوا هذا ما أمر به الله: فأتوا ببرهان من أي كتاب تشاؤون،
و أما الآيات التي تأمر بالجَلد و الرجم: فالجلد في اللغة يعني التكليف بعمل صعب مُجهدٍ، و الرجم يعني الإبعاد و الهجر،
فإذا أخذتم معاني الكلمات بحروفها بعيداً عن مواضعها في العقول، حسب تفسير رجال دينكم، لتبقوا على شريعة الوثنية، و ليحكموكم بها: فهذا اختياركم أنتم،
لا تقولوا هذا ما أمرنا الله، تكشف آيات الكتاب ما في نفوسكم، و قولوا هذا من رجال الدين،
ربكم غني عن كل ما خلق، لا تمنّوا عليه همجيّتكم، تطلبون أجراً على عذاب تعذبون الضعفاء منكم، ثم تقولون أنظر يا ألله لقد أطعناك، أدخلنا في جنتك التي وعدتنا: هذه وعود رجال دينكم،
ألوحوش تقتل لتأكل و ليستمر نوعها، و أنتم تقتلون و تتلذذون بمشاهدة العذاب، لو تعلمون لأي درك سافل تسقطون
ألمرأة في الشرق (3)
جاء في الكتاب "و إذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قُتلت"، لتنتهوا عن الظلم و الإجرام، و أنتم اليوم لا تزالون تقتلون النساء ذبحاً و رجماً بالحجارة والرصاص، و تحسبون أنكم مهتدون،
و الذين أوتوا الحكمة منكم تقولون هذا ما كتب الله لها في حيواتها التي سبقت، و كأن الله أوكل إليكم حكمه، "فمن منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر"، لكنكم لا تفهمون قولاً،
هذي شرائع رجال دينكم و أئمتكم، الخائفون من ظلام أنفسهم، الذين جعلوا أضاداً للحق و أنداداً في السماوات العلى، فمن يحكم بالحق؟ قولوا ألله هو الحق و الظلام في نفوسكم، تلوّحون يأيديكم و تلهثون، و تحسبون أن قتلتم الظالمين جميعاً، حبطت أعمال أهل الكتب و الحكمة سواءً
ألمرأة في الشرق (4)
و جاء في الكتاب أن الرجال مُصلحون للنساء بما فضل الله بعضَكم على بعض، و بما أنفقوا من موالهم،
فالنساء الصالحات يتفكرن، حافظاتٍ للقيم الأخلاقية التي حفظ الله في قلوبهن، و كثيرات منهن ينفقن من أموالهن،
و أما اللواتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و قاطعوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً،
و أما الذين تخافُن نشوزهم فعظْنَهم و اهجرْنَهم في المضاجع و قاطعْنَهم، فإن أطاعوكن فلا تبغُن عليهم سبيلاً،
لكنكم تقرؤون ما تملي عليكم جاهلية الأولين
ألمرأة في الشرق (5)
و جاء في الكتاب إن خفتم أن لا يكون لكم نصيب في العفة و الخلاص من الشهوة: فانكحوا من استحببتم من النساء، مرّتين أو ثلاثاً أو أربعاً، و إن خفتم أن لا تمتنعوا فمرّةً واحدةً، و إلا فلن تستملك عقولُكم نفوسَكم،
يريد الله أن يتوب عليكم لترجعوا إلى داره و تكونوا أهل بيته، و يريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً،
هذا و ليُبعد اللهُ عنكم سنن الذين من قبلكم،
لكن الذين خلعوا على أنفسهم أعظم ألقاب الإيمان و التوحيد، و ضمنوا لأنفسهم جنةً و خلاصاً غافلون عن الآيات البينات، و إذ فتحناها لهم ليُرجعوا البصر لا يزالون ساخطين،
هم الذين أوتوا نصيباً من الكتاب، عَرَضَه الأدنى، يشترون الضلالة بالهدى و يريدون أن تضلوا السبيل
ألمرأة في الشرق (6)
ألنسخ يعني نقل النصوص من ورقة إلى أخرى، و لا يعني إلغاءها أو تجاوزها، إلا في قواميس المُحرّفين و تفاسيرهم و شروحهم،
و لو كانت بعضُ آياتِ الكتابِ لاغيةً أو متجاوزةً لآياتٍ غيرها لكانت ذريعةٌ للذين يريدون أن يؤمنوا ببعضٍ من الكتاب و يكفروا ببعض،
لا و لا تلغي الكتبُ الكتبَ التي سبقتها و لا تتجاوزها، و الكتب تتخطّى المكان و الزمان، لتذكّر الناس بالأخلاق الإنسانية التي فطرهم عليها ربهم، و نسوها في سقوطهم في مهاوي جهنم،
و الكتب و الحكمة أُنزلت من لوح محفوظ، يخطها رسل ربهم بتأييده و وحياً منه، و هم بشر يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق، لا ملكَ يُنزل عليهم و لا ابنُ الله، و ما هذي إلا أساطيرٌ متشابهة، و أكثر الناس يسلّمون بما يسمعون و لا يتفكرون
ألمرأة في الشرق (7)
و جاء في الكتاب تفصيل للنكاح المحرّم، بديهياً لذوي الخلق الإنساني السليم، واجباً على الذين نسوا إنسانيتم، فرسبوا في بهيمتهم و كانوا أسفل سافلين،
أُنزل القرآن ليُنذر قوماً الإنذارَ الذي أُنذِرَ آباؤهم فهم غافلون، فأكثر الناس في الشرق كانوا مسيحيين و يهوداً، و القرآن مصدّقٌ لما بين يدي النبي من التورات و الإنجيل،
فإذا كان هؤلاء تعلّموا شرائعاً من رجال دينهم تبيح نكاح الأمهات و الأخوات و البنات و الخالات و العمات و بنات الأخ و الأخت، فهذا التحريم لهم، لأن نفوسهم قد خلت من بديهية إنسانيتهم التي ترفعهم فوق القردة و الخنازير،
و لا عجب أن بعضاً يسقطون في الدركات السفلى، و قد قرأتُ منذ زمن قصير تشريعاً يبيح للمرء أن يداعب أمه الثيّب من غير أن ينكحها، لئلا تنشز، و كأنّ لم يقرأ هؤلاء قرآناً، قال حقاً مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفاراً
ألمرأة في الشرق (8)
و جاء في ذلك التحريم تحريمُ نكاح اللواتي أرضعنكم، و ورد ذكرهن أمهاتكم اللواتي أرضعنكم، تذكيراً بعاطفة الأمومة التي تنشأ عند المرضعة لرضيعها، و بحب الأم الذي ينشأ عند الرضيع لمرضعته، و بالمحبة بين الأخوة الراضعين،
لكن العاطفة النبيلة التي غرسها ربكم في خلقه، حتى البهائمُ ترضع بعضها من أنواع مختلفة فتتآخى صغارها: شيء يجحده الذين رسبوا في ترابهم و باتوا أجساماً بلا أرواح،
يتمنّون أن يثبت العلم التجريبي أن الرضاعة تغير الجينيات الوراثية ليقولوا أن مفسريهم و أئمتهم عرفوا هذا منذ قرون، لكن الكيمياء خذلتهم على كل حال،
بل قولوا لهم أن المعتقد الذي تثبت الكيمياءُ صحتَه لا يثبّت إلا أخلاقية التراب،
لذلك ترونهم يوصون تابعيهم الذين تفرض عليهم ظروف عملهم أن ينفردوا مع إناث في مكاتب عملهم: أن يرضعوا منهن لكي يصيروا أبناءً لهن بالرضاعة على حد فهمهم، فيجوزَ لهم الإنفراد بهن،
فلعل هذه المهزلة التشريعية لم تخطر ببال كتّاب الكوميديا، فأخذها هؤلاء جَداً و علماً عظيماً
ألمرأة في الشرق (9)
هذا و كان كثيرون من العرب آنذاك يعتقدون أن حليب المُرضعة وليدَها الذكرَ يشفي من بعض الأمراض، و أن فيه من الغذاء ما يزيد الرجال قوةً و فحولة، فكانوا يرضعون حليب أطفالهم فيحرمونهم منه.
ثم جاء في ذلك التحريم تحريمُ أمهات نسائكم، ذلك لأن لا رادعَ من أنفسكم لشهواتكم،
و ترَون الطوائف التي تبيح تعدد الأزواج مثل المورمون في أميركا: ينكح الرجل منهم إمرأةً و بناتِها و بناتِ بناتها، فتصبح الأسرة كقفص الدجاج الذي يملكه فحل واحد، و تحسبون أنكم على هدىً بالمقارنة مع هؤلاء
ألمرأة في الشرق (10)
ثم جاء في ذلك التحريم تحريمُ نكاح ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن، فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم،
فإذا أُخذ هذا بظاهره فإنه يحل لكم أن تنكحوا بنات نسائكم قبل أن تنكحوهن، و هذا يفضي إلى تحليل نكاح أمهات نسائكم، الذي حرمته الآية عينها، و كأن فيها تناقضاً،
حاشى على كلمة الحق أن يعتريها تناقض، لذلك كان عليكم أن تتفكروا بمعناها الباطن،
1. نساؤكم لا تعني أزواجكم فحسب، بل تعني أيضاً كل النساء اللواتي تعرفون من قبائلكم و أقربائكم،
2. ربائب لا تعني البنات اللواتي ربين في حجوركم فحسب، بل تعني أيضاً كل بنت ربيتم و إياها في جيل واحد،
3. عبارة "دخلتم بهن" لا تعني نكحتُمُهن فحسب، بل تعني أيضاً دخولكم حجورهن،
فهكذا هذه الآية العظيمة تحرم الزواج بين كل رجل و أمرأة قريبين تربيا معاً و زارا بعضهما مع أهليهما و عساهما قد ناما في بيت واحد صغيرين، كما جرت العادات الإجتماعية في الشرق منذ أقدم العصور،
و هذا يحرم الزواج بين أولاد الإخوة و الأخوات و حتى الأصدقاء الذين يزورون بعضهم تكراراً
ألمرأة في الشرق (11)
و كم من قرية تعرفون، أو قبيلة، يتزوج رجالهم بنات عمهم و خالهم و كافة أقاربهم، جيلاً بعد جيل، حتى برزت حصالة أمراضهم العضوية و العقلية الوراثية، و إذا لم يكن في جينياتهم الوراثية أمراض ترون فيهم تشويهاً خَلقياً أو تلمسون درجة من الغباء،
لكنهم لا يوقفون هذه المأساة و يستمرون على زواج الأقارب، رغم تنبيه الأطباء لهم، يقولون للطبيب أتعرف أحسن من الله؟
قولوا لهم العلم كله من الله، و كل ذي عقل يعرف أحسن من مفسري كتابكم و رجال دينكم
ألمرأة في الشرق (12)
ثم جاء تحريم حلائل أبنائكم الذين من أصلابكم،
و هذا بديهي للنفوس التي لم تنس إنسانيتها، لذلك يتنبه القارئ لها المؤمن أن لها باطن،
ألتعبير "حلائل أبنائكم" لا يعني أزواجهم فحسب، بل يعني كل امرأة تحل لهم إذا لم يكونوا متزوجين،
فهكذا حُرم عليكم الزواج مرةً ثانية إذا كان لكم أولاد ذكور من أصلابكم، إذا كنتم مطلّقين أو أراملاً،
ثم تنتهي الآية بتحريم الجمع بين الأختين إلا ما قد سلف،
فإذا أخذنا بعين الإعتبار تحريم تعدد الأزواج و الزواج مرة ثانية، يصبح هذا سماح للرجل في ظروف استثنائية، كوفاة الزوج، و إذا كان له عيال و أولاد قاصرون، أن يتزوج مرة ثانية، و إذا كان لزوجه أخت عزباء فيحل له أن يتزوجها، و عسى هي الأوفق لملء الفراغ العاطفي عند الأطفال في هذا الحال
ألمرأة في الشرق (13)
أما فيما يتعلّق بالإرث، فإن الإلاه الذي يضع قانوناً للمحاسبة و مسك الدفاتر، ثم يغضب عليكم و يزجكم في الحريق إلى أبد الآبدين، إرضاءً لساديّته، إذا لم تلتزموا بها: فهكذا إلاه لا يستحق أن يُعبد، ذلك لأن له سيداً فوقه: مالكم،
ربكم خلقكم سواسية، و أنتم صنعتم المال، و أنتم تعطونه و تحرمونه على ذوقكم،
و ربكم قال لكم أسهل على الجمل أن يدخل سم الخياط من الغني أن يدخل ملكوت السماء، ثم قال لكم المال و البنون زينة الحيوات الدنيا،
ألآيات المتعلقة بالإرث أُنزلت للذي جمع مالاً و عدّده، يحسب أن ماله أخلده، للحد من طمعكم للمال و حبكم له، و كلما تجادلتم على المال ازدتم طمعاً
ألمرأة في الشرق (14)
كلما غابت الفضيلة عن وجدانكم صنعتم شرائعاً مما أُنزل على رسلكم، و صارت واجباً عليكم و عبئاً ثقيلاً،
و أما الكتب التي هزئتم بها و كفرتم فإنها ترتد عليكم لتنغّص عليكم عيشكم،
ليس لأن الحق يثأر منكم، و هو الغني عنكم ضللتم أم اهتديتم،
لكن مثلها كفاكهة أينعت و لم تقطفوها فسقطت على الأرض ففسدت و أفسدت،
و الكتاب واحد، لكنكم تؤمنون ببعض و تكفرون ببعض و تجدون فيه اختلافاً، حسب تعاليم رجال دينكم،
و كل دين و طائفة تقول نحنا معنا الكتاب و الحكمة، فما منعَهم أن يقرؤوها؟
و لا الفضيلة تنتظر الزمان لتتجلّى و لا الحقيقة، و الذين ما انفكوا يقولون: إذا ظهرت الصورة تصبح كل صلاة عندها مجبورة:
يعترفون أنهم لم يصلوا في حيواتهم و لا يعرفون غير الوسائط الطبيعية، و ما هم إلا لمظاهر الطبيعة منتظرون،
و يوم يؤذن لأئمتهم أن يرجعوا إليهم سوف يوقعونهم في دور عذاب جديد، يقولون لتابعيهم اصبروا على العذاب و الذل و أنتم المنتصرون
ألمرأة في الشرق (15)
قليلون الذين قرؤوا الكتاب العظيم قراءة صحيحة، و لمّا أفصحوا عما في رؤوسهم رجمهم رجال الدين و قالوا أنهم زنادقة كافرون،
ألمعروفون منهم ألحلاج و المعرّي و بعض من الأندلسيين الذين أسسوا جماعة سرية من المتنورين، و قاتلوا الطاغوت الإقطاعي الديني الذي حكم أوروبا في القرون الوسطى بالشعائر و الخرافات،
منهم فيبوناتشي و غاليليو و دافنتشي ودكارت و توماس مور و يحنا سميث و نيوتن و لايبنتز و سبنوزا و كانط،
و في الهند غورو ننك الذي أسس طائفة السِخ و قال لتلاميذه: ليس هناك غيتا و قرآن بل كتاب واحد،
و لمّا عرضت هذه القراءة منذ سنوات على الدروز استكبروا، فبقي ظن في فكري أن عسى هم يعرفونها و أكثر منها،
ثم تبين لي من جدلهم أنهم اليوم مثل أهل كتاب، لا يفهمون الكتب مغلقةً كانت أو مفوحةً، إلا قليلين منهم،
ألذين سبقوا أهل الأديان والطوائف بإيمانهم بعقولهم، و تحررت نفوسهم من العبودية للآلهة الوهمية و ما تفرضه على عابديها من شرائع و معتقدات،
و كلما ذكرت آيات الكتاب يغتاظون و يتكبرون، لأن رجال دينهم يقولون لهم أن الكتب مُحرّفة و أن الحكمة تجاوزتها،
و لكنّ الحكمة فتحت كل الكتب و صححت أخطاء أهل الكتاب من يهود و مسيحيين و مسلمين،
لكنهم أخطأوا أخطاء أهل الكتاب عينها بصيغة جديدة و ضمنوا لأنفسهم خلاصاً و خصوصيةً على الأرض و في السماء،
و هذا الشرق الذي أنزلت فيه الكتب ليكون أمة وسطاً لتهدي العالمين هو اليوم غير قادر على هداية نفسه، يسكن في آثار أجداده الجميلة المنظر، لكنها لا تصلحُ منزلاً: لا ترد الحر و البرد و العواصف، و لا ينشأ فيها الإنسان صحيحَ العقل و النفس،
و قادته السياسيون و الدينيون يعجزون أن يجتازوا جدران الخرافات، و يرتقوا للفكر العقلاني الذي يتحرّى أسباب الأشياء، فلا يقدمون لشعوبهم غير العصبية و الوعود الوهمية و
نظريات المؤامرات