ألمعتزلة (1)

لا تنتمي هذه الصفحة لدين أو طائفة أو مدرسة فكرية قديمة أو حديثة، فلذلك لا تنتمي للمعتزلة،
و سأنشر بإذن المولى ثلالث مقالات للرد على المعتزلة و الفكر الديني الشريعي عامة، لأتناول موضوعات "ألشرع و العقل" و "التأويل" و "التوحيد" و "العقل و الفكر".

إذا اختلف الشرع و العقل، فلأيهما الغَلَبة؟
ألواقع أن الفريقين اللذين تناظرا على هذا الموضوع قد وقعا في الخطأ عينه، و "وقف حمار الشيخ في العقبة" للإثنين:
فالشيء الذي لم يتنبّه له المعتزلة و الأشعرية سواءً هو أنّ الشرع في العقل، و ليس حبراً على الأوراق،
فإنّه العقل الذي يقرؤه و يفهمه، من خلال تجاربه الحياتية و معارفه و مداركه، مُستعيناً بالقواميس المتوفرة لديه و بعلومه اللغوية ...
و لو كان للشرع وجود بغير العقل لأُعطي للبهائم،

و إنكم ترون أن الشرع، حتى بحرفيته، يحتمل معاني مختلفة، لذلك هناك العديد من المدرسات الفكرية الإسلامية التي جميعها تقوم على حرفية النصوص الشرعية، فتختلف اختلافات أساسية،

هكذا فإن حرفية الشرع هي في الواقع ما أقرّه جماعة من الناس أَعطوا أنفسهم سلطة تحديد هذه الحرفية!

فأما كلمة "تأويل"، التي يستعملها هؤلاء كدعمٍ لتحريمهم فهمَ الكتابِ كلَّ فهمٍ مخالفٍ لفهمهم: فإني لا أراها تعني ما يقولون، لا من قريب و لا من بعيد:
فتأويل من جذر "آل" أو "أول" الذي لا يشير إلى الإتيان بمعنىً مخالف للنص، بل إلى ردّ النص إلى أوّله: و هذا لا يمكن إلا أن يشير إلى المعنى المقصود من تبليغه،
فتأويل النص هكذا لا يمكن أن يدل على العبث بالنص، و لا يعرف تأويل الكتاب إلا الراسخين في العلم،
فكيف عرف هؤلاء أنهم الراسخون في العلم؟ و إذا جيء بفهم للنص بالحجة العقلية مناقضاً أو متجاوزاً لفهمهم، فكيف يعطي هؤلاء أنفسهم سلطة تكفير كل من يخالفهم؟
هكذا فإن الأشعرية و الفكر القائم على الحرفية قد أخطأ هو أيضاً أخطاءً جسيمة، و ما نراه اليوم من الأعداد التي لا تُحصى من الفرق المتقاتلة التي جميعها تتمحور حول حرفية النصوص تجنُّباً للتأويل: ليس إلا إرث المدرسة الأشعرية،
و كم تعرّض المعتزلة للقتل و التعذيب آنذاك، فإنا لو سلّمنا جدلاً أن فكرهم يحاذي الإلحاد فإن هذا لا يبرر قتلهم،
أن أي فكر لا يمكنه أن يتطور و يصحح أخطاءه ما لم يواجه مُتحديات فكرية،
هذا أمر تعجز عن فهمه الطوائف الإسلامية المتقاتلة إلى اليوم، لأنها لا تزال ساكنة في الماضي و لا تريد منه خروجاً

ألمعتزلة (2)

إن نجاح أي فكر أو فشله، دينياً كان أو دُنيويّاً، يتوقّف على قربه من الحق أو بعده عنه، و المعتزلة ككل المدرسات الفكرية أصابت في بعض من مقولاتها، لكنها قصّرت عن معرفة الحق.

إن الفكر الإسلامي بكل مدرساته هو فكر تنزيهي، لأنه يكتفي بتنزيه الخالق عن الإدراك البشري،
ففي هذا الإطار الخالق فكرة ذهنية، يُسلَّم بها تسليماً، لا برهان عليها،
و لا وسيلة للخلق للإقرار بوجوده إلا عن طريق كتاب أنزله على رسوله بطريقة فوق طبيعية،

إن المقولة المبرهنة عقلياً تتخطى المعتقدات و الحضارات و الأزمان، كالحقائق الرياضية و العلمية و الحجج المنطقية، و يقبلها كل إنسان قادر على التفكر،
و إن فكرة الخالق البعيد المتعالي الذي لا يُدرك: فكرة لم تلقَ عقولاً قابلة لها عند كل الناس، لأن لا برهانَ عقليٌّ عليها،

و أما الفكر الديني الوجودي فهو الذي يعتقد أن الخالق يأتي إلى خلقه كإنسان، محبةً منه و برهاناً على وجوده،
فهكذا يميل هذا الفكر إلى اتخاذ الأشياء المحسوسة برهاناً،
و هذا المنحى يصح في العلم التجريبي الذي يتخذ دراسة قوانين الطبيعة غايةً له، أما وجود الخالق فلا يُبرهن بالوجود المادي،

و سواء أن قبلنا الكون الطبيعي برهاناً على وجود خالق أو إنساناً ما أو كتاباً: ألفرق واهىٍ للعقل القادر على التجريد، وصولاً إلى المعاني العقلية،

فهكذ، ألفكران الدينيان المبنيان على التنزيه و الوجود قد قصّرا بمعرفة الحق الذي في كل الكتب، ألحق الذي خُلق به كل شيء،
فالحق يُظهر صوَره بالحركة، و يوصل إلى المعاني الثابته فيه، و هو ما "فوق البعوضة" و فوق كل شيء و في كل شيء،
و هو العقل الإنساني القادر على إدراك كنه كل شيء مستخدماً الفكر التحليلي و الدليل الحسي وصولاً إلى التجريد، بحدسه و بصيرته، لأنه يرى أن الوجود المادي ليس ألا صوراً متحركة لمعانىٍ عقلية خالدة،

و قد أشارت كتب الحكمة إلى هذه الحائق، و كذلك الفلسفة اليونانية و الفلسفة التوحيدية (pantheism) في أوروبا في القرون الماضية، و كذلك كتب الشرق الأقصى،
و التوحيد هو جوهر الكتب المنزلة في الشرق، من التورات إلى الإنجيل و القرآن، لكن المعتزلة غالوا في تذهين (intellectualisation) النصوص، ردّاً على المغالين في أخذها بحرفيّتها، فغابت حقيقتها التوحيدية عنهم هم أيضاً


 

 


All rights reserved
Copyright The Circle of Beauty

  Site Map