يا رجال الدين، بأي زيّ تزييتم و لأي دين أو طائفة إنتميتم،
إعملوا على مكانتكم و إنّا عاملون،
حللوا و حرّموا، و عُدوا و توعّدوا، و احكموا و اقطعوا، و احشروا و حاسبوا،
و قريباً سوف تُسألون،
لقد جئناكم بالحجة و البرهان، فإذا جعلتم أصابعكم في آذانكم فلا تلوموا إلا أنفسكم،
أنبياؤكم و أولياؤكم و أئمتكم نحن نعلمهم و أنتم لا تعلمون،
حصونكم لا تردّ شيئاً عنكم و لا الألقابُ التي لقّبتم أنفسكم،
لا القداسة تُقاس بالقمصان و لا العلم في الكتب التي كتبتم،
فارجعوا البصر كرّةً و ربكم يرى و أنتم لا ترون

 

يا رجال الدين، كفّوا عن وعد أنفسكم و تابعيكم وعوداً أنتم تعلمون أن لا سلطان لكم على إيفائها، ربكم يفرق البحر كيفما يشاء و حينما يشاء ثم يجمعه، و هو على فرقه ثانيةً لقدير

 

يا رجال الدين، عاهد ربكم بني إسرائيل من قبلُ إذ عاهدوه، و لمّا نقضوا عهده نقض عهدهم و أرجأهم إلى حين،
فجعلوا أمرهم بين أيدي رجال دينهم و ساستهم و أثريائهم الذين لا عِلم و لا أخلاق عندهم، يتخبطون في الأرض فيظلمون يوماً و يوماً يُظلمون،
إلا قليلاً منهم و هو الأعلم بما تُسرّ نفوسهم،
هذي أمثال يضربها لكم لعلكم تتعلّمون،

يا رجال الدين، يا حسرةً على أمم: أغنامُها تقود رعاتِها، و رعاتُها عن أمرهم نائمون

 

يا رجال الدين، ألله لا يُشرك في حكمه أحداً، فهل تساءلتم ماذا يعني هذا البلاغ العظيم؟
لم يؤتَ أحدٌ منكم حكماً على الناس مُسبقاً، و لن يُستشار أحدٌ يوم تُحشرون و تُحاسَبون، فلا تقولوا لتابعيكم أنكم تعلمون ما لا تعلمون،
و إذا قال لكم مُفسّرو كتبكم و شارحوها غير ذلك في زمان مضى فالله يعلم نواياهم، و عسى أن هذا ما رؤوا في زمانهم و مكانهم،
ألأرض تتبدّل و يختلط الماء، و الإيمان بالحق واحد، و التوحيدُ، لا يعقله المكان و الزمان، و هو قائم الأمكان و الأزمان

 

يا رجال الدين، أليوم تختلفون بأزيائكم و ظنونكم، و الذين يتبعونكم لا يختلفون،
فلا تستعجلوا حُكماً على أنفسكم وعلى الناس، ولّى زمان سار المؤمنون مع رسلهم على طريق مستقيم و آمنوا بما أتوهم من كتاب و قالوا هذا مُصدق لما بين أيدينا، فأثبتوا إيمانكم كما أثبتوا إيمانهم، يمحو ربكم الظلام بالنور، ليس الإيمان أن يعتقد الناس ظنونكم، و الإيمان بالحق لو أنكم للحق طائعون و عارفون

 

يا رجال الدين، ألكتب و الحكمة ليست ملكاً خاصّاً لكم و لا أنتم تحتكرون فهمها، و قد فتحناها لنبيّن أنكم غلفتموها بتفاسيركم و شروحكم و أهوائكم و أمانيكم، لا الشمس تشرق بإذن منكم و لا القمر ينشق بعلمكم، و ربكم يوحي ما يشاء لمن يشاء من عباده، و أنتم عن قراءة الكتب و الحكمة تعجزون

 

يا رجال الدين، قد هُدّت حصون بنيتم تخليداً لأنفسكم وَهَنَ شيدُها، تدفنون رؤوسكم في الرمال لئلا تروا، و الرمال تنثرها الريح و كل شيء على الأرض زائل، ذرّة من الإيمان أبقى في القلوب، و يبقى وجه ربكم ذو الجلال و الإكرام

 

يا رجال الدين، ألأنباء التي تطلبون لا ينفع علمها و جهلها يكاد يُحسب ضراً، لقد جئناكم بعلم فاستكبرتم، تسألون بأي حبر خطته و من أين الأوراق، فاسألوا أهل الزخرف فهم أكثر خبرةً، يا حسرةً على أمة أسَرَت خطوطُها ألبابَها، و سبحانَ الذي سخّر الشياطين أن إبنوا لقوم سليمان مبنىً أخبأ فيه كلَّ معنىً

 

يا رجال الدين، تبحثون ملهوفين عن سطر أو سطرين في كتبكم فيهما الديل على ما تبحثون،
و الحقِّ و الحقِّ و الحقِّ يا رجال الدين، لا موجود إلا الحق، فاغلقوا الكتب و انظروا ذواتكم، ثم افتحوا الكتب و انظروا كرة ثانيةً، كل كلمة من فمه و كل عين عينه، ألم يقل لكم العين بالعين و السن بالسن، و أينما تولون وجوهكم فثم وجهه ذو الجلال و الإكرام،
يا رجال الدين، كنوز هذا العالم هي التي تخبّئُها الأحاجي، و أما الكنز الحقيقي فهذا في القلوب والرؤوس، إن تعرفوه تملكوا ما هو أكبر من هذا العالم، و إن لم تعرفوه لن تهدؤوا باحثين و حائرين

 

يا رجال الدين، تتقاتل الدول الكبرى على مُلك الأرض و شعوبها، يمزّقون و ينهشونها نهش الضباع لجيفةٍ، و أنتم انقسمتم، فريقاً مع الطاغوت و فريقاً مع الطاغوت، تنفثون العداوة في صدور تابعيكم، تؤججون نار الحرب في أماكن العبادة، فتُهدم بيوت المستضعفين و يُقتل عيالهم على مرأىً منهم و يُخرجون من ديارهم إلى العراء، ثم تقولون أن هذه قضيّة الحق و أنكم تُنفّذون أمر الله و تعِدون أنفسكم خلاصاً إلى ربكم و جنات النعيم،
لعمري يا رجال الدين، هل تفهمون شيئاً مما جاء في الكتب؟ هذا لا شك من مُعجزات الحق، لكي يرى المؤمنون كيف تنقلب الرؤوس ليبدو الصلاح فساداً و الفساد صلاحاً، و ماذا تعمل في العالم البهائم في صورة الإنسان

 

يا رجال الدين، من قال لكم أن الكتب أحلّت الثأر؟
فاليهود حُرّم عليهم القتل، و لما أرادوا قتل عيسى بن الإنسان يوسف دفعوا ببيلاطس كي يقتله نيابةً عنهم، و لما قيل لهم العين بالعين و السن بالسن صعُب عليهم فهمه، فبقوا على شريعة الجاهلية كأن لم يؤتوا كتاباً، حتى جاءهم يوحنا و قال لهم أحبوا أعداءكم و باركوا لاعنيكم و من ضربكم على خدكم الأيمن فأديروا له الأيسر، فصعب عليهم عمله، فبقوا على شريعة الجاهلية، حتى جاءهم قرآن عربي قال لهم أنه عليهم واجب إطعام الذين قُتلت طينيتهم كي تُصان عزلتهم، ألعبد بالعبد والحر بالحر، و أن لا يُميتوا الروح التي ماتت طينيتها فصعب عليهم فهمه، فبقوا على شريعة الجاهلية، 
و إذا سلّمنا جدلاً يا رجال الدين أنه أُحلّ للمسلمين أن يثأروا للمسلمين الذين قتلهم الوثنيون ظلماً في ذلك الزمان، فلماذا يتقاتل اليوم المسلمون مع بعضهم و مع أهل الكتب؟ هم الذين أُمروا أن يكونوا رحماء فيما بينهم أشداء على الكفار، و أن يدرؤوا بالحسنة السيئةَ، وأن يعفوا و يصلحوا لأنه خير لهم و لهم به أجر عند ربهم؟
يا رجال الدين، تقولون أنكم آمنتم بالكتب التي أُنزلت لتأمر بالمعروف وتَنهى عن المنكر و تُنهي شريعة الجاهلية، ثم تسفكون الدماء و تعيثون في الأرض فساداً، ألذئآب تقتل لبقاء نوعها بقانون الطبيعة، و أنتم تقتلون لتشمتوا، لَمَشهد اليتامى الجياع و المشردين والمُقطّعي الأيادي و الرجال يُسعِدكم، رُفعت الروح منكم و رسب التراب، و هذا لا يطهره إلا الحريق، فاتقوا في الأرض فتنة لا تصيبن إلا الذين ظلموا منكم و ربكم بما تعملون بصير

 

يا رجال الدين، إنّ واحداً مؤمناً حرر نفسه منكم ذو قوة أعظم من الملايين الذين يتبعونكم، فقوة هؤلاء من قوتكم التي استجمعتم بشرائعكم و تخويفكم للناس و أهوائكم و أمانيكم ... و أما قوة ذاك فهي من الحق، و مثل هذا يا رجال الدين كنور شمس أشرقت يطغى على نور الشموع التي تحملون فتعادلت إن إشتَعلَت أو أُطفِئت

 

يتمنى الواحد منكم يا رجال الدين لو يستطيع أن يأتي بعلم و حجة عقلية يثبت أن مُعتقده صحيح، فأنتم تعلمون أنكم لا تُقدمون للعالم إلا الوعد و الوعيد، و الذي فيه ذرة من الإيمان و بصيص من نور العقل لا يستهيب أقوالاً لا وزن لها،
ألصحيح يا رجال الدين ليس معتقدَكم، و الصحيح هو الحق الذي في كتبكم و حكمتكم، إن عرفتموه فهمتم كل الكتب و عرفتم كل المعتقدات، هذا هو الحجة والمعنى الجامع و العِلم الخامس الذي لا معرفة إلا به و منه، و كل ما دونه ظنون، فلا تُتعبوا أنفسكم و تضيعوا أعماركم مُحاولين تخليد شيئٍ سوف يفنى حالما تستيقظون

 

ما أعجب فكركم يا رجال الدين، إذا مرضتم تذهبون إلى الطبيب و تتناولون ما يصف لكم من دواء، و إذا أردتم سفراً تركبون السيارات و الطائرات، و إذا أردتم بناء منزل تستشيرون المهندسين و البنائين،
و هذه أشياء فعّالة لأنها تقوم على البحث و التحرّي المنطقيين، و الذين استنبطوها: بتوكّلهم على فكرهم و ثقتهم بتبصر عقولهم، فرؤوا أن لكل شيء سبباً فيتبع سببه، فوفقهم الحق في علمهم و جهادهم،
و أنتم أوتيتم كتباً و حكمةً تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر و تهدي إلى الحق، كلما حاقت بكم الأزمات في الحكم و السياسة تقعدون و تنتظرون فرجاً و تُقيمون الشعائر و تتقاتلون، ذلكم لأنكم تظنون بربكم ظن السوء، لا يعذب الله قوماً و هم يعذبون أنفسهم، فلكل شيءٍ سبب فيتبع سببه، فجاهدوا في معرفة الأسباب و سبب الأسباب، هذا خير جهاد و خير تقوى و خير الإيمان

 

هذه الصفحة يا رجال الدين تأتي بالحجة و البرهان التي أتت في الكتب و الحكمة، لذلك هي غنية عن ألقاب تلقبونها و أعراق و أنساب تقولون أنكم تنتسبون لها و أحزاب و مؤسسات أسستموها و أموال تمولونها ... فكل هذه لا تنفع إلا لكسب ولاء الجماهير و إسكاتهم فلا يسألونكم أسئلة تكرهون أن تُقروا أنكم لا علم عندكم للإجابة عليها، مَثَلها كَهَباء تنثرون يُقذي العين فيرغمها أن تبقى مغلقةً، و أما الحجة فهي النور الذي تستيقظ له العيون،
فإذا كان لديكم حجة فأتوا بها يا رجال الدين ليشهد الناس، و إنا على كل ما تأتون به قادرون

 

يا رجال الدين، لم تأمر الكتب أن تُقام المؤسسات الدينية التي أقمتم، فهي من تفسيركم وتقاليدٌ ورثتموها عن أديان سبقت دينكم،
فلنسلّم جدلاً أن الكتب أمرت بإقامة المؤسسات الدينية و كهنوتها و أزيائها و زخارفها بأية صيغة تقولون، فإنه من المنطقي أن نتصور أن أُولى مهماتها التي تأخذ على عاتقها: أن تكبح جماح الطاغوت الذي لا يعرف الرحمة و العدالة و يزدهر بالطمع و الشهوة و العداوة، و يستغل المستضعفين،
لكن مؤسساتكم الدين في الشرق و الغرب، في الماضي و الحاضر، دعامة من دعائم الطاغوت، فأنتم تتحيزون في السياسة و تدعمون الأثرياء و تحمّسون الحروب، و قد مضت قرون على مؤسساتكم و لا يزال كثيرون من شعوبكم جياعاً أو مستضعفين و مستعبدين و كثيرون منكم متخمون و يسكنون القصور ...
بل أنتم الطاغوت عينه الآن و في الماضي، فإن الأمم التي فصلتكم عن الحكم تعيش في ظل حكم أقل ظلماً من الأمم التي لا تزالون تحكمون، تباً لكم يا رجال الدين

 

تغيرت السماء يا رجال الدين، و تبدلت الأرض و اختلط الماء، ليس بأمركم و لا بإذن منكم،
و اتسعت المعارف البشرية و تطورت العلوم التجريبية و تسهّلت حياة الناس بقدر ما تعقدت، ليس بأمركم و لا بإذن منكم،
و الناس اليوم يحتاجون:
لمن يرشدهم في أمور دنياهم حينما يواجهون ظروفاً فرضتها الحال الجديدة، لم تكن معروفة لشارحي كتبكم و حكمتكم و مفسريها الذين تتبعون،
و لمن يرشدهم في أمور دينهم، فالعلم التجريبي جاء بالبرهان المحسوس و الحجة الفكرية التي يستغلها الماديون لنشر إيديولوجياتهم القائمة على أخلاقية التراب و غبار الكون،
أما أنتم فقد سكنتم في الماضي، لم تواكبوا مسيرة هذه الأحداث، و تريدون من تابعيكم أن يسكنوا معكم في هذا المخبأ الذي تختبئون، جدرانه من صنع أوهامكم، تهربون من مسؤولية أنتم الأولى أن تُسألوها، لا رُشد عندكم لترشدوا الناس و لا معرفة عندكم لتقدموا لهم، و ما عندكم إلا خرافات الأولين و شرائعهم، مثلها كآثارهم و أطلالهم، جميلة المنظر لزائرها لكنها لا ترد العواصف و الحر و البرد عن الساكن فيها،
تقولون لهم أن يُسلّموا بكل ما تقولون وكأن عندكم سلطاناً، هل قرأتم في الكتب والحكة ما جزاء من يفعل ذلك؟ يا حسرة يا حسرة عليكم يا رجال الدين

 

تقولون يا رجال الدين أنكم تؤمنون بالروح و تدعون الناس أن يؤمنوا، و تقولون أن الروح لا تُدرك بالحواس، ثم تطلقون عليها الأوصاف و النعوت و تنسبون إليها شتّى الأحوال و الأقوال، و تقولون لهم أن يسلّموا بما تقولون،
و الذي ينظر في أقوالكم عن الروح يري أن كل دين و طائفة قد وصفت أوصافاً و نعتت نعوتاً و نسبت أحوالاً و أقوالاً تعددت و إختلفت بتعدد أديانكم و طوائفكم و اختلافها،
و الناظر الفطن يرجع إلى كتبكم ليرى من أين أتيتم بهذه فلا يجد في الكتب أي دليل على ما تُنظّرون، فيتساءل: كيف يمكن لشيء لا يُدرك بالحس أن يُعرف بهذه الأوصاف و كيف تُنسب إليه هذه الأحوال؟ فيخلص بالإستنتاج أن لا معرفة عندكم و أنكم تقولون ما لا تعلمون،
ألناظر المؤمن يا رجال الدين تحدّسه غرائز عقله أن لا مقدرة لغبار الكون أن تتصور بصورة حية (متحركة: animate) ناطقة ناظرة عاقلة: بغبار كونها، حتى و إن افترض أن الحياة نشأت عرضاً و ارتقت و تهذبت بقوانين الطبيعة،
فهذه القوانين لها وجود سابق، منطقياَ على الأقل، لكل الأحداث الطبيعية، و وجودها ليس كوجود الأشياء، بل الأشياء و صورها و حركتها تعبير عنه،
هنا يرى الناظر المؤمن ومضاً من الروح، و يرى أن هذا الروح في نفسه: يخاطبه و يدله على ذاته، و أن هذا الروح في كل شيء و لا وجود إلا به ومنه و له ....
أما الأشباح غير المرأية التي تسكن في القبور و البيوت المهجورة ... لقد آن الأوان لوضعها تحت عنوان أساطير الأولين يا رجال الدين

 

يا رجال الدين، تقولون أن عندكم قيماً روحية و تقولون أن قيمكم الروحية أسس حضارتكم الراقية حسب فهمكم،
لكن المرأة لا تزال تُقتل في بلادكم بعلمكم و على مرأىً منكم، و إنا نسأل كما سأل القرآن: و إذا الموؤودة سُئلت بأي ذنب قُتلت؟
فإن إعدامها رجماً بالحجارة أو بالرصاص لا يختلف عن دفنها حيّةً، إلا للذين يأخذون الكلم في حرفيّته، ناسين مواضعه في عقولهم التي تشير إلى المعاني التي يذكرهم بها ربهم، و الكلم ذكر للمؤنين،
يا رجال الدين، تقولون أنكم تعطون المرأة حقوقها، لكن الواقع أنكم تنظُمون لها قصائد الغزل و تحبون ما تلد لكم من ذكور و ما تطبخ لكم من طعام و ما تنظف لكم من منازلكم، ثم تقولون لتابعيكم أن الرجال متفوقون على النساء لأنهم الذكور و لأنهم ينفقون من أموالهم،
لكن كثيرين من الذكور جهلة و حمقٌ إذا ما قيسوا بالنساء المثقفات العاقلات، و كثيرات منهن يعملن اليوم و ينفقن بقدر ما ينفق رجالهن أو أكثر منه،
و الرجال مُصلحون للنساء بما فضّل الله بعضهم على بعض، فالنساء الصالحات يتمعَّن و يتبصّرن في أمورهن و يحفظن الروح التي حفظ الله في قلوبهن، و هذا فضل ليس لكل الرجال نصيب منه و لا هو محصور عليهم،
أما الجاهلات فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و قاطعوهن عن المؤآنسة ...
إن لكلمة ربكم يا رجال الدين درجات ليكشف لكم ما في قلوبكم، فالذين لا يصعدونها يريدون شريعة الجاهلية، يأخذونها بأحرفها ليبعدوها عن مواضعها في العقول، فيبقوا حيث كان أجدادهم و يقولون أنهم مهتدون

 

يا رجال الدين، إن الأمم التي تتبعكم سوف تبقى على جاهليتها حتى تهتدوا و تهدوها، لا تعرف العدالة و الرحمة و لا قيم روحية لها ما أنتم عن الحق عُماة،
و إن الأمم التي لا قيم روحية لها أمم تجلب على نفسها العذاب و الدمار و الظلم و الألم بأخلاقية التراب، فلا تلوموا المتآمرين على شعوبكم و لا تقولوا أن الله يسلط الظالمين عليكم لكي يدخلكم جنات النعيم من بعد صبركم، إنما الصابرون الذين إذا اشتدّت عليهم المحن ازدادوا حكمةً، أنتم ظلمتم أنفسكم و تابعيكم و ربكم رحيم و هو لما تُظهرون و تُسرون بصير

 

يا رجال الدين، هذا يوم كنتم توعدون ما حسبتم أنكم بالغوه، يوم تُردون أنكم ضللتم مثلما ضل الذين تقولون أنهم ضلوا، كلكم سواء، لم ينزل الله كتباً إلا ليقرب الناس إليه فيتعارفوا، كما خلقهم أول مرة يُرجعون،
إستكبرتم و جعلتم أصابعكم في آذانكم و فضلتم أنفسكم بعض على بعض، و لله الحكم وحده لا شريك له في حكمه، و هو لا يُسأل و أنتم تُسألون

 

يا رجال الدين، إن شهوة النفس سر لا يعلمه إلا قليلون طفوا على الماء بجهادهم في الأعصار فنظرهم ربهم أحراراً في سبحانه و علّقهم بقدرته بين الأرض و السماء و أنزل بهم حجة و رحمة و علماً و سمعاً و أبصاراً، فإذا دعاكم ربكم أن تعفّوا عن الشهوة فلأنها تثقلكم فتنقلبون رسوباً،
و ربّكم يعلم كم هذا صعب عليكم فأحل لكم أن تتمتعوا قليلاً على أن تفوا بعهودكم و تؤدوا ما فرض عليكم لأسركم و عائلاتكم فتتكاثروا أمماً على أسس أخلاقية تليق بلإنسان و ترقوا بالمعروف،
أما أن تقولوا لتابعيكم أنها جائزة التديّن،
و أما أن تقولوا لهم أن الله يغفر ذنوبهم إذا أدّوا شعائر الإعتراف و التسليم بمعتقدات مؤسساتكم الدينية،
و أما أن تحلّوها لهم إذا ما عقدوا قرائناً بعلمكم و إذنكم ...
و الله يريد أن يتوب على الناس و أن يميل الذين يتبعون الشهوات ميلاً عظيماً،
فلعمري كيف تفهمون؟
فإن القُمامة لا تصير صالحةً للأكل إذا قدمتموها للناس على أطباق الطعام،
أنتم الذين أخذوا نصيبهم من الكتاب، ذلك الذي في حروفه بعيداً عن مواضعها في العقول، يا حسرة عليكم يا رجال الدين

 

يا رجال الدين، أذا لم تفهموا التورات لن تفهموا الإنجيل و إذا لم تفهموا الإنجيل لن تفهموا القرآن و إذا لم تفهموا القرآن لن تفهموا الحكمة، و بالعكس، و كل تنزيل صحح أخطاء المفسرين الذين سبقوا و أعاد الكلم إلى مواضعه في العقول و أدلى بأسباب جديدة للإدراك البشري من سماء ذلك التنزيل، و كل مرة حرّمتم العلم على أنفسكم و على تابعيكم بتفاسيركم و بادعاء مُلكية التنزيل و تخصيص أنفسكم به و بالإعتقاد أنه آخر تنزيل، و بُتُّم أسرى لغته و تعابيره، و الويل لمن يدلكم على معنى إذا لم يأت بتعابيركم ولم يكن من تابعيكم،
و ربكم ينسف الجبال و يجعل الأرض مهاداً و يقرِّب الأواصي و يبعدها و يتجلى لخلقه محبته يدعوكم لتوحدوه فتتحققون

إن الخير الذي هو شر لغيركم ليس خيراً يا رجال الدين، لأن الخير في كل الوجود، و لولا الخير لما أضاء الكون، و الناس يحصدون ما يزرعون،
هذا سر يعرفه الذي يشهد النور الذي لا يحتمل الظل و لا خيوط له، شعشعانية تنادي أكثر من عين،
و إن أول مرة أراكم ربكم شجرة و ألقى ظلها على الأرض عجبتم،
و إن مفاهيمكم للخير و الشر مبنية على فهمكم في مكانكم و زمانكم، ثم تنسبونها لإلاه تطالونه بأفاركم، و جوده قائم عليها و إن نكرتم ذلك بالقول و قلتم أنكم موحدون،
آن الأوان أن تكفوا عن ادعاء أنكم وكلاء خالق هذا الكون و آن الأوان أن تتحرروا من ظلم هكذا معتقدات،
فإن الإلاه الذي تعرفونه بأفكاركم ظالم و متعسف و لا يمكنه أن يكون إلا كذلك، ويل للذين يعبدون آلهة من صنعهم يا رجال الدين،
لا عجب أن بني إسرائيل كانوا يغضبون عليه و يضعون عليه الشروط و يملون عليه ما يريدون،
ألحقيقة أنكم جميعاً تفعلون ذلك و لكنكم لا تشعرون يا رجال الدين

 

هذه الصفحة يا رجال الدين تذكّر اليهود أن يكونوا يهوداً، و المسحيين أن يكونوا مسيحيين، و المسلمين أن يكونوا مسلمين، و الدروز أن لا ينتظروا شيئاً ليكونوا موحدين، و الضائعين أن يهتدوا إلى عقولهم ... 
فإن أبواب السماء ليست مغلقة إلا للذين لا يطرقونها،
لا قوة في العالم قادرة على منع أي إنسان أينما كان من الوصول إذا استطاع إليها سبيلاً، إلا من العُقد التي يعقدها في نفسه باعتقاده معتقداتكم، و ما خُلق الناس إلا ليعرفوا طريق الرجوع ليطرقوه،
هذا هو الإيمان في الكتب و الحكمة، قبل أن فقدتموه و استبدلتموه بالأرض، 
على الأرض لن تحصلوا إلا على الحسرة من السماء كيفما كانت الأوهام التي رضيتم بها ...

 

يا رجال الدين، هذا النداء إليكم، فلن تنشق الأرض و لن يهبط رجال مجنحة من السماء، فلا تبرهن هذي شيئاً،
و إذا سوّلت لكم نفوسكم أن تُمَسرِحوا (to stage up) هكذا أحداثاً أو أن تبالغوا بوصف وقائع و تضيفوا عليها: لتخلبوا عقول الجماهير، فهذه باهظة الثمن، لأن الخطأ الذي تخطئون جاهلين ربكم يعفو عنه إذا صححتموه بالعلم، و أما الذين يُضلون الناس عمداً و رغم الأنذار الذي أٌنذروه: فلا يُقبل استغفار منهم و لا تشفع بهم شفاعة، و يتغذبون عذاب تابعيهم مضاعفاً على حيوات متكررات: كلما نضجت جلودهم بُدِّلت لهم جلوداً جديدة و يزدادون رسوباً،
و يوم يعيد ربكم أنشاءكم يوم تتم هذه الأدوار لا تتعجبوا من قدرهم،

ألذي يحل أزمات هذا العالم و ينهي تخبّطه في آلامه: أن تستبدلوا النية السيئة بالنية الحسنة و تعملوا جميعاً لخيركم جميعاً، و الحق يعطي كلاً قدره، لا عدالة إلا بالحق، هو القائم بالقسط، و أنتم ما لديكم إلا موازين صنعتموها بمعارفكم من مادة الأرض و مقاييسها، تنفعكم في تجارتكم فيما بينكم، والحق غني عنكم و عن موازينكم و كل ما تقيسون

 

يا رجال الدين، لا يجري هذا العالم بأمر إلاه مُتعسف، و لا هو خبط عشواء،
و أقداركم ليست من صنع إلاه يخلقكم ثم يقاصصكم و لا هي حظ يصيبكم،
هذه المفاهيم الذهنية من صنعكم و هذي معجزة الحق لو أنكم تستيقنون،
و كلما نزلت رسالة أشارت إلى الحق، غلّفتموها بالمفاهيم الذهنية و صنعتم معتقداتكم منها، و غاب الحق عن بصائركم، فشرعتم تتساءلون: كيف نطيعه؟ و اختلفتم،
و الحقِّ يا رجال الدين، إنكم تسألون أسئلة كيفما أجبتموها سوف تخطئون

 

كل فريق منكم يا رجال الدين: سوف تقولون أن هذه مؤآمرة عليكم، 
و الحقِّ يا رجال الدين، أنتم المتآمرون على أنفسكم و على بعضكم، ذلك لأنكم تظنون ظن السوء بربكم، فتفكروا بهذا إذا لم تزل منكم ألبابكم

 

يا رجال الدين، يغرق العالم في آثامه على مرأىً منكم و أنتم ساكتين بل تدفعون به غرقاً:
فالحروب الدينية بلغت أن أجدادكم الذين كانوا يذبحون الأطفال على مذابح آلهتهم يشنّون من أعمالكم، فأنتم تقتلونهم في بيوتهم و في شوارع مدنهم،
و الطمع بلغ أن الناس أكثرهم عبيد للأغنياء الذين تباركون و تدعمون، لئلا يموتوا في العراء جياعاً،
و المخدرات و الكحول، تُزرع و تُصنع و يُتاجر بها الديّنون تحت أنظاركم، يتعاطاها الناس هاربين من آلامهم و حيرتهم، راغبين بلذة عنيفة تُنسيهم وجودهم، تَذهب عقولُهم و تَبلى أجسامُهم و تغادرهم أرواحهم،
و يرمي الناس بأجسامهم في ملذات الحس ظانّين أنها تُداوي ألم جلودهم إلا ليزدادوا ألماً، فيتجاوزون حدوداً وضعوها لأنفسهم من قبل و يزدادون سقوطاً ...

لو أردنا يا رجال الدين أن نفصّل الكلام عن أعمالكم لملأنا كُتباً على كُتبٍ، هذا ظلم هذا العالم الذي أُسدِل على العالم بسكوتكم و تأييدكم و تحليلكم، آن الأوان أن ينتهي زمن ظلامكم، قد دام آلافاً من السنين يا رجال الدين

 

خلق ربكم الناس ليعبدوه،
و المؤمنون يفهمون من هذا أن يسيروا على سبيل المعرفة و الفضيلة التي ينعم عليهم، فهذه أعظم جائزة يُجازها الإنسان و أكبر متعة و أحسن تكريم،
أما آلهتكم يا رجال الدين، فإنها تخلق الإنسان خاطئاً و ضعيفاً لتغريه بالمغريات ليزداد خطأً فتهدده بالعقاب، ثم تأمره أوامراً لا يرى بعقله أنها تعينه بأي شيءٍ في حياته، و إذا استفسر عنها تُسكتونه و تقولون أن يسلّم بكل ما تقولون لئلا يزيده إلاهكم عذاباً،
فلا تلوموا إلا أنفسكم يا رجال الدين إذا رأيتم الناس يرفضون الكتب و يهزؤون منها، و لا تعجبوا إذا انتشرت العقائد المادية الملحدة، فما تقدّمون للناس: الكتب و تعاليم الرسل بِراء منه: فهذه تخاطب العقول، و أما شرائعكم و شعائركم فتخدرها و تصمّها،
و المؤمنون يقولون لكم اليوم أن الكتب ليست ملكاً لكم و لا أنتم وكلاء السماء على الأرض، لقد آن أوان نزولكم عن عروشكم يا رجال الدين

 

هل تعلمون يا رجال الدين لماذا لا تهدأ العداوة على الأرض و لماذا يذهب الناس مذهب التطرّف؟
تفكّروا بهذا:
أنتم لا توحّدون قلوب شعوبكم إلا بالعصبية القومية و الدينية، و الكراهية للأعداء الذين تعرّفون لهم،
و أنتم ليس لديكم ما تقدّمون للناس غير التخويف من عقاب إلاهكم، فهذا هو الهدى في حدود فهمكم،
هكذا في الحالين تنقلب رؤوسكم و رؤوس الذين يتبعونكم:
فالمحبة التي ذكّرت بها الكتب و الحكمة إنقلبت أداةً لتحميس العداوة، و المعرفة التي تهدي الناس لحل أزمات حياتهم و التغلب على صعابها إنقلبت خوفاً من عقاب إلاه يختبر ولاء الناس بظلمه لهم،
فهل تعجبون لماذا تزداد الشعوب التي تحكمون رسوباً في ظلامها و عذابها؟
أنتم تؤزّمون الأزمات ثم تقدمون حلولاً تزيدها تأزّماً، هكذا تضمنون استمرار مؤسساتكم و سلطانكم، هذه الحلقة الباطلة (vicious circle) لا تنتهي إلا بذهاب معتقداتكم يا رجال الدين

 

ألذين خَلَت الفضيلة التي فطرهم عليها ربهم من قلوبهم و الذين لا إيمان لهم، هؤلاء هم الذين يترقبون الخوف و يتنفّسون شهوةً و غضباً، هؤلاء هم الذين يطلبون شرائعكم و شعائركم، تُملي عليهم ما يأكلون و يشربون و أين يسكنون، تبيح لهم شهواتهم و أطماعهم و تسعّر عداواتهم و تهدهدهم ليناموا على الوعود، في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً يا رجال الدين،
و الذين حفظوا الغيب، في قلوبهم الرحمة و في رؤوسهم جذوة من نور الإيمان، أولئك الذين ينظرهم ربهم و يخاطبهم وتطمئن نفوسهم في قربهم كلما ألمّت بهم الملمات، يقولون سبحانك ربنا أتيت بنا إليك، هذا جزاء إيمانهم و صبرهم، أم حسبتم أنكم تقطفون الثمار و أنتم نائمين، و ربكم أقرب إليكم من نفوسكم لو تنظرون يا رجال الدين

 

يا رجال الدين، هذا الكون الفسيح العظيم المتألق: لو صرف الإنسان أعماره في إحصاء كواكبه و شموسه و مجرّاته و أنظمه الشمسية و أحيائه و حيوانه ...
خلقه ربكم بالحق، وهو غني عنه، هو الأعلم به، 
و ذرأكم فيه أناسياً كثيراً لتعرفوه، و تتمتّعوا بصوَر الخلق و الإبداع، وبموسيقى الزمان و ألوان الحدود و بحساب الرقيم،
أما لذة التكاثر و الطعام و الشراب و النصر على العدو و الثأر و البطش و الشماتة فهذه تحظى بها البهائم التي لا عقل لها، هي لذة الطبيعة في طبيعتها،
و لقد جاءتكم الكتب و الحكمة لتوقظ في عقولكم حب العلم و في قلوبكم حب جمال الفضيلة، لقد آثرتم ملذات الطبيعة، لأنها هيّنة عليكم، لكن الطبيعة لا تأبه بمشاعركم و آمالكم و آلامكم، و لا غاية لها إلا استمرار نفسها بالمحبة و الخلود الهابط في الوجود الطبيعي، و هي غافلة عنه، 
و إن الملذات التي ينجذب إليها الإنسان تأسره في طبيعتها،
و هذا يا رجال الدين يغرّكم بقليل من اللذة لا تلبث أن تنقلب عليكم ألماً على ألم و عذاباً على عذاب، فتيقنوا إن كنتم عاقلين،
فاسألوا أنفسكم، هل خلق الله الكون من أجل أن يُحل للإنسان الطعام و الشراب و النكاح و التجارة و الحرب و السياسة، وكل هذه تعرفها البهائم التي لا عقل لها بناموس الطبيعة على قدرها، فتساءلوا إن كنتم تتساءلون

 

يا رجال الدين، ألكتب و الحكمة أُنزلت باللغات البشرية، التي أصلها في المعاني العقلية، ألتي هبطت في الصور و الحركة الكونية، ألتي انعكست على الفكر البشري في لغاته و تعابيره،
فهكذا: ألوعي البشري طريق ذو اتجاهين: من المعاني العقلية إلى الصور و حركتها التي تُرجعها إلى قيمها، و من الصور و حركتها إلى الفكر حيث المفاهيم المجتناة في مكانها و زمانها تحت إشراف المعاني العقلية،
و هكذا يحجب الإنسان المعاني العقلية إذا ما اتخذ المفاهيم الذهنية إطاراً لإدراكه، و الكتب و الحكمة يا رجال الدين هي توحيد هذين الطريقين، ليس بالإضافة بل بإدراك التوحيد،
فترون بعضكم بعضاً يقرؤونها في عَرَضِها الأدنى حيث الطبيعة و المفاهيم الفكرية، أولئك الذين قال عنهم ربكم: أخذوا نصيبهم من الكتاب، و قال: يحرفون الكلم عن مواضعه: أي يأخذونه بحرفيته بعيداً عن مواضعه في العقول،
كل الكتب يا رجال الدين قد أُنزلت من لوح محفوظ باللغات البشرية، حقيقتها في العقل و ليست في القواميس التي كتبتم بأيديكم، هذا هو تأويلها، يعني إرجاعها إلى أوّلها من حيث أُنزلت،
فحتى هذه الكلمة أسقطموها في المفاهيم الذهنية و قلتم أنها تعني التفسير الذي لايتفق مع تفسيركم،
قرون و ألفيّات ولّت، و لا أحد منكم حاول بلوغ عقله في الكتب، سكنتم في الطبيعة و ناموسها و أحكامها، و اكتفيتم بما ترون منها و تسمعون، حتى هذا لم تجيدوه، فالذين نظروا و أنسطوا للطبيعة برعوا في العلوم التجريبية و الفنون، هذا فشلكم الفادح يا رجال الدين

 

يا رجال الدين، لن تزالوا تسببون لأنفسكم صراعاً على الأرض ما دمتم تعتقدون أن الحياة صراع بين الخير و الشر،
فلو غيّرتم منظوركم (perspective) لتروا أن الحياة رحلة علم و معرفة: يغدو الشر حاصلَ جهل، بدل أن يكون شيئاً قائماً بنفسه،
و الفرق بين المنظورين عظيم: ألثاني يرى الشر شيئاً لا يُقهر بحكم وجوده، و الأول يراه عرضاً ينتهي بالمعرفة،
لكنكم سوف تسارعون للقول أن الشر قد يفعله فاعله عَمداً لإلحاق أذىً بالناس، و الرد على ذلك أن فاعل الشر المتعمّد ذو مُعتقد قائم على الصراع بين الخير و الشر، و هذا بحد نفسه جهل، و هكذا الجهل هو ما يدفع الناس لأذى أنفسهم أو غيرهم عمداً أو غير عمد

 

و يا رجال الدين، إن القصص التي وردت في الكتب عن الشيطان تختلف لأنها تقص قصصاً جرت على آفاق مختلفة في أدوار وجودية متعددة، لكنها تتفق على أن الشيطان أغرى أو تحدّى آدم: فهذا يضع هذا الحدث على أفقٍ الجهلُ فيه ممكن: ذلك لأن آدم في هذه القصص إستشعر مشاعراً لا تُستشعر في حال الكمال: و هذا هو الحق،
و كون الحق الحَكَم بين آدم و الشيطان يجعل من آدم هذا كائناً دون الحق،
فلا تقولوا أن الرب بدأ آدم أو العقل ثم بدأ الشيطان، فهكذا تُحدّون تطلّعَكم إلى النفس و تحجبون الحق: الكمال الواحد الواجب الوجود فوق الثنائية و الضدية، و تحت الأحدية غير العددية،
لكنكم بحجبكم الحق حجبتم النفس أيضاً، لأنكم لن تروا إلا الشيطان: الظلام الذي رأته النفس حين تمكنت في الثنائية

 

يا رجال الدين، إن اعتقادكم بصراع الخير و الشر يُريكم العالم بالأسود و الأبيض، فحتى الرمادي غير مرأي في منظوركم،
ألواقع أن العالم ذو ألوان، و في منظوركم أنتم محرومون من معرفة جماله و من فهم صوره التي هي انعكاس للحقائق، هكذا يا رجال الدين لا تعرفون حقيقة و لا روحاً، و إن قلتم أنكم تسلّمون بوجود شيءٍ غير مُدرك بالحواس،
هذا الشيء: تنسبون له ما تشاؤون، لأنه غير موجود إلا في وهمكم،
لذلك أنتم ملهوفون لتدركوه بشيء أو بحجر أو بكتاب أو بإنسان ...
الروح في كل موجود و لا وجود بغير روح يا رجال الدين

 

يا رجال الدين، إنها لذة للعين أن تنظر الصور و حركتها لتتعرف على معانيها و أسبابها، و ترى ترابطها ببعضها و تناغمها، و الأشياء الواضحة الأسباب مريحة للعين الناظرة و جمالها جذوة صغيرة من جمال الحق الذي هو سبب الأسباب،
أما الأشياء التي تعجز العين عن أدراك أسبابها فإنها باهرة للنظر و مخيفة للناظرين،
و السّحرة يعرفون هذا السر، و منذ قديم الزمان راحوا يخدعون أنظار الناس بالسحر، والسحر لا يُعلّم الناظر إليه شيئاً، إنه وسيلة الدجالين و الكذابين الذين لا علم عندهم، يخلبون به عقول الناس ليأخذوهم أسرى للطاغوت الذي يعبدون

 

ألعالم لا يجري بالسحر يا رجال الدين، و معجزة الوجود أنه الحق القادر على كل شيء بالحق، و لا يعزب عنه مثقال ذرة،
و كم بلّغ الرسل هذا للناس، و في هذا الزمان كشف العلم التجريبي كثيراً من الوقائع الطبيعية و أنتم لا تزالون لا تفهمون قول ربكم إنّ الله على كل شيء قدير،
فأنتم لا تزالون تعتقدون للوجود خالقاً يأخذ قراراته إعتباطاً، منذ أن خلق آدم و الشيطان متحدّياً له و مُضلّاً،
و اعتباط هذا الخالق أعطاكم الحرية لتنسبوا له ما شئتم من القرارات و الأفعال،
فلا تعجبوا أن الماديين أزالوا فكرة هكذا خالق من أذهانهم فصارت الإعتباطيةُ عشوائة الكون في قواميسهم،
ألإعتباطية صنو العشوائية، فالإثنتان تنظران إلى الوجود "بغير الحق"،
و كم تردد هذا التعبير في القرآن، لكنه قول ثقيل على آذانكم يا رجال الدين

 

لم يأت الرسلُ بالسحر يا رجال الدين، و كُفّوا عن القول أن السحر معجزات الرسل،
إنما معجزات الرسل أنهم علّقهم ربهم بجهادهم على الماء ليروا السماء في أجسام على الأرض فكانوا ناسوته المحقق بذاته و نطقوا بالحجة و أتوا بعلم لا يطاله الفكر المبني على مفاهيمكم المُجتناة من الأرض يا رجال الدين،
لذلك قيل أنهم يحيون الموتى و يشفون العمي و يبرؤون البرص لتخلص جلودهم من الإدمان على ملذاتها و تصير طاهرة كجلود الأطفال،
و عندما علّم يوسفُ موسى أن يلقي عصاه على عرْض سحرة الفرعون تقطّعت الخيوط الدقيقة التي حملت الأشياء لتُظهرها حائمة في الهواء و إنهار عرضهم،
لكنكم تظنون أن موسى كان ذا سحر أقوى من سحرة الفرعون، و بقي السحر ساحراً عقولكم إلى الحاضر، و إذ ذكّرتكم بهذا استكبرتم و لم تعطوه أهميةً، كثير من تابعيكم يتبعون السحرة اليوم و ما أكثرهم يا رجال الدين

 

يا رجال الدين، ألعاقل يعرف أنه لا يعرف إلا القليل، فلا ينكفّ عن طلب العلم،
و الجاهل مكتفىٍ بما لا تُقدّمون له و يسير حيث تمنعونه عن المسير،

و العاقل يرغب بحوار من لا يوافقه في معارفه، لأنه على يقين منها،
و الجاهل يسعى لقتل كل من يعترضه، لأن لا قدرة له على مواجهة أحد

 

يا رجال الدين، إن مؤسساتكم و أزياءكم و زخارفكم و الألقاب التي تلقبون أنفسكم: ملجأ للهاربين من الجهاد في سبيل المعرفة و الإرتقاء في الأخلاق، وهي تعطيكم و تعطي تابعيكم طمأنينة مؤقتة و حماية وهمية من مسيرة الزمان،
ليس التمسك بها إخلاصاً للحق، بل إخلاصٌ لكم،
و الحق يُجري الأجرام و الأرض و البحار و تبقى مؤسساتكم و أزياؤكم و زخارفكم و ألقابكم جدراناً تسكنون داخلها، ذلك لإن معتقداتكم و شرائعكم و شعائركم لا تُصلح لأي شيء خارج هذه الجدران

 

و الحقِّ يا رجال الدين، ليس تابعوكم غارقين في المآسي و العذاب لأنهم لم يسيروا على شرائعكم، بل لأنهم ساروا عليها،
و اليوم تضيّقون الخناق عليهم و تقولون لهم أن يزدادوا تزمّتاً و تطرّفاً، و أنتم ترون أن هذا لا يزيدهم إلا عذاباً،
ثم تقولون لهم أن يصبروا لأن إلاهكم سوف يكافئهم على الصبر و إيّاكم،

لا أعلم يا رجال الدين كيف ستقابلونهم و ماذا ستقولون يوم تنزّلون عن عروشكم التي نصبتم عليها أنفسكم،
فاقرؤوا كتبكم و حكمتكم، وعد ربكم الذين يجاهدون في سبيله حسن الوعد، و اللذين يريدونها عِوَجاً ناموسُ الطبيعة إلاههم و شياطينها أسيادهم، بعضهم يظلم بعضاً، ثم تنقلب أقدارهم، يفرحون يوماً و يتعذبون أياماً كثيراً

 

يا رجال الدين، إن معرفة الإنسان لوجوده تُملي عليه فهمه و أخلاقه و أعماله،
فالذين يعرفون إلاههم في شيءٍ أو حجر أو كتاب أو بشر تقتصر عقولهم و نفوسهم على الطبيعة،
هذه جهنم الذي وعدهم الكتاب،
و الذين يعرفون الحق يضيء عقولَهم و ترتوي قلوبهم من الرحمة، كُلوا من طيّبات ما رزقاكم و اشكروا الله،
ينظرهم ربهم كما وعدهم، ألم يأت في الكتاب إياك نعبد و إياك نستعين؟ هذه شهادة العين و ليست شهادة العين كشهادة اللسان يا رجال الدين

 

يا رجال الدين، هل أتاكم نبأ السرّاقين الذين يأخذون كلمة ربهم من حروفها ليبعدوها عن مواقعها في العقول، يكتبون بها شرائعاً بأيديهم ليحكم الطاغوتُ،
هؤلاء الذين قال ربكم في التورات و في القرآن أنْ إقطعوا أيديهم و لن تقطعوا أيديكم حتى تعرفوا الحقَّ فتقرؤوا الكتاب قراءته الصحيحة و تضيء آياتُه عقولَكم و تُحيي قلوبَكم بالرحمة،
تقطعون أيدي المُستضعين و أما الأثرياء فهؤلاء يسرقون حقوقَهم و يستعبدونهم بتشريعكم و دعمكم لهم، قد عم الفساد الأرض إذ انقلبت الرؤوس على الأعقاب، فانتظروا فلن يطول الإنتظار و إنا معكم من المنتظرين

 

يا رجال الدين، إن شرائعكم و شعائركم جزاء انعدام فهمكم لكتبكم و خلوّ عقولكم و قلوبكم من الفضيلة و الإيمان، فلا تمنّوا على الله ضلالكم الذي تحسبونه هدىً و ربكم الغني لو تعقلون،
و كلما ازدتّم جهلاً إزدتم رسوباً في الأرض و صرتم أجساماً بلا أرواح تحرّكها غرائز البهائم، هذا هو لحم الخنزير الذي حرّمه الله عليكم في التورات و في القرآن،
لكن حبّكم للأرض أصمّ أفهامَكم و تحريمُكم لأكل بعض من لحومها لم ينفعكم في الفكر أو الأخلاق، تريدون أن يغرق العالم غرقكم: تحثون تابعيكم على القتل و الدمار و تبيحون لهم إغتصاب المستضعفات و القاصرات، ثم تعدونهم جنات الطعام والشراب و النكاح و أنتم تقرؤون الكتاب،
ألم يأت في القرآن أنّ الذين كفروا في أدوار مضت قد مسخهم ربهم قردةً و خنازيراً، ذلك لتوافق الصورةُ ما حَوَت، فتفكروا إن كنتم على التفكر قادرين

 

و قيل لكم أنه أسهل على الجمل أن يدخل سمّ الخياط من الأغنياء أن يدخلوا ملكوت السماء،
و قيل لكم لا تأكلوا الربو أضعافاً مضاعفةً، و الربو ما يربو بالطمع و الظلم،
فلعمري كيف أبحتم أكل حقوق المستضعفين و جعلتم شعوبكم طبقاتٍ من ظالمين و مظلومين، حللتم الربح أضعافاً مضاعفة و الإحتكار و الرشوة و السمسرة و الخديعة في التجارة و قلتم للأثرياء أن ثراءهم نعمة إلاهكم و رزق منه،
ألا إن رزقَ الله الرزقُ الحسن فترى المؤمنين ذوي خلق كريم و الرحمةُ في قلوبهم و في عقولهم حكمة،
و أنظمكم المالية في الشرق و الغرب أنظمُ الطاغوت: جعلتم شعوبكم طبقات ثم تمنّون عليهم الصدقات، يأتون أبوابكم أذلّة لتَظهروا مظهر الديّن المتصدّق: كيفما بررتموها و مهما كتبتم من قوانين و فتاوى لتلبسوها لباس العدل و التديّن،
فلا تعجبوا أن العالم قادم على انهيار إقتصاي و إجتماعي، كل فريق منكم يلوم الآخر، تقولون: لو سِرتم على شريعتنا،
و الحقِّ، لا فرقَ بين شرائع الطاغوت التي شرعتم إلا في أسمائها التي أسميتموها يا رجال الدين

 

و كل فريق منكم يا رجال الدين: تقولون متى سينتهي هذا الخطاب؟ فلا هو يَعنينا،
لن ينتهي هذا الخطاب حتى يظهر الحقُ، أم حسبتم أن شرائعكم و شعائركم و وعود وعدتم أنفسكم تُصلِح ما أفسدتم؟ و منكم من أفسد بالقول و منكم من أفسد بالأعمال و منكم من أفسد بالسكوت والسكون، و المؤمنون لا يسكتون و لا يسكنون على ظلمٍ سواء أكان على أنفسهم أم على غيرهم و لا يخافون قول الحق أمام كل جائرٍ متكبرٍ

 

و حُرّم عليكم الخمر و الميسر، و لم تأتِ هاتان الكلمتان معاً إلا لدلالتهما على الشيء عينه،
فكل ادخار يستهدف الربح بغير جهد، بإرجاح كفّتي ميزان العرض و الطلب واحدة على الأخرى، و التلاعبَ بالأسعار، لكي يكسب صاحبه كسباً سريعاً كبيراً: هو خمر محرّم،
و قد نمى اقتصاد دول أباحته في زمن كانت فيه وفرةٌ و كان الإستهلاك محدوداً قياساً بالحاضر، لكن دورة المال قد تسارعت بسرعة المواصلات و الإتصالات و تعدد المستهلكات،
و الناس اليومَ يُضربون بسوط الإعلانات التجارية التي تدفع بهم إلى جنون الإشتراء و كثيرون منهم لم يبق هدف في حياتهم غير الظهور بمظهر المستهلك المُقتدِر، 
و الخمر و الميسر لعبتان خطيرتان، ضرّهما أكبر من النفع الذي يحظى به اللاعب بغير جهد و على حساب خسران أو إفلاس لغيره من الناس، و هذا أمر كان عليكم أن تتنبّهوا له يا رجال الدين

 

يا رجال الدين، تتنافسون بين الشرق و الغرب على تلقيب أنفسكم أفضل الألقاب و تلقيب بعضكم بعضاً بالألقاب الخسيسة،
ألواقع يا رجال الدين أنكم مصيبون في رؤية عيوب غيركم لكنكم لا ترون أنها عيوبكم أنتم أيضاً، لأنكم تسترونها بتقاليدكم و شرائعكم،
فالكتب جميعها لم تحلْ تعدد الأزواج لا بالسرّ و لا بالجهر، و القرآن دعى المؤمنين لهجر الشهوات و قال لهم أن يتزوجوا إذا خافوا أن لا يعدلوا في طريق العفّة، فلينكحوا من استحبّوا من النساء مرتين أو ثلاث مرّات أو أربع مرات ... و إن خافوا أن لا يتوقّفوا: فمرّةً واحدة و إلا فلن تستملك عقولُهم غرائزَهم، فذلك خير لهم لئلا ينحرفوا عن الطريق، فهذا طريق شاق لا يطرقه الذي لا قوة له عليه،
و الذين يحبون الدنيا و متاعها فهؤلاء يقرؤون ما تهواه أنفسهم و ما يمليه الفكر عليهم في إطار تقاليدهم و مناهجهم، هذه هي معجزة الكتاب العظيم، له عتبات، للذين أحبوا الدنيا لهم فيه ما تهوى أنفسهم و هذا نصيبهم من الكتاب، و الذين عرفوا الحق يقرؤونه قراءته الصحيحة فيصعدون على أعتابه، و قد استطاعوا إليه سبيلاً

 

أهذا ما تريدون يا رجال الدين؟ نصر على الأعداء و شماتة بهم و إذلال لهم، ثم ترف و طعام و شراب و نكاح و أبناء، على الأرض و في السماء ...
هذه نعم تنعم بها البهائم التي لا عقل لها بغرائز الطبيعة لتخلّد نفسها فيها،
و أنتم الإنسان ذو الخيال و الجد و الوحي و الفكر و الإيمان و التعبير و الرحمة و العقل،
فإنه من معجزات خلق ربكم أن هذا الجسم الإنساني هو الكون بكليّته، بأعضائه و حواسه و دماغه التي من تراب الأرض، قادر بإذن ربه و نظره أن يرقى على الكون بكليته،
فلماذا اكتفيتم بغرائز الطبيعة و جعلتموها أملكم و أمر إلاهكم؟
لقد أوتيتم محيطاً لتُبحروا إلى أبعاده و أعماقه، اكتفيتم بكوب منه و جرعتموه، فإذا هو أجاج مالح

 

كثيرون منكم: تقولون أنكم لستم أهل شرائع و أن هذا الخطاب لا يعنيكم،
و الحق يا رجال الدين، كل من لا يعرف الحق أسير الشرائع بطبيعة الحال،
و ترون الذين لا يعرفون الحق خائفين من عقاب وصفتم لهم إذا لم يسيروا على تعاليمكم،
و متى تُقرّوا أنكم لستم ممثلي الحق على الأرض تحرروهم من شرائعكم كيفما كانت ليطلبوا العلم و يتطهروا بالأخلاق الفاضلة، فهذه هي الشريعة الروحانية لأنها لا تقيس بالنسبية،
ألم يأت في الكتاب ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون و إذا أكالوهم أو وزنوهم يُخسرون؟
فإن الذين دينهم تجارة مع إلاههم لا يقرؤون إلا شريعة التجارة في تلك الآيات و أما الذين يعرفون الحق فإنهم يرونه فوق أنفسهم و فوق كل شيء، و هؤلاء لا يخافون عقاباً وصفتموه لأنهم لا يخافون إلا أن يغيب الحق عن أبصارهم

 

يا رجال الدين، ليس عيباً و لا حراماً أن تحبوا خلق ربكم، لكن العيب و الحرام أن تنسوا، لأنكم عندما تنسون تعذّبون أنفسكم، و ليس ربكم يعذبكم، و كم أتاكم من ذِكر، 
حتى الذكر نسيتموه و حسبتموه أحداثاً تبدأ و تنتهي، و لذلك لم تروا فيه إلا الإختلاف،
فكل مشرق للشمس يا رجال الدين مشرقٌ للشمس الواحدة، لكن لا مشرقَ كمشرقٍ قبله، فتفكروا إن كنتم من المتفكرين

 

يا رجال الدين، تقولون لتابعيكم أن ينتظروا أحداثاً حسب وصف وصفتموه و توقّع توقّعتموه، و المؤمنون يعرفون الحق،
و عندما تظهر المظاهر القدسية هؤلاء هم القادرون أن يشهدوها،
أما أنتم و تابعوكم فتبقون على مظاهر الأحداث متجادلين و متخاصمين، ثم يبدأ عهد جديد و أنتم وتابعوكم في الماضي ساكنين، هذا عقابكم الذي عاقبتم أنفسكم

 

يا رجال الدين، أنه أهون عليكم أن يبقى الإنسان على ظلامه، فهكذا تحكمونه بخوفه و أطماعه و أهوائه بأحكامكم المتعسفة قائلين أنها أحكام خالق هذا الكون و أنكم مٌمثّلوه،
و عندما يرى الناس قبساً من وجودهم لا مكان لكم في عالم يجري بسلطة الإنسان و ليس متخبّطاً بظلامه،
لا يحل ظلام على العالم إلا ليُضاء، ألم يأت في الكتاب و لم نكن مُعذِّبين حتى نبعث رسولاً؟ فلا قوة لكم على تعتيم جمال يأتي ليتفجّر، أو إسكات كلمة تَنزل صواعقاً، فادفنوا رؤوسكم في الرمال طالما شئتم، ليس نثر الرمال على ربكم أمراً عسيراً

 

يا رجال الدين، كلما ازدتم تمسّكاً بشروحكم و تفاسيركم و أحكام الذين لقّبتموهم علماءكم: إنقلبتم على أعقابكم و ازدتم رسوباً،
ألحق لا يستشير هؤلاء و لا يستشيركم، فاعملوا على مكانتكم تزدادوا صمماً و عمىً، و كلما تفوهتم بكلمة تُظهرون جهلاً تحسبونه علماً، خلت من قبلكم أمم بنت أمجادها على أوهامها حتى حاقت بها آثامها، و لستم بمُعجِزين

 

لا يستطيع إنسان أن يفارق شهوات النفس ما لم يعرف قائم الزمان، 
و ليس كل من يعيش حياةً عفيفة مُفارقاً لشهواته،
و مفارقة الشهوات هي بالأحرى لقاء الحقيقة،
و النفس تضحي بنفسها على مذبح الحقيقة،
من الواضح أن الكاتب يحاول الكلام عن شيئ لم يختبره، لذلك التحليل اللغوي الذكي،
"فَمَتَى مَا رَجَعْتُمْ عَنْ مَرَاسِمِ الْقَآئِمِ الْهَادِي الْإِمَامِ فَقَدْ نَكَثْتُم الّتَّوْحِيدَ الَّذِي ادَّعَيْتُمُوْهُ اِذْ لاَ تَوْحِيْدَ اِلاَّ بِالْطَّاعَةِ لِاَوَامِرِ قَآئِمِ الزَّمَانِ"، يا رجال الدين

 

يا رجال الدين، ما نقول لكم لا يهددكم و لا يهدد طوائفكم و أديانكم، و لو أن قبساً من الحكمة أضاء عقولكم لتيقّنتم أن لا خلاص لكم من عذاب يتربّص بكم إلا بالرجوع إلى الكتب بِراءً من معتقدات و اقتناعات ورثتموها عن آبائكم و أجدادكم،
ألكتب و الحكمة بريئة منها، و انظروا أمماً سبقتكم، لم تخلص أمة قبلكم من عذابها بسكونها حيثما وجدت آباءها و أجدادها، بل ازدادت عذاباً،
فانزلوا عن عروشكم، و لا تعدوا الناس وعوداً أنتم تعلمون أن لا سلطة لكم على إيفائها و لا تقولوا أنكم تعلمون ما لا تعلمون

 

يا رجال الدين، أليوم كلكم سواسية، فرّقتم الناس بالعداوة و الكبرياء و زدتموهم جهلاً، الحق لن يسألكم من المؤمنون و الموحدون منكم و من الكافرون، هو يعرفكم و أنتم لا تعرفون،
لقد اختلط الماء كما أُنذرتم في الكتاب، فلا تقولوا هذي شهاداتنا و عمادتنا و مواثيقنا على أوراق كتبتم بأجسام و أسماء زمنية، كتب الله إيمان المؤمنين و توحيدَهم على قلوبهم و في أبصارهم و يده فوق أيديهم و هو لا يشارككم في حكمه، فلا تستعجلوا أحكاماً على أنفسكم و على الناس ربكم يعرف الناس و ما تُسرّ صدورهم و أنتم لا تعرفون

 

يا رجال الدين، لا تتوقعوا أن تسود العالمَ العدالةُ ما دمتم تعبدون إلاهاً يخلق الناس ليقاصصهم على خلقه، فالإنسان يمثّلُ فهمَه و قيمَه الأخلاقيّةَ في الآلهة التي يصنعُها ليعبدَها،
سوف يتسلط بعضُكم على بعض و يظلم بعضُكم بعضاً ما دمتم تعبدون إلاهاً ظالماً مُتعسفاً و سوف تعبدون إلاهاً ظالماً متعسفاً ما دام بعضُكم يتسلط على بعض و يظلم بعضُكم بعضاً،
ظننتم بربكم ظنَّ السوء و قال الكتاب إن بعض الظنّ إثمٌ، متى تنزلوا عن عروشكم تنزلْ آلهتُكم معكم، إنزلوا عن عروشكم يا رجال الدين

 

يا رجال الدين، قال ربكم لا تُحلوا شعائر الله فقرأتم أنْ لا تُفارقوها و بقيتم على سُنن الأولين تشترون رضىً من إلاهكم بالشعائر و الهدي و تقاليد الجاهلية، و الله مالك الملك، لا تشترون رضاوانه، فإن فعلتم خيراً فلكم و إن فعلتم سوءً فعليكم و الله غنيّ عن العالمَين،
و قد قال لكم يوحنا لا تُعطوا الرب ما كان له منذ البدء،

ألله خالق الظلمة و النور، فإذا قال لكم لا تُحلوا ظلام الله فهل تقرؤون لا تهجروه؟

و لما صعُب عليكم فراق الشعائر أمرَكم أن تقرؤوا آياتٍ من كتابه عساها تُنزِل عليكم زينةً في مساجد قلوبكم تنهاكم عن الفحشاء و المنكر و تهديكم صراطاً مستقيماً، غيّبتموها حتى صارت هينة على ذاكرتكم أن تُردّدها و عقولكم ساهية عن معانيها و قلوبكم تلحّ على مطالبها من مال و بنين و نصر على الأعداء،
يريد ربُّكم القُربى بكم و أنتم تحبون الأرض، و لكلمته عتبات يا رجال الدين، هذه معجزة كتابه، لم تصعدوا عتباته و بقيتم في الأرض راسبين

 

يا رجال الدين، عندما قال ربكم للملائكة "إني جاعل في الأرض خليفةً، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء" ذلك لأن سبق هذا الزمانَ أزمنةٌ عديدة قبله، و الأرض مليئة بآثار ذلك الخلق، أخبرت الكتبُ بعضاً من أخبارهم ثم جاءت دائرة الجمال بالمزيد،

فإن حضارات الإنسان قد قامت على هذه الأرض منذ مئآت الملايين من السنين و سوف تكشف الأرضُ بعضَ مُدخراتها في هذا الزمان لتضع عقولكم و عقول المُعتقدين بالنشوء و الإرتقاء في حال الذهول و تُغلّط تفسيركم للكتب و تفسيرهم لتاريخ الإنسان،

و الخليفة الذي ذكره ربكم هو خليفة الإنسان الذي سبق هذا الدور الزمني، و ليس ربّكم ليُنسب إليه نسب على الأرض أو خليفة أو أبناء أو أولياء فهذا إشراك تعالى ربكم علواً لا تدركونه بأفكاركم،

فلا تقولوا أن إنساناً خليفته أو إبنه أو وليه أو إنسانه، و لا تقولوا أنكم خلفاؤه أو أئمته أو أولياؤه أو أبناؤه لأنكم من ذريتهم، هذا إشراك تعالى ربكم أن يتصوّر في خلقه علواً عظيماً،

و لا تقولوا أنّكم من ذرية مؤمنة، لقد اختلط الماء و ربكم يعلم المؤمنين و الموحدين منكم و يعلم الظالمين و أنتم لا تعلمون،

يرسل ربكم حدوده و السادقين عوناً لهم، أينما يشاء ساعة يشاء لا يطلب إذناً منكم و لا يُعلمكم مُسبقاً،

يعيشون عيشكم و يتعذبون عذابكم ليقوموا من الموت و يخرجوا من الظلمات إلى النور لتخرجوا معهم، فهم ناسوته المحقق بذاته و الناطقون بالحجة و مضيؤو طرق الفكر و الإبداع البشري فتستمرّ رحلة الإنسان في برزخ الكون: يعني في المسافة الناتجة عن فلق الحبّة: بين الوحدة و الثنائية التي قال الكتاب "و الشفع و الوتر"، و لولاهم لما أضاء كهفاً سراجٌ منير

Bottom of Form

 


 


All rights reserved
Copyright The Circle of Beauty

  Site Map