يا دروز

أين أنتم؟ هذا وقتكم،
لو سرتم بهدى عقولكم كما علّمتكم الحكمة لاهتديتم و هديتم كل من يشاء أن يهتدي،
لكنكم نمتم على وعود أئمتكم و رجال دينكم، و عندما تنام النواطير ترتع الذئاب و الثعالب، و يفلت السراقون،
قال لكم الكتاب أن تقطعوا أيديهم فتخاذلتم، و خفتم بشراً مثلكم، و راحوا يقطّعون أيدي الضعفاء و يسفكون الدماء، و بقوا على شرائع الوثنية، إلا أن تبقوا معهم نائمين، تقولون هذا ما كتبه ربنا،
مثلكم كالذي إذا فعل شيئاً قال هذا ما كتبه الله، و إذا لم يفعله قال هذا ما كتبه الله، فانظروا عذاباً حاق بكم، هذا ما كتبتم لأنفسكم،
لقد اختلط الفرات العذب بالأجاج المالح، فلا من يعرف حدود ربه و لا من يفهم قولاً، و قد جئناكم بالحجة و البرهان، فاغتظتم و جادلتم جدل أهل الكتاب، و كلما أتيتم بقول غلّطناه بقول بيّن،
غضبتم و ولّيتم وجوهكم، تريدون فحصاً مخبريّاً لدم كاتبه، و ورقة مخبّأة للهرم، يا حسرة عليكم، نزلتم منازل أهل الكتاب،
فلا تعجبوا أن الزمان قد هجركم تتسكعون على أبواب الطاغوت و السحرة و الدجالين و عور العِين،
فانتظروا و إني معكم من المنتظرين، يوم أعود لستم إلا أهل كتاب، إلا قليلين، ربهم يعرفهم و هم يعرفونه

 

يا دروز (2)

ألحق لا يحق بالخوارق، 
إنتظرها قبلكم أهل الكتاب و ما يزالون ينتظرون،
ألحق يحق في عقول المؤمنين و الموحدين،
و أما الخوارق التي تتوقعون: كل فريق ينتظرونها على ذوق أئمتهم و حسب وعودهم، و الحق لا يستمع لهم،
فإذا لم تتسع عقولكم للبراهين و الحقائق فاتقوا في الأرض فتنةً لا تصيب إلا الذين ظلموا منكم

 

يا دروز (3)

لا تريد هذه الصفحة منكم شيئاً، و لا من غيركم،
فلا أنتم الذين معكم مفاتيح السماء و لا أنتم تبحرون مركب الخلاص،
لا، و لا غيركم،
فإذا كان الإيمان في عقولكم و المعروف في قلوبكم: لعرفتموه، و هذه الصفحة غنية عن مذاهبكم

يا دروز (4)

ألوجود روح كل موجود و ليس العلم سراً إلا في أنفس الناس،
لا أنتم قادرون على احتكاره، و لا أنتم الذين تعطونه لهم أو تحرمونهم منه،
أما الأسرار التي تخبئون فلم تنفعكم شيئاً، خصصتم بها أنفسكم فازدتم كبرياء و غروراً،
و العلم لا يزداد المؤمنون به إلا محبة و تواضعاً

 

يا دروز (5)

يبقى أهل الكتاب عاكفين على الحجارة، و أنتم ما تزالون تتساءلون ما هي أوامر ربكم،
و بعد مضي ألف من السنين بات الفرق بينكما واهياً

 

يا دروز (6)

ألأشياء تُعرف بما هو أرقى منها، و الشيء الراقي لا يعرفه شيء دني،
هكذا المادة التي لا حواسّ لها تُعرف بحواس الكائنات الحية،
و هكذا حركة الطبيعة التي لا فكر عندها تُعرف بالفكر الإنساني بالملاحظة و التحليل المنطقي،
و هكذا كلمة ربكم التي لا تُسمِع الصمَّ و الأموات: يعرفها عقل الأيقاظ المؤمنين،
لذلك قالت الكتب و الحكمة أن ربكم لا يُدرَك بالأسماء و الأوصاف، و لا يبرهِن وجودَه سبحانه كلُّ ما خلق،
و كذلك قالت أنه يُدرِك الأبصارَ و لا تدركه الأبصارُ، نفياً للواسطة، 
فقبل أن تُفضِّلوا أنفسكم على أهل الكتاب تمعّنوا بما تعتقدون لئلا تبقوا في جهنمهم معهم خالدين

 

يا دروز (7)

أما ناسوت ربكم فهم حدوده إذ يبلغون السماء في الأجسام الطبيعية، لينطقوا و يزيلوا الحجب للمؤمنين، لذلك قال الكتاب هم أسماء ربكم الحسنى،
و هم كل مؤمن بلغ توحيده، و هذا لا يتحقق إلا بإسقاط جميع المعتقدات و الإقتناعات و الإنطباعات و المدركات الذهنية من النفس، فإن العين لا تنظر إلا روحاً طاهراً، و لا تُنظر إلا في المرايا الصافية،
فكيف تعرفونهم؟ هذا اختبار أنفسكم في منأى الطبيعة، فالدجالون أذكياء و كثيرون، يظهرون قوة و سلطاناً للأنفس الضعيفة، فتسقط في فخاخهم، عوذوا بربكم من هكذا قدر

 

يا دروز (8)

لذلك فإن طلب العلم لا يحرّمه إلا الجاهل، ألذي لا يعلم ما هو العلم، ألذي يخلط التسليم بالإيمان، و التعابير اللغوية بالمعرفة، فيختلط في ذهنه
الخالق و المخلوق كفكرة، يسلم بها تسليماً، و هي من صنعه،
فلا تستمعوا للذين يحرمون طلب العلم، بل اطلبوا العلم، و تحدثوا عن نعم ربكم سراً و جهراً، أينما كنتم و كيفما لبستم، أنتم الرقباء على سلوككم، و أنتم الذين تطهرون خلقكم من أدران الدنيا و أوهامها،
يريدونكم أن تبقوا نياماً على الوعود التي وعدوكم، لن يأتوا إلا بالسجانَين مرة ثانية أسياداً عليكم، عوذوا بربكم من هكذا قدر

 

يا دروز (9)

تقبّلوا ألم الخلاص من أغلالكم فرحين، لأنكم إذا اخترتم أن تحتفظوا بها فسوف تبقى في أعناقكم و أيديكم و أرجلكم دوراً كاملاً، ويصبح الخلاص منها أشد صعوبة و ألماً،
ليس العناد إيماناً و لا إخلاصاً، إلا في نفوس الجاهلية، و المؤمنون يكسرون أغلالهم و يطرحون أعباءهم و يسيرون أحراراً على درب المعرفة، و لا تخيفهم لومة لائمين

 

يا دروز (10)

ألناس يصنعون أديانهم و طوائفهم، و يدعون الناس ليتبنَّوها على شروطهم، أو يخصصون أنفسهم بها و يجعلونها سريةً، و هذا اختيارهم و شأنهم،
أما دعوة ربكم لتوحيده فهي مفتوحة و لا تُغلق ما دام الوتر شفعاً، و ما خلق ربكم الإنس و الجن إلا ليعبدوه،
و في زمان دعوة الحاكم بأمر الله حمزة، عليه الصِلات و لا حاكم سواه، تعرض المؤمنون و الموحدون للقتل و التعذيب على أيدي عبدة البشر و الأوثان، فقيل أن الدعوة أُغلقت لردّ أذاهم عنهم،
ليس الإيمان و التوحيد ديناً و لا طائفة من الناس و لا حزباً، ليُفتحَ و يُغلق في ظروف مكانية زمانية، لكن هؤلاء لا يفهمون قولاً،
و لكم أن لا تقبلوا إلى طائفتكم أناساً من خارجها، لتحافظوا على تقاليدكم و أخلاقكم و لتُبعدوا الوثنية عنكم، و هذا شأنكم و أنتم تقرّونه،
لكن الموحدين منشرون في الأرض، و قيل لكم أن عددهم يقارب ثلث البشر، ولما تجلى ربكم شهدهم و شهدوه أينما كانوا عليها، لم يكتبوا مواثيقاً على أوراق و لا علم لهم بها،
ليست هذه دليلاً على توحيدهم، ميثاق الموحدين مسطور في قلوبهم منذ أن برأهم ربهم، و هذا ما لا تدوّنه مادة الأرض

 

يا دروز (11)

لقد أُعطيتم الحكمة، و هذا ملك عظيم، لتصححوا أخطاء أهل الكتاب، و تقرؤوا الكتب قراءة صحيحةً، أغلقتموها و قلتم أن الله قد حتم كل أمر،
ألله قد حتم أن يوحي الكتب و الحكمة لرسله، وهذه لهداية الناس، سواء أكانوا شهداء أم لم يكونوا، 
و اليوم تعادل الفريقان بالجهل، و حاقت بهما آثامهما، هذا ما جنت أيديهما، لا يكتب ربكم العذاب على الناس إلا بأعمالهم،
فلا تحتموا الخلاص لأنفسكم و العذاب لغيركم، هذا حكم ربكم و لا يشارككم به، و المؤمنون بعقولهم يطرحون أوهامهم و خرافات آبائهم و أجدادهم، ليُسقط عنهم ذنوبهم و ينظرهم، لا يصل صمدَ ظهوره مكان و زمان

 

يا دروز (12)

آخر شيء يخفيه المؤمن و الموحد عن الناس: يقينه و شهادته، ليعطي كل ذي حق حقه، فإذا كان أهل الكتاب و الماديون غير قادرين على فهم العلم و ممارسة الجهاد اللذين يوصلان إليه فهنا دور الباطنية، يريد أن لا يسهل السرقة للسارقين، ما أسهلَ عليهم أن يقولوا ما لا يعرفون، ليشتروا شهرة و مجداً، و ما أكثرهم اليوم،
لذلك فكل الكتب و سبل العرفان الشرقية القصوى باطنية، و الباطنية تفرضها حقيقتها التي لا تسعها الكلمات و التعاليم،
فأما السرية: فهذه إخباء شيء، و قد أخبأ كثيرون معتقداتهم لا لأنهم ذوو يقين أو شهداء، بل لأن معتقداتهم خرافية و غير عقلانية، مثلها كمثل معتقدات أكثر الناس، بل أكثر خرافية و مغايرة للعقل،
ثم استعملوها قوةً للتأثير بالناس و سلب ولائهم، و وعدوهم وعوداً باطلةً، فلا يلم الذين استجابوا إلا أنفسهم، 
و عندما تتخذ النجوم مواقعها قريباً و يتجلى ربكم للخلق على كل الأرض، مرةً جديدةً يرى الذين يعرفونه و الذين لا يعرفونه، و الذين يعرفونه يفتح في صُوْرهم نوافذاً إلى السماء، هم الذين يحكمون العالم الجديد و هُدّت بيوت الوثنية، و يبقى الناكرون في الحيرة التي يحبون

 

يا دروز (13)

ربكم لا يخيّب أمل أحد، فالذين يطلبون الطعام و الشراب و النكاح يحصلون عليه، و الذين يسجدون و يركعون للحجارة يلجؤون إليها خوفاً من ظلامها، و الذين يريدون مجداً في الأرض و نصراً على الأعداء و عيشاً رغداً يعملون له ليحظوا به، و الذين يعبدون بشراً يأتون إليهم، و الذين يعجبون في الكون يدرسونه ليزدادوا عجباً، و الذين يحبون الإنسانية يحققون العدالة و يتآلفون بالرحمة،
و الذين يحبون الوجود لا أمل لهم بشيء، هؤلاء رؤوا كل هذه الأشياء، يقولون ربنا كفى بك شهيداً

 

يا دروز (14)

هذا هو العلم الخامس، الذي جمع العلوم و الأديان، كما يجمع أنجم المجرّة و أنظمها الشمسية، و يغلق هوّتها السوداء (black hole)، خاصاً لذوي البصائر، الذين يرون ما لا تراه العين الطبيعية،
أم حسبتم أنه خاص بقبائلكم و أسمائها،
فإذا انقلبت رؤوسكم مرةً، ثم انقلبت على انقلابها: لا ترجع إلى سطح الماء، بل تزداد غرقاً، في كون أكثر كثافةً، عوذوا بربكم من هكذا قدر

 

يا دروز (15)

لم يأمر ربكم إبراهيم أن يذبح إبنه ليختبر إيمانه، يعلم ربكم ما في الصدور و قبل أن برأكم،
و لم يبدله له بعجل، هذي قراءة أهل الكتب، ليتكم ردعتموهم عن شعائر الوثنية و بعد أن قال لهم يوحنا لا تعطوا الله ما كان له منذ البدء،
تلك آلهة الوثنية التي ترتوي بالدماء، و الذي يقتل بهيمة غيرَ مُكرهٍ متفاخراً يقتل إنساناً غير مُكرهٍ متفاخراً، ترون بأعينكم مذابح أهل الكتاب، يهرقون الدماء و يبتهجون،
ألبهائم تقتل لتأكل بشريعة الطبيعة، و هؤلاء يقتلون و يزدادون رسوباً

 

يا دروز (16)

عاد عيد الضحية عيدَ الضياء، مرةً بعد مرة، و أنتم نائمين على الوعود، لست أدري يا دروز كيف ستتقبلون أنوار لقاءه، و النور عذاب و رعب للعين التي ألفت الظلام،
و الشفعِ و الوترِ و الليالي العشرِ، و أصباحِ تلك الليالي، يُنزل ربكم المطر على الأرض ليحيي به ما يشاء، و يُشرق الشمس عليها ليكون صباحٌ، لا المطر يسأل الأرض من أنتِ، و لا الشمس تبلغ منازلاً و تزاور أخرى،
هنيئاً للذين يرتوون و يستضيئون، بغير إذن من بشر و لا بعلمهم



 


All rights reserved
Copyright The Circle of Beauty

  Site Map