ألقدس (1)

و التينِ و الزيتونِ و جبلِ النورِ، حين تتذكرون ما القدس سوف تبكون حياتكم ندماً، تتقاتل الوثنية على امتلاكها، لا تدخل القدس في حساباتكم السياسية والدينية، و لا هي ملك لقبيلة دون أخرى،
ألقدس عاصمة الإنسانية، و ليست عاصمة للأديان، و في المستقبل، و بعد أن تُفني الوثنيةُ بعضُها بعضاً، و تُهدم جدران الحقد و الكبرياء، سوف تُنظّف القدس، و تفتح أبوابها لمن استطاع إليه سبيلاً،
و سوف تُهدم بيوت الشعائر، و سوف تُقام مقامات للمرسلين، ليست للسجود و الركوع و الطواف و العكوف و عرض الزخارف،
بل تذكيراً بأسمائهم و أعمالهم و كتبهم، بعد أن سرق السراقون الكلم و حرفوه عن مواضعه في العقول، و اتخذوا البشر و الحجارة آلهة

 

ألقدس (2)

أكثر التاريخ المكتوب ليس إلا دِعايات رجال الدين و السياسة، يلهبون بها عواطف الجماهير، و يبثون العصبية و الحقد و العداوة، لتستمر لعبة الطاغوت، و يبقى حرس جهنم حكاماً على الأرض،
سوف أقص عليكم قصصاً، لو أعدتم النظر بالكتب، تاركين ما علمكم رجال الدين جانباً، لوجدتم كثيراً من المشيرات إليها،
و سوف تُكشف أدلّة أركيولوجية تثبتها قريباً، إني على يقين،
على كل حال، في مسقبل ليس الآن بعيداً، سوف يُنفخُ في صُوْركم، يعني في قمة رؤوسكم، فتُفتح نوافذ ذاكرتكم، و تتذكرون حيواتكم الماضية، و تنظرون بعضُكم بعضاً، و تقولون أنتم كنتم أعداءنا، بل أنتم كنتم أصدقاءنا،
فكم يوماً لبثنا فيها؟ أيومين أو ثلاثة؟ فيُقالُ لكم بل أياماً معدودةً، كما جاء في الكتاب،
و ترون الناس صرعى، يقولون نحن قوم مسحورون، هذي تكنولوجيا أعدائنا، يتحكمون بها في عقولنا من الفضاء،
و الذين آمنوا بالبعث (ألتقمص) منكم كما أمرت الكتب و الحكمة يفرحون، و يقولون لم نؤمن إلا بالحق و إنا بالحق منتصرون

 

ألقدس (3)

عندما ننظر لأحداث الماضي أو الحاضر، يجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن الأنفس تذهب و تعود لتلعب الأدوار التي كتبتها على نفسها،
لذلك قيل أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، و ابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما، و قيل أيضاً أحبوا أعداءكم،
و أينما يولد، الإنسان مفطور على حب عائلته و شعبه و وطنه و لغته و دينه و تقاليده، ليرى كل الخير فيها، إلا حالاتٍ إستثنائية عندما يتمرد عليها،
و هذه المحبة ليست خطأً، لكن الخطأ أن ينكر لغيره حقه الطبيعي عينه بحبه لعائلته و شعبه و وطنه و لغته و دينه و تقاليده، ليرى كل الخير فيها،
و جاء في الكتاب أن خُلقتم شعوباً و قبائل لتتعارفوا،
فهذا الثراء الفكري الحضاري الثقافي: الإنساني: يفتح في عقول الناس نوافذاً، يرون خلالها الحق الذي فوق حقهم الظرفي،
أما العصبيات التي يروّجها رجال الدين و السياسة، و مبدأ مصلحة شعبي فوق كل مصلحة: الذي تعمل بأمره كل شعوب الأرض اليوم: فهذا يغلق هذه النوافذ، و ينحصر الخير في إطار هذه العصبيات الضيق،
في هذا الحال، لا عجب أن الحروب تملأ الأرض

 

ألقدس (4)

إن العبريين أو العابرين سموا بهذا الإسم أول مرة في نهاية حكم الفرعون أمنحتب الثالث، لأنهم عبروا البحر الأحمر رجوعاً إلى جنوب الأردن و فلسطين، صباح يوم كُسفت شمسه ساعةَ الفجر، فأحدثت جزراً في البحر بالغاً، جعل عبوره ممكناً مشياً، حيث الماء ليس عميقاً في الحال الإعتيادية،
و لأنهم لم يفهموا هذه الظاهرة الطبيعية التي بهرت أنظارهم، و التي أنبأ عنها يوسفُ أخاه موسى من أبيه الفرعون أمنحتب الثالث، ليسهل له و لقومه هروبهم من طغيان الفرعون الذي كان استعبدهم، ليستقروا في فلسطين: قيل لهم أنه عبور مقدس، لأن الله أنقذهم

 

ألقدس (5)

أما الفالسون أو المنشقّون، فهم القبائل التي سكنت شواطىء مصر على البحر، و كان موسى أقام عندهم سنوات عديدة و تزوج امرأة منهم، في الفترة غير المدونة في التورات التي كتبها آنذاك ابن أمه هرون: توت أنخ أمون، 
فركبوا مراكباً و أبحروا من شواطئ مصر رجوعاً إلى "فلسطين"، لأن موسى قال لهم أنها أرض مقدسة،
فلأنهم لم يعبروا البحر الأحمر مشياً و لم يتموا الرحلة المقدسة إعتبرهم العابرون غزاةً منشقين، و أسموهم بلغتهم الفلسين التي منها اشتقت فلستين و فلسطين،
لكنهم كانوا يقولون أنهم هم اليهود الحقيقيون لأنهم تعلموا الشريعة غير المكتوبة من موسى، على عكس العابرين الذين تبعوا هرون الذي أخذ اللوائح و وضعها في تابوت عليه عجل بقرنين و جناحين،
فأخرجوا العابرين من ديارهم، و شهد بذلك الكتاب، فكانوا يرمونهم بالحجارة ليرغموهم على الخروج،
و دارت حرب بين العبريين و الفلسطين، مثيلة الحرب بين أهل السنة و الشيعة

 

ألقدس (6)

و كانت كنعان ممالكاً صغيرة متشاكسة، و تقاتل العبريون و الفلستين قروناً، إلى أن عاد موسى للفلستين حيرامَ و عاد هرون للعبريين داوودَ المزواجَ و هو إسماعيل، و بنى جداراً في القدس ليعزلها عن المختونين، و أسماها مدينة داوود، فقد بقيت منذ يوم عظيم جبل التين و الزيتون، و كان يتساءل هو و أخوه موسى ماذا يرون إلى الصخرة، 
و ولد له أخ مؤمن صالح ناثان، يعنته و يوبخه،
و أما داوود فولد على شاطئ لبنان و أوّبت لحديه الجبال، و كان ثاقب النظر في الزمان فسُمي الحديد فيه منافع للناس،
و ولد له سليمان كلمة ربه، أوحي إليه أن يبني بيتاً لله في بكّة في سهل لبنان و يسميها أورشليم، يظهر فيه معجزات الهندسة، تأخذ الناظر المؤمن إلى البدء ليتمم توحيده، و سمع عن مهارة حيرام في البناء فاستدعاه، و كان داوود رأى تلك الإلفباء مخطوطة في السماء، فخطها و أعطاها لسليمان لينقشها على الهيكل، و بعد قرون أخذ البناؤون تلك الأسرار إلى روما

 

ألقدس (7)

مهّد لكل هذه الأحداث مجيء صاموئيل (إسم الله) الذي أقام على الجبل في حوران، و كان يأتي الرسل إليه لينظروا الحقيقة،
و وُلد جالوت للفلستين عبقرياً في الحساب و الإقتصاد و الزراعة، و وضع النجمة المسدسة للعد بنظام الستة، و اخترع النظم التجارية الهرمية التي لا تزال مستعملة اليوم، فازدهرت فلستين،
و كان الفريقان يهزآن من بعضهما و يصفان بعضهما أقبح الأوصاف، و هذا للنفس الضالة التي لاتعرف أنها ترى نفسها فتسب على كل ما ترى، و كان الفلستين يتباهون بأنهم مطهرون بالختان، 
وفي يوم تجابه جالوت و معه جنده الفلستين، مدرعين و مسلحين بالسلاح المعدني اللماع من صنع حيرام: و العبريون: على ضفتي نهر الأردن، و كان ناثان و أخوه داوود المزواج طفلا بين العبريين، طلب ناثان من ربه أن يأذن له أن يهزمهم، ليبرهن لهم أن ما كان علّمهم حقاً، أن ربهم ينصر الذين يؤمنون بالحق و ليس بالعدد، و ليست أحداث الأرض إلا صوَر ما في النفوس، فألقى ناثان حجراً بمقلاعه أصاب وجه جالوت و أعوره، فذُعر جنده و ولوا هاربين،
و كان داوود الصغير واقفاً جانب أخيه، فرآى العبريون أن داوود الذي اطلق الحجر لأنهم يحبون هرون و لا يعرفون ناثان، و عاد جالوت كمالاً و داوود المزواج أن طون

 

ألقدس (8)

أما التابوت، فأول واحد أمر بصنعه توت أنخ أمون عندما كان ابن أمه غائباً، عندما قال له قومه ماذا تنفع الألواح؟ فجمع ذهبهم و أمر حرفييه أن يصبوه عجلاً ذا قرنين مجنحاً، نصبه على التابوت، و الألواح في داخله، و قال لهم هذا ميثاق بني إسرائيل، نعمةَ الله عليكم، و يؤتيكم ما تطلبون،
فلما عاد موسى و علم به غضب فأخذ التابوتَ أهلُ بلد الفيل على ساحل البحر الأحمر، بين مدين (تل عمارنة) و مصر العليا، رؤوا في زخارفه علامات دينهم من العراق، فأنزل عليهم ربهم طيراً أبا صحون ترميهم بحجارة سوداء من حزام الشهب، إنذاراً من أهل الأرض بخطر ما يعملون،
فقيل لهم أن يذهبوا بالتابوت عبر البحر إلى حيث كان إبراهيم بنى مقامه، و بنوا له مربعاً و بيوتاً حوله يطوفون و يسجدون و يركعون، و قالوا أن الات و العزة قرناه، و كانوا يتكلمون لغة العابرين، و يقولون جميعاً أنهم أبناء إبراهيم من إبن ما له أو آخر،
فقال لهم القرآن بعد قرون أن يولوا وجوههم جانب البيت المحرم، فأنزلوه داخل المربع و لم يكسروه و خبؤوه

 

ألقدس (9)

فإذا كان أهل الكتاب و الحكمة يريدون أن ينسوا ما مضى، فهذا حسن إذا كانوا متفقين على الخير متعاونين متحابين، ليتركوا الحكم على العباد لرب العباد،
أما إذا كان كل فريق يقولون أن الله خصصهم، ليُثيبوا و يعاقبوا، و أنهم ضامنون خلاصاً و جنةً، فهذه أقوال الوثنية التي تصنع آلهة لتُملي عليها ما قالت رجال دينها،
يطلب العالمُ العلم و يبحث عن أسباب الأشياء منذ التجلّي، و يبقى أهل الكتب و الحكمة خُشُباً مسنّدة و جثثاً محنطةً، تنتظر القيامة ساعة يُنفخ في الزمّور،
لم يزدهم الزور إلا جهلاً على جهل، و أصابهم ويلاً بعد ويل، أسهل علي أن أكشفه للعالمين، و لو بعد قرون، من أن يفتروه، و ليسوا بمعجزين

Top of Form

ألقدس (10)

و أما التابوت الذي صُنع في أورشليم في بكة، فهذا مخبأ في غرفة في الهيكل سرية، لا يستطيع إليها دخولاً إلا الراسخون في العلم، لئلا يفقدوا عقولهم في أنفاقه المظلمة، إلى أن يصلوا إلى ذلك العجل، ذي الخوار و العينين الناريتين، فإذا انتصروا بعقولهم على أساطير رجال الدين و تخويفهم لهم، و استجمعوا قواهم العقلية و البدنية، و فتحوا غطاء التابوت و أخرجوا ما فيه من كتب الحكمة: فإنهم يستحقون أن يقرؤوها،
و هذا ما صنع بنّاؤو حيرام منه ديناً سريّاً، و ليست المعرفة سرية بل باطنية، لأن ربكم لا يكلّف نفساً إلا وسعها

 

ألقدس (11)

و كان داوود الحديد يلتقي و تلاميذه الطارقون سبل التوحيد في أماكن سرية، يعلّمونها بنجمة فيثاغوراس المخمسة، و ينشدون أناشيداً أنزلها لهم من تسابيح النجوم، بقي منها عديد في التورات، سرقها العبريون و خلطوها مع غزليات داوود المزواج، و منها هيهات يا بو الزلف (يا ذا الحدائق) عيني يا مولاي،
و مقام السكا أُنشد أولَ ما أُنشد آنذاك، و كان المصريون ينشدون على البيات، و العراق و فارس على العجم و الجهار كار، و اليونان و آسيا الصغرى على الكورد،
و كان الحثيون لا يزالون سائدين بدينهم و حضارتهم التي كانت قد تعلمت الكثير من سومر،
و أما تابوت العبريين الذي أعاد صنعه داوود المزواج، فهذا أصبح مسجداً لهم كالتابوت القديم، و كما يقتني اليوم أهل الكتاب صليباً أو مكعباً في بيوتهم: كانوا يقتنون تابوتاً صغيراً عليه عجل، و ينظرون هذه الأشياء و يحسبونها مختلفة

 

ألقدس (12)

لم تهدأ عداواتهم و حروبهم، إلى أن أوحي لنبوخذ نصر أن يجتاح مملكة العبريين و الفلستين و يهدم مدينة داوود المزواج و هيكله و يسبي أهلها، وهاجر كثيرون منهم إلى اليونان حيث كان أجدادهم يهاجرون و يبيعون أنفسهم عبيداً،
و هدمت هيكل سليمان هزّات أرضية متتالية فأُغلق و صار منسيّاً، لم يكن أهل الشرق والغرب مهيّئين لدخوله، كما أُغلق القرآن و الحكمة بعده، لم يكن أهل الشرق و الغرب مهيئين لقراءتها،
و جاء في الكتاب أن قيل لإبراهيم و إسماعيل أن يرفعا بيت الله ليكون صعب الوصول للذين يريدون شعائر الطواف و العكوف و الركوع و السجود، و إذ رفعا القاعدِين من البيت طلبا مغفرة من ربهم للناس، ربكم رؤوف بالعباد، و لا يظلم العبادَ إلا أنفسُهم

 

ألقدس (13)

و أُخذ الرسل ثمانيةً يحملون عرش ربهم، كما شهد الكتاب و الحكمة، و آوَوا كهفَ المظلمين، و معهم فيثاغوراس الرقيم، و أُنسوا ما أََنسوا،
و كان الواحد منهم ينظر أهل الكهف فيُملأ منهم رعباً، و كان برمنيدس أول من لحظ علامات فرق بحر الإنسانية، فرأى الظالمين أشباحاً بلا أرواح، هذا هو لحم الخنزير الذي حرّمته التورات و القرآن، و رأى أفلطون الناسَ في كهف مظلم، لا يرون فيه إلا ظلالاً على الجُدُر، لا يدركهم شروق الشمس و كأن غروبها لا يصيبهم، و هم في فجوة عميقة من ربهم، فهم عن وجودهم غافلون،
و رؤوا الكلب: حرس جهنم و خدم الطاغوت، باسطاً ذراعيه على الوصيد، ليمنع الذين يريدون خروجاً، 
هكذا يمشي بهم في الأرض ربكم، كما شهد الكتاب، فهم ناسوته، بهم يرى الإنسان بالإنسان، و بهم يحفر الصخور و التراب بيدين عاريتين، ليفتح الأبواب، و يستجيب للسائل و ابن السبيل

 

ألقدس (14)

فلما استيقظوا لوجودهم عادت لهم ذاكرتهم و تعرفوا على بعضهم و تذكروا حيواتهم، و راحوا يسألون الناس: كم لبثتم في الأرض؟ فوجدوهم نياماً، لم يحص أحد منهم حيواته عدداً،
فكانوا يعطونهم قصائد وجودية كتبها برمنيدس و أفلطون، تُخرج الحي من الميت و تُخرج الميت من الحي، و يقولون لهم خذوا هذه الأوراق إلى المدينة و أقرِؤوا الناس، و تلطفوا لئلا يشعر بها حرسُ الطاغوت، و انظروا أيها أزكى لعقول الناس طعاماً،
و يقرأ رجال الدين و الطوائف قصص الرسل فيغلفونها بخرافاتهم، و ما جاء فلاسفة اليونان إلا ليضيؤوا عقول الناس، ليتعرفوا على أسباب الأشياء، عساهم يهتدون للحق الذى هو سبب الأسباب، لكن الوثنية لا ترى إلا إلاهاً إرتجالياً، تبرر به جهلها و ظلم الناس بعضاً لبعض

 

ألقدس (15)

فتحت الحكمةُ اليونانية سبلاً إلى الإيمان و التوحيد لا يزال الشرق بجميع أديانه و طوائفه بغير استثناء: غير قادر على سلوكها، حتى الذين يقولون أنهم يؤمنون بها رسالةً أنزلت على الرسل الثمانية،
ففي حواره مع السفسطائيين و مع تلاميذه، أثبت سقراط أن المسالك المنطقية واحدة عند كل البشر، لذلك اتخذها وسيلة للتوصل لحقائق الأشياء، بما فيها الأخلاق و القيم الإنسانية، و كان يدلهم على الحق الذى فوق الحقائق و تعريفاتها،
و كان هذا ردّاً، و لا يزال، على الوثنية التي تفترض إلاهاً يأمر و ينهى، و يُشترى رضاه بإقامة الشعائر و بالإلتزام بالشرائع،
لكن الكتب التي مُسِخت اليوم في الأديان و الطوائف: تهدي إلى الحق الذي فوق كل شيء و سبب الأسباب، و ليس إلى إلاه إعتباطي،
لكن الشرق بأديانه و طوائفه لا يزال ساكناً في أطر الوثنية، لا يريد أن يفهم شيئاً، بانتظار رضىً من إلاه حسب تعاليم رجال الدين

 

ألقدس (16)

ثم تابعت سورة الكهف رحلة الحكمة اليونانية، في ذكر ذي القرنين، يعني ذا الشعاعين، اللذين يمثلان الوجود الثنائي المتكامل بالحق، كما تتكامل الصورة بالتماسك (symmetry)، ألإسكندر تلميذ أرسطو، أفلاطون في مجيئه الثاني في تلك الرسالة، الذي انطلق في العالم آنذاك، بوحي بصيرته، و شهد الكتاب إذ قال أتبع سبباً، عازماً على محو الوثنية و هدم بيوت شعائرها و آلهتها،
و مر بالشعب المعروف اليوم بإسم الكورد في شمال العراق، و قالوا له أن الشيطان و إبليس مفسدان في أرضهم، و هم كانوا من المؤمنين، حتى اعتنقوا الديانات الإبراهيمية، فقال لهم أأتوني زبر داوود الحديد، فلما أنشد لهم و تطابقت المتضادات في عقولهم، تأججت في نفوسهم نار المحبة الوجودية، قال لربه أأتني من وحيك أصب على نارهم غيثاً،
لكنهم ما استطاعوا مشاهدةً و ما استطاعوا له سبيلاً،
و يقرأ أهل الكتب و الحكمة في هذه الآيات النيّرات درساً بدائياً، عسى أنه لا ينفع، في استخراج الحديد من الأرض و التعدين، 
فهكذا تبقى العلوم الطبيعية صعبة المنال على أهل الأديان و الطوائف، و أما عن المعارف الحقيقية: فلا يسألون، مكتفين بوعود رجال دينهم و بالألقاب التي لقّبوا أنفسهم

 

ألقدس (17)

مرت القرون و بقيت الحكمة اليونانية خاصة النخبة في الشرق، التي استطاعت بوحيها أن ترمي خرافات أهل الكتاب و عداواتهم في نفايات الماضي، و جاء أفلوطين ذو النون متوِّجاً كتب أفلاطون في تاسوعاته،
و بقيت العداوة الدينية بين العبريين الذين قالوا أنهم الصدّيقون لأنهم أبناء إسحق من قبل، و كان الفريسيون من الفلستين مثل رجال الدين اليوم، الذين يشرعون و يحللون و يحرمون و يقولون هذا من الله،
و الصدوقية أو السدوقية مرتبة روحية إدراكية وجدانية، لا تُقاس بالأنساب و الأعراق، هذا هو الخطأ الذي لا يزال يرتكبه اليوم العبريون و الذين يقولون أنهم أهل البيت و الدروز الذين يقولون أنهم أبناء رجل إسمه معروف،
إلى أن وُلد لإبراهيم: زكريا، على مهدأٍ من جبل لبنان، في قرية عسى إسمها اليوم بيصور، سكنها صديقون على مرتفعها و فلستين على منخفضها: ولد أسماه يحنا، كما كان أنبأه رسول من ربه، رآه ببصيرته

 

ألقدس (18)

و ليست غايتي من هذا الذكر قص أحداث مضت، فإن أي قص لأي حدث يعتريه نقص منظور قاصّه، و يرى الناظرون الحدث عينه مختلفاً من مناظير مختلفة،
و الأسوَء: أن يُقام دين و معتقد على قصّ ما لأحداث، فهذه كلها زائلة، و ما يُبنى على زائلٍ زائلٌ مثله، و الحق وحده باقىٍ،
و قد وقعت كل الأديان و الطوائف بغير استثناء في هذا الخطأ، لذلك يستحيل أن يعرفوا الحق، ثم يستحيل أن يتفقوا،
لذلك فغايتي كشف الزور و الدلالة على الحق الذي فوق الزور و الوقائع

Top of Form

ألقدس (19)

كثُرت نظريات المؤرخين للأناجيل و كثر كلامهم عن أصولها و صحتها، و الواضح أن كل مؤسسة تسمي نفسها مسيحية، شرقية كانت أو غربية، تريد أن تفرض نفسها ممثلاً شرعياً و روحياً وحيداً للمسيحية، و أن كهنوتها الممثل للروح القدس،
ورغم المنافسة الدائمة و رغم الحروب التي يشنونها على بعضهم: ما أبرعهم بالتملص من هذا الواقع بأحاييل الكلام، فهم لا ينفكون يحاضرون عن محبتهم لأعدائهم، 
لكن لو أن ذرة من الصدق في كلامهم لما كان لهم أعداء و منافسون أوّلاً،

و ألذي يقرأ الإنجيل لا يرى أي رابط بين هذه المؤسسات و بين الكلمة التي في الإنجيل، فالإنجيل دروس في أرقى أخلاقية إنسانية، و هذه تدل على الروح: يراه هؤلاء شبحاً غير مرأي، مُعترفين أنهم لم يروا الروح في شيء،
و ليست مؤسساتهم بزخارفها و ألقابها ألا لملأ هذا الفراغ، يبهرون بها اليائسين و الملهوفين و يجذبونهم إليهم

 

 

ألقدس (20)

ألأناجيل ذكرت ثلاث شخصيات بأسماء و ألقاب مختلفة، خلطتها المؤسسات الدينية في شخصية واحدة، و ليس على القارئ إلا أن يتبرأ من اقتناعاته المسبقة، سواء أخذها من المؤسسات المسيحية أم من غيرها: و يقرأ الأناجيل بروية: ليرى هذا الواقع واضحاً،
ألمعمدان هو يحنا، و هو Christos في النسخات اليونانية، وهو الذي أمر قتلَه هيرودوس بقطع رأسه،
إبن الإنسان هو عيسى بن يوسف الذي مات على الصليب،
ألمسيح هو كلمة الله عيسى بن العذراء مريم، وهذا هو الذي ما قتلوه و ما صلبوه،
و إنجيل يوحنا هو الإنجيل الذي كتبه المعمدان قبل موته، و كان عيسى بن يوسف قد مات على الصليب،
أما إنجيل متى فهذا كُتب بعد موت المعمدان و عيسى بن يوسف، و عندما كان عيسى الكلمة لا يزال حياً ينشر رسالته في حوران،
أما الأناجيل الباقية فقد كُتبت بأيدي الرسل، بعد هذه الأحداث، الذين ولدوا في اليونان و مصر و كنعان لتبليغ الرسالة

 

ألقدس (21)

إن الحمل بلا دنس ظاهرة طبيعية يعرفها العلم الجنيني، كثير من الرسل قبل المسيحية و بعدها حملتهم أمهاتهم بلا دنس، لكنهن كُنّ متزوجات، فوُلدوا و عاشوا و لم يعرف أحد أنهم أبناء أمهاتهم،
و المسيح و المعمدان كانا يقولان أبي و أبوكم الذي في السماوات، لأن الرب أب لكل البشر، خلقكم من نفس واحدة التي هي نفسه، و ما الرسل إلا بشراً، يصلون سماءهم فيعلّقهم ربهم على الماء، ليشهدوا و ينطقوا، فهم الأحق بالنطق و إزالة الحجب،
لكن أهل الكتاب و الحكمة مشغولون بالجدل على المعاني في القواميس التي كتبوها هم، لكلمة نزلت في أمكنة مختلفة بلغات متشابهة، لتدل على عين الحق، يهزؤون من معتقدات بعضهم: صُنعت على الأرض و عليها سوف تفنى، و ربكم في الأفق الأعلى ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى

 

ألقدس (22)

إنك لو قلت للأحياء أنهم أحياء لسمعوا و فهموا، لكنك لو قلت للأموات أنهم أموات فما أسمعتَهم، لأن الأموات لا يسمعون و لا ينظرون،
و يحسب الأذكياء من أهل الكتاب أن هذا درس في العلم الطبيعي: بديهي لكل دابة على الأرض، بغير كتاب ينزل من السماء،
فلا تتعب نفسك بالشرح و الفصاحة، لقد حاولت مراراً، و دع الموتى يدفنون أمواتهم،
لكن دعوني أَعد لكم، أن المسيح و كل الرسل يموتون لينتصروا على الموت، و تنتصروا معهم، إذا استطعتم سبيلاً،
و إذا هم أحياء: هم أموات في الطبيعة: في الحقيقة، لأنهم غير خاضعين لناموسها، إلا بإرادة ربهم،
فهكذا هم أموات فأحياء و أموات، لأن الحياة الأبدية لهم، و هكذا يمهدون الطريق للسائل و ابن السبيل،
هذه هي القيامة، التي إذا لم تقوموها سوف تكونون نادمين، يوم تهبط السماء على الأرض، ساعتئذ كل نفس بما حملت رهينة، 
و هكذا حمل المسيح والمعمدان صليب الجسم و مشيا في الأرض حرّين، بعد أن صُلبا عليه، و قالا للمؤمين: إحمل صليب جسمك و اتبعني

 

ألقدس (23)

هؤلاء الأموات الذين تقولون أن ابن الإنسان قد أحياهم سوف يموتون، و هؤلاء المرضى الذين تقولون أنه شفاهم سوف يمرضون، و الطعام و النبيذ الذي تقولون أنه جاء به سوف ينفذ ما أن تمتلئ به البطون،
أهذا ما تريدون من ربكم؟ سوف تحصلون على كل ما تطلبون، ليست يد الله مغلولة، و لا هو يتلذذ بحرمانكم، لا تقولوا عليه أخلاقكم أنتم، و هو يعطي الناس ما يستحقون، الذين آمنوا أو لم يؤمنوا،
إبن يوسف غرّكم بأشياء فانية، والمعمدان و المسيح وهباكم حياةً أبدية، نفخا الروح في النفس المهيئة للطير فإذا هي طائر بإذن ربها، شهد الكتاب، و أرجعا البصر والسمع للعمي و الصم، و برءا الذين آمنوا من ألم شهوات جِلدهم، من آمن بهما و إن مات فسيحيا، المسيح يناديكم، و يخاطب عقولكم، إرجعوا إليه يا مؤمنين

 

ألقدس (24)

مرّت قرون، و كلمة المسيح تؤخذ من فم ابن الإنسان و بولوس الذي لُقّب رسولاً، و الذي كرّس ابن الإنسان إلاهاً و ابن إلاه، و جعل إرغام العقل على التسليم بألوهيته إيماناً و شرطاً للخلاص، شرطه الخالق على خلقه، ليخلصهم من الخطيئة التي بصمها عليهم،
هذه الكلمة التي أتت لتبدأ عهداً جديداً، و تفتح أبواب الإيمان و التوحيد للبشر جميعاً، كاسرةً إحتكار بني إسحق و يعقوب و إسرائيل لها: من فم ابن الإنسان و بولوس: أغلقت أبواب العقل، و قالت أن هذا الإغلاق شرط لما أسمته إيماناً،
و لا تزال الأديان و الطوائف تتنافس و تتقاتل على غير عقلانيتها، تطلق ما تشاء من النظريات والمقولات و تقول هذا طريق الله، و تبيح لنفسها قتل كل من لا يوافقها،
و باتت الحكمة اليونانية نسياً منسياً قروناً عديدةً، فهذه، والعياذ بالله، تتخذ العقل سبيلاً وحيداً للمعرفة و الإرتقاء بالأخلاق

 

ألقدس (25)

ليأخذ أهل الكتاب و الحكمة علماً، متى هُزمتم بالحجة العقلية هُزمتم،
بعد ذلك المسألة مسألة وقت ليتحقق العهد الجديد،
هذي هي الروح التي لو عرفتموها لما هُزمتم، و إن تروا ومضاً منها حين تنزل تنتصروا بالحق و بالواقع،
لا شيء في الوجود أقوى من الروح، الروح تهب الوجود لكل موجود،
و ليست الحجة العقلية شيئاً مضاداً لما تعتقدون، بل فوقه،
الشيء و ضده على أفق واحد: الأفق الطبيعي، أما الحجة العقلية فهي التي تكشف الشيء و ضده، فخذوا علماً،
و الذين لا يقبلون العهد الجديد يكتبون على أنفسهم عذاباً و حظاً سيئاً، لأن ماء نهرهم نضبت، و الماء الآن يجري في نهر جديد،
لو راجعتم التاريخ من زاوية المعتقدات، و من غير اقتناعات مسبقة، لوجدتم هذا الواقع ثابتاً

 

ألقدس (26)

هكذا صارت المسيحية الشعائرية دين روما و الشرق قصاصاً كتبته كل أمة منهما على نفسها، لأن لا الشرق قبل المسيحية التوحيدية و لا روما،
و هكذا نزل العبريون و الفريسيون عن عروشهم التي كانوا قد ادعوا لأنفسهم، و صاروا الآن أولئك الذين لم يعترفوا بالمسيح، بل و قتلوا الله على الصليب، حسب فهم بولوس، و كان هذا القصاص الذي كتبه هؤلاء على أنفسهم،
و حرّم بولوس الحكمة اليونانية، و لا نغالي أذا قلنا أن هؤلاء تراجعوا بالفكر و الوجدان إلى الوثنية التي سبقت الإبراهيمية،
في هذا الضلال العظيم أُرسل جبريل: سلمان الفارسي، الذي جال في الشرق على قدمين باحثاً عما تبقى من المؤمنين و الموحدين، حتى تاه في الصحراء في حر الشمس بلا ماء و لا طعام، فرزح و قال رب لتكن مشيئتك، فظهر في بصيرته و قال إنك أنت مشيئتي منذ البدء، فما وجد إلا قبائلاً معدودةً، فذُكرت في القرآن، لكنها اليوم ضلت مع الضالين،
لكنّ أهم ما رآه هو بنو إسرائيل الذين لم يعتنقوا الإنجيل، و بقوا على معتقدات أجدادهم الذين رجعوا من مصر إلى شبه الجزيرة العربية، لا يزالون يعبدون العجل ذا اللات و العزة الذي كان صنعه لهم توت عنخ أمون

 

ألقدس (27)

و كان جاء رسل و أنزلوا بعضاً من آياته التي سُمّيت مكية، لأنهم كانوا يأسفون على بني إسرائيل ما أنزلوا على أنفسهم من عذاب و ظلام، و كانت سورة الفيل تذكيراً لهم أن يعبدوا ربهم، الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف، كما تعلموا من التورات، و ما كان العجل ذو اللات و العزة إلا ذهب أجدادهم الذين كفروا، و ربهم رب البيت، أينما يولون وجوههم، فثم وجهه ذو الجلال و الإكرام،
و كانت قريش قبائلاً يهودية متفرقة، و مر سلمان بهم فعرف محمداً، و كان ميكائيل: شرحبيل عرف عليّاً، و كانوا يلتقون في المغارة، نسجت على مدخلها عنكبوت كبيرة من خيطهاً ستاراً، فلم يُشعر به أحداً،
و لما قرآ الآيات البينات، نزلت في أمكنة متباعدة، على ألسن رسل لم يلتقوا قطعاً، كأنها كُتبت بيد واحدة، بالحق الذي تنزل صواعقاً، تصدّعت الجبال للقاء كلمتها، آمنا و عزما أن يبلّغا الرسالة لقومهما و للأرض جميعاً، ليخرجوا من الجاهلية إلى نور لقاء ربهم

 

ألقدس (28)

فهكذا الرسالة مطر ينزل من السماء يحيي الأرض بعد موتها، فإذا امتصته شجرة الزيتون أخرجت به زيتوناً، يكاد زيته يضيء و إن لم تمسسه نار، و إذا امتصه الشوك و العليق هاج، ينفع طعاماً للدواب و وقوداً،
فالذي يغرس في عقله شجرة زيتون سوف تهتز غصونها كلما نزل عليها مطر، و من خلال غصونها و أوراقها يصله سنىً وهّاجاً، حجّةً للعقول و متاعاً كبيراً،
و الذي لم يغرس شيئاً، ينبت الشوك و العليق في نفسه من غبار الأرض، فيحيط به و لا يستطيع حراكاً و قد يموت خنقاً،
ليست صُوَر الطبيعة إلا أمثلة ما في النفوس، و الإنسان هو الكون والكون هو الإنسان،
فلا تسبوا على الرسل والنبيين، لا يعطونكم إلا ما ينفع، و أنتم تضرون أنفسكم بسوء الظن و بأعمالكم

 

ألقدس (29)

و لا تقولوا ألله يصلي على الرسل و النبيين، يسجد له ما في السماوت و ما في الأرض، كل يسبّح بحمده، و يشكره على متعة الوجود الذي أوجدهم، و الإدراك الذي أدركهم، ألمنة و الفضل له، هو الغني و هم المفتقرون،
و ما الرسل و النبيون إلا بشراً، تعدلون شهادة ربكم بشهادة الرسل و النبيين لأنها شهادة باللسان، و بصائركم لا تعرف إلا الطبيعة، تعالى الحق على خلقه علواً كبيراً، أولئك الذين يعدلون يخطئون خطأً كبيراً بصيغات مختلفة و هم لا يشعرون، يتجادلون على معاني الكلمات التي كتبوها في قواميسهم، كلما جاءهم رسول صححها، لكنهم يعيدونها و لا يتعلمون

 

ألقدس (30)

و أسرى ربكم بالنبي في الظلمات من سجود في البيت المحرم إلى سجود بَعيد، ذلك لينبههم ألا يسجدوا لشيء، و أُنزلت آيات بينات تدعوهم أن يولوا وجوههم جانب البيت المحرم، مُلطّفةً لئلا يتنبه لها رجال دينهم، فلا يزدادوا للمؤمنين و للنبي عداوة،
و عُمر: إبراهيم بنى بيتاً قرب الصخرة في القدس، لينبههم أن السجود لله يصح في كل مكان،
و عَمر بن العاص بنى بيتاً في القاهرة و لم يوجهه لمكة، لينبههم أن أينما يولون وجوههم فثم وجه ربهم ذو الجلال والإكرام،
ثم مرت قرون و لا يزالون على ما وجدوا عليه آباءهم و أجدادهم الأولين، و يتقاتلون على عبادة الأشياء، و يقولون أنهم يعبدون الله، و يحسبون أنهم مهتدون

 

ألقدس (31)

لم يخلقكم ربكم لتسجدوا له بأجسامكم و تركعوا و أنتم غافلين، و خلقكم لتعبدوه، و هذا لو تعلمون علمٌ حقيقي و فضل و بهجة عظيمة،
و عندما تسجدون و تركعون للأشياء و للبشر تمتصون طبائعها، و تأسر عقولكم التي هي الكون بكليته، فتكتبون على أنفسكم غباءً و عذاباً كثيراً،
و أما إذا عبدتم ربكم فإنكم تمتصون ما تسع نفوسكم من نوره الذي يهب الوجود و الحياة، فإذا صعب عليكم فهمه فلأنكم متّم في وثنيتكم أعماراً كثيرة، و إني آسف عليكم أسفاً شديداً،
لا يعذب ربكم الناس لأنهم لا يسجدون و لايركعون له إلا في معتقدات الوثنية، لا تقولوا عليه أخلاقكم و أخلاق الطغاة و المعتوهين من حكامكم الذين تحبّون،
و إذا كانت بعض الحركات الجسمية تهيّء عقولكم للإستسلام لجلاله بين يديه فهذا حسن، فتحركوا أو لا تتحركوا كما تطمئنون،
و لكن لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى، لكي تعلموا ما تقولون، و السكر بالمعتقدات الوثنية أشد من السكر بشرب الخمر، ألإثنين يذهبان بالعقولTop of Form

Bottom of Form

ألقدس (32)

و حافظوا على الصلوات، و الصلاة الوسطى بينكم و بين ربكم، قرأتم وسطى بتوقيتها، و هنالك أمم لا تغرب الشمس عنها أسابيعاً متتاليةً، و تغرب فيدوم ليلها أسابيعاً متتالية، فكيف يصوم هؤلاء و يصلون صومكم و صلاتكم، و كيف يسبت بنو إسرائيل الذين يسبتون عند مغيب شمس بلادهم، و الحياة لا تسبت في الطبيعة، و السبت في الحقيقة لقاؤها، فتهدأ الطبيعة و لا يبقى إلا الحق الذي خلق الحركة و السكون،
لا تنهى شعائركم عن الفحشاء و المنكر، بل تزيد ظلامكم حلكاً و تزدادون عذاباًTop of FormBottom of Form

Top of Form

ألقدس (33)

ليس هذا ديناً جديداً، و لا ديناً قديماً، بل ليدلكم على الحقيقة الواحدة التي في كتبكم، التي غلفتموها بأديانكم و معتقداتكم، و الدين لله واحد، و أديانكم متعددة و مختلفة بالغات و التعابير و الزخارف و الشعائر و الشرائع،
و لا هو مؤامرة من أعدائكم، و النبيون الذين جاؤوا بأديانكم جاؤوا بأديان أعدائكم، كل دين أوحي إليهم في ظروفهم من الرسل، ليدلكم على الحق، و حكامكم و رجال دينكم يسنون الشرائع و يبثون العداوة، و الرسل براء منهم جميعاً،
و القرآن أنزل ليقول أن الكتاب واحد و تؤمنوا به، و أن الرسول جبريل واحد و لا تفرقوا بين الرسل، و الذين آمنوا يرون الحق، و الذين كفروا غارقون في البغضاء والعداوة، كلما هدأت حرب حرشوا حرباً جديدة، لترتوي ألهتهم من الدماء، هذه هي جهنم التي أنذرهم الكتاب،
و لينبئكم أن ربكم سوف يجيء و الملك صفاً صفاً، و في بداية هذا الدور الزماني تجلى ربكم إلى الجبل، و كثيرون كانوا عن مشاهده غافلينBottom of Form

Top of Form

ألقدس (34)

إن السؤآل من أنا و من أين أتيت و إلى أين أنا ذاهب: سؤآل يلح على النفس، فتتعذب بعجزها عن الإجابة عليه،
و تأتي الأديان و الإيديولوجيات السياسية و العلمية التجريبية بأجوبة تسليمية أو ذهنية،
لكن النفس الزكية الذكية لا ترضى بها، لأن شيئاً في داخلها لا يهدأ منادياً أنت أنا،
فتدرك أنها الكون بكليته، و لكنها لا تكتفي، فالكون دائم الحركة خاضعاً لقوانينه،
آنئذ تدرك التجريد، لترى أن المجردات أحق بالوجود من المظاهر، و أن لها صور أزلية،
لكنها لا تكتفي بذلك، لأن السؤآل لا يزال ملحّاً، و هنا يصبح الوصف صعباً، لأن هذا هو الأفق الذي منه يسقط الوصف و الموصوف،
آنئذ تأخذ سورة الفاتحة: إياك نعبد و إياك نستعين: مرتبة شاهقة الإرتفاع، حين تنظر العين عينها، فتستيقن أن المشاهدة ليست إلا مرآة،
فهكذا تحظى النفس بأعظم لذة: لذة مشاهدة ذاتها، محققةً وجودها، و تفتح لنفسها آفاق العلم و البيانBottom of Form

Top of Form

ألقدس (35)

و ربكم يصل أبصاركم جميعاً، أينما كنتم و مهما كانت معتقداتكم، في أزمنة قدرها، حين تأخذ النجوم مواقعها، رحمة منه و حباً لكل ما يشفع عنده، في بيوتهم و شوارع مدنهم، و على الجبال و في الصحارى والبحار، فإذا عرف الناظر ناظره حقق وجوده، و إن لحظات لقاء العين أعظم لحظات في سرمدية الوجود، فتهيؤوا لهذا اللقاء قريباً،
و إذا لم يعرفه يرتد البصر خاسئاً و هو حسير عليكم، 
و كانت زمزم في مصر حبلى عندما نظرها ربها، و بعد أن وضعت، فقالت للناس أن ابنها المنصور: موسى هو الله، تعالى على الولادة و الإدراك بشيء طبيعي، و صدقها كثيرون

ألقدس (36)

و نسجت له أمه قمصاناً من الصوف الأبيض، في زمان كان اللون الأبيض لا يُرى إلا في الطبيعة، جُزّ من شاة نادرة، و كان يخاف ركوب الخيل، فأتاه أبوه بأتان ذلول، سرجها بسرج مُذهّب، و جال المنصور عليها المدينة، يواكبه الطبالون والزمارون و الرقاصون، و الناس ينظرون بعجب و يسجدون و يركعون، و ربهم ينظرهم من مصرد عرض السماء و لا هم ينظرون،
وحكّموه طفلاً و كانوا يرون في ارتجاله و هزئه علامات السلطان، و كان له أخ رسولاً، و في يوم جاءه وفد من ملئه ليستشيروه بأمور دنياهم و دينهم، فكانوا يسألونه فيضحك و لا يستطيع جواباً، و كان أخوه جالساً بجانبه، فأجاب الأسئلة و أظهر علماً و حكمةً، فلما سألوه كيف تحكم قال إني أحكم بأمر الله، 
فقال الذين يعبدون المنصور أنه الحاكم يوحي ما يشاء لمن يشاء، و خلط الذين أرادوا أن يحكم الطاغوت الأسماء و زوّروا الكتب، حتى جاء حمزة إلى القصر بصدعه، و قال له و لإبنه إني أنا جبريل مُننزل الكتب و أنا الحاكم، فاحذرا ما تقولان للناس حتى يقضي تمهيلكما و ليس هذا على ربكما بعسير

Bottom of Form

ألقدس (37)

هكذا فإن ظهور الصورة البشرية صعب اليقين، كالذي يمشي على حدّ حديد، إذا لم يكن واثق التوازن بالحق سقط على واحد من جانبين: ألنكران أو الخلط بين الطبيعة و الظهور بلا واسطة، و من قال لكم أن معرفة ربكم شيء سهل لحاملي الأثقال، غير القادرين على التوازن، و لو كان سهلاً لآمن كل من في الأرض، و طوى ربكم الأكوان للمح العين، طي السجل للكتب، و كان أمر الله مقضيّاًTop of Form

Bottom of Form

ألقدس (38)

و أوحي لرجلين موحدين أن يستوقفاه في نزهته الصباحية على الأتان منفرداً، و لما اقتربا منه أوجسا في قلبه خوفاً، قال واحد منهما أحاكم يخاف الناس، إني منازلك فادفع عن نفسك و ليس الغدر من شيمتنا، فنازله و قتله بطعنة واحدة، فأُهرعا إذ رأياه مقتولاً، فخلعا عنه قميصه الملطخ بالدم و تركاه و الأتان، و أخذا جثمانه و دفناه في مكان بعيد و وليا هاربين،
و ما كنت معهم إذ أريت ما أخفت ثنايا الزمان و قلت لإبنه لقد قتلوه قال بل غاب فاحذر ما تقول و لا تكن من النادمين،
فجمع ابنه كتب الرسل و ما زوّر و نسب لحمزة و علقه على جدار و أمر الناس أن يأتوا ليسجدوا للمعجزة، و كان يأمر بوعز من أم المنصور بقتل الرافضين

Top of Form

Bottom of Form

ألقدس (39)

و هجرت مصر إلى فلسطين بعد اختباء، و نزلت ضيف أبي إسحق اللدي: إبراهيم و قد فتح صدره للدعوة، لكنه قصّر عن تبنّي ما جاء به الرسل خوفَ ملئه الذين كانوا يغورون على الموحدين الذين أفصحوا عن شهاداتهم، بوعز من إبن المنصور، و يقتلونهم و أطفالهم و المسنين منهم عُزّلاً في بيوتهم، ثم يسجدون و يركعون للأنصاب و يقرؤون آيات من القرآن، و لا يزال الدم تراه على أيدي المجرمين،
و جاء بهاء الدين و تابع تنزيل الكتب، و أضيف عليها في النسخ قراطيساً ما هو منزلها، كما أضيف على الكتب السابقة و اللاحقة، و كان ملك في الهند شاهداً، يراسل الرسل ليهدي قومه كانوا موحدين و من ذريتهم طائفة السخ، فأرسل له الكتب التي سُميت هندية، لم يعترف بها ابن المنصور و من تبعه و لا يزالون،
و أعلن بهاء الدين إغلاق الدعوة ليقف هدر دماء المؤمنين و الموحدين و أمرهم بالتظاهر بالمألوف، أما نشتكين فهذا من قبائل سكنت فلسطين، عُرفوا بالدروز نسبة للبلد الذي جاؤوا منه في إيران بعد نزول القرآن، كما جاءت قبائل عربية إلى حوران و سُموا أهل المعروف لنبلهم و خلقهم الكريم و فهمهم، و كان المنصور أمر بقتله لأنه رفض أن يسجد له و هو هرون

Top of Form

ألقدس (40)

لا أقول هذا لتتجادلوا على أصولكم و أعراقكم، لقد اختلط الفرات العذب بالأجاج المالح كما جاء في المصحف، و أنتم ترونه بأعينكم و تنكرون، ربكم يعلم المؤمنين و الموحدين منكم و أنتم لا تعلمون، و هو الحاكم و أنتم لا تحكمون،
و دعوة ربكم لتوحيده لا تُغلق ما دام الوتر شفعاً، و الذين ساروا على سبل العرفان يعرفون، و ما خلق ربكم الإنس و الجن إلا ليعبدوه، لكن رجال الدين يحكمون و يقطعون، يحسبون أنهم يدخلون الناس لدين الله أو يمنعونهم حسب شروطهم،
أليهود قالوا أنهم أبناء إسحق، و المسيحيون قالوا أنها العمادة و الإعتراف بإبن الإنسان إلاهاً، و المسلمون قالوا أنها شهادة اللسان و الفرائض، و الحج شرطوه بما يقتنون من مال، و هذا من صنعهم، و ربكم يصل الذين استطاعوا إليه سبيلاً و حجاً برهاناً للبصائر، و هم أغنياء عما تمتلكون من الدنيا و ما تكنزون،
و الدروز قالوا أن مواثيقهم مكتوبة على أوراق، يوم تقوم محنّطات مصر من أكفانها تُقرأ مواثيق الناس جميعاً، الذين آمنوا منهم و الذين أوثقوا أنفسهم بالأرض هم آنئذٍ مختلطون

 

ألقدس (41)

ليست المحبة اختياراً بل حق، و منذ أن قيل كن كانت المحبة، و إذا قلتم أن المحبة مخلوقة فهذا يخلق في أذهانكم صورة مظلمة للوجود سابقة للمحبة، هذه لا وجود لها إلا في الأذهان،
لذلك فالمحبة تُكشف بكشف ظلام البعد عن النفس، أما أن تأمروا الناس بالمحبة: فهذا ينفع و لكن مؤقتاً، يعلّم الناس تونيق الكلام و التظاهر بفضيلة لا يعرفونها، و لكم في المعتقدات أمثلة كثيرة،
لذلك فالقول أن المعتقدات كلها تنطلق من الحق و ترجع إليه أكثر نفعاً، و الذين يرون حياتهم مُضجرة بغياب العداوة و المنافسة: كالمريض الذي يقول: ماذا أفعل بحياتي إذا شُفيت، و أصبحت قادراً على النهوض من فراشي بريئاً

Top of FormBottom of Form

ألقدس (42)

ثم بُعث الرسل في أوروبا، و نهضت شعوبهم فوق خرافات الأديان، بالعقلانية و العلم التجريبي، و فتحوا أبواباً كانت الأديان أغلقتها و حرّمت فتحها، و لا تعترفون بهم، كما لم تعترفوا بفلاسفة اليونان، لأنهم لا يلبسون أزياء الأنبياء، و لم يخلعوا على أنفسهم ألقاب القداسة، و لم يأتوا بالسحر الذي تجدونه برهانا،
و بدأ عهد جديد، مهدت له الحكمة، لم يلق في الشرق انتباهاً، فالشرق يفضل النوم على وسائد وعود رجال الدين، و الفوقية الوهمية التي لا يرضى بالواقع عنها بديلاً،
و بقي رجال الدين ينظرون لإنجازات العلم التجريبي بازدراء زمناً طويلاً، و يقولون أنها من الشيطان، لكنهم اليوم يسرعون إلى الطبيب إذا مرضوا، راكبين السيارات والطائرات، و حاملين الهواتف الخلوية،
و هذي ليست من فهمم للكتب والحكمة، بل من فهم الذين آمنوا بوحدة الكون و قوانينه و أسبابه، و بمقدرة العقل البشري على كشفها و فهمها و استخدامها،
هذا، و الأخلاق التي علمها سبنوزا و كانط تقوم على أحدية الوجود، يدركها العقل بمعرفته لذاته، و برهناها، و دكارت، في سبيل المعرفة،
يا ليت أهل اشرق، أهل الأديان و الطوائف، وجدوا المعرفة في كتبهم، و يا ليتهم طلبوها، و لو طلبوها وجدوها، و كانوا حقاً سابقين للمعرفة متفوقين بالأخلاق،
إن الكتب و الحكمة قول ثقيل عليهم، ينسبونها لآلهة الوثنية ليقربوها لأفهامهم،
ألمشكلة أن آلهة الوثنية غير موجودة، فتنقلب الكتب و الحكمة رأساً على عقبٍ في ظنونهم، و يزدادون رسوباً

 

ألقدس (43)

ألرياضيات و العلم التجريبي يتخطيان المعتقدات و الإنتماآت،
فكيف يمكن أن يُتخذ هذان أساساً للتعاون والتفاهم بين الأفراد و الأمم؟
إذا تركنا المعتقدات و الإنتماآت جانباً، و إذا وضعنا لكل شيء قيمةً مالية، و قسنا حقوق الناس و الأمم باقتصادها و قدراتها العسكرية: نصل إلى الفوضى التي وصلها اليوم العالم،
ذلك لأن هذه المقاييس من صنع أهواء البشر أفراداً و أمماً،
و هي الفوضى عينها التي تعم: لو كانت المعتقدات و الإنتماآت مقاييساً،
أما إذا قلنا أن للبشر عقلاً واحداً: أقررنا أنهم سواسية،
و هذا يفتح باباً واسعاً: لأن العقل الواحد حق واحد،
و هذا يتحقق عملياً بأن يعي الناس أفراداً و أمماً أن لا فضل لأحد على أحد إلا بالحق الذي يعرفه الجميع

 

ألقدس (44)

ما هو الإيمان و بماذا نؤمن؟ لقد حيّر هذا السؤال عقول الكثيرين من الناس،
فوضع لهم رجال الأديان و الطوائف لائحة مقولات لكل دين و طائفة، و قالوا لهم أن الإيمان هو أن يقبلوا هذه المقولات،
و لمّا لم يكن لهذه المقولات برهان عقلي: بات الإيمان بها تسليماً، فقال القرآن حقاً أنكم مسلمون و لستم مؤمنين،
و تعددت المسلّمات و تضاربت، و اختلفت الفرق التي تؤمن بها و تحاربت، و كأن الآلهة التي علّمتها: ليس لها غاية إلا التفرقة و بث العداوة،
لكن النفس الزكية الذكية لا تقبل بهذه المسلّمات، و لا تعبد الآلهة التي تعلّمها،
و حاول سقراط في حواره مع الناس أن يدلهم على الطرق العقلية الواحدة عند كل البشر، ليس للوصول إلى المعرفة فحسب، بل للإرتقاء بالأخلاق أيضاً، و ليست أخلاق الناس إلا تعبيراً عن مُحتوى عقولهم و مداركها،
و الحجة العقلية حجة دامغة، يُدركها الناس بجدّهم و قتالهم للأوهام والمخاوف التي في أنفسهم، هذا هو الجهاد الذي يصل ذروته بشهادة الحقيقة واضحةً و ضوح الشمس،
و عندما يرفضونها ينافقون و يعلمون أنهم ينافقون، و هذا أعظم إثم تأثمه النفس، التي وُهبت عقلاً مميِّزاً مُدرِكاً معبِّراً فاختارت أن تُعطِّله

 

ألقدس (45)

مرت قرون، و وجد الشرقيون أنفسهم ترِكة العجوز المريضة: تركيا، تتقاسمها أمم قوية و تستعبد شعوبها و تستغل ثرواتها، فانقسم مفكروهم و قادتهم إلى فريقين:
فريق نظّر أن الله غاضب عليهم لأنهم لم يسيروا على دينهم حسب فهمهم، و أنه لن يرضى عنهم حتى يرجعوا إلى شريعة أجدادهم، يوم كانوا أمة قوية،
و سار كثيرون على ما شرّع هؤلاء لهم، لكنهم ازدادوا عذاباً، و أزماتهم ازدادت تفاقماً، و عداواتهم تسعّراً،
و فريق نظّر أن على الشرق أن يتبنّى معتقدات الغرب التي أوصلته إلى هذه الدرجة من التفوّق،
و يا ليت هؤلاء تبنوا عقلانية الغرب و منهاجه التحليلي في تعاطيه مع متحدّيات حياته، ليعرفوا أمراض شعوبهم و يصفوا لها الدواء النافع لها،
بل راحوا يلملموا مهملات الغرب من العصبية القومية و التفرقة الطبقية، و الأنظمة السياسية و الإقتصادية التي وُلدت أوروبا في ظروفها، و فيها نشأت و تطورت بالتجربة و التنظير،
لا هي دواء لأمراض الشرق و لا هي ثوب على شكله و قياسه،
و هكذا، في تنظير الفريقين يبقى الشرق غارقاً في الجاهلية، لا يجيد غير إطلاق نظريات المؤمرات، يميناً و يساراً، و قداماً و خلفاً، ليرفع المسؤولية عن نفسه، و يلوم الشيطان، بصوره الدينية و العلمانية العديدة

 

ألقدس (46)

هل هناك صوت للعقل في الشرق في الوقت الحاضر؟
إذا جزمنا أن لا صوت للعقل عند أهل الكتاب من مسلمين و مسيحيين و يهود: لا نجحف حق أحد منهم، فمهما جهدوا بالدفاع عن معتقداتهم: هي غير عقلانية، و هم يعجزون عن رؤية هذا الواقع لأنهم لا يفهمون ما هي العقلانية،
بل هم يتفاخرون بمُسلّماتهم، و يظنون أن القبول بها عين الهدى، و لا يهمهم إذا ما وصفها غيرهم عقلانية أو غير ذلك،
أما الدروز فأنهم يقولون أنهم عقلانيون، لكن معتقداتهم السرية هي أيضاً قائمة على التسليم، لذلك فهم ليسوا صوت العقل في الشرق،
بل هم غير راغبين أن يكونوا صوت العقل في الشرق: لأنه من معتقدهم أن لا يقوموا بهذا الدور، لأن قدرهم محتوم بالخلاص، و قدر غيرهم محتوم بالعذاب، منذ أن كتبوا مواثيقهم منذ ألف سنة،
و رغم أن الأخطار تهددهم اليوم كما تهدد غيرهم، و رغم أنهم لو شاؤوا كانوا قادرين على مواجهة بربرية وثنية الأصولية: بالحجة و البرهان: و هم الأولى أن يكونوا على قدر هذه المهمة بالعلم و الأخلاق: فهم لا يزالون يعتقدون أن القدر مكتوب ولا فائدة من محاولة تغييره،
فهكذا لا أحدَ في الشرق ذو رغبة صادقة في حل أزمات الشرق، و إخراجه من العذاب الذي يتخبط فيه،
بل إن هذه الحال المأساوية هي ما يريد كل الفرقاء البقاء عليه: لأن معتقداتهم لا تنعقد و لا تشتد إلا فيها، و لأن عداواتهم لا تربو إلا فيها، و لأن ظلمهم بعضهم بعضاً لا يمكن إلا فيها، 
و أهل الكتب و الحكمة: كل فريق منتظرون و ملهوفون ليروا المعجزات التي وعدهم رجال دينهم، لينصرهم ربهم على أعدائهم و يربّت على أكتافهم و يورثهم الأرض و السماء

 

ألقدس (47)

و السؤال يطرح الآن نفسه: هل هناك أناس في الشرق قادرون على الإرتقاء إلى العقلانية؟
و هذا سؤال لا يُجاب عليه ضمن أطر الأديان و الطوائف، لأن العقلانية مرتبة إدراكية وجدانية، يصلها البشر أفراداً قبل أن يصلوها كجماعات،
و هذا شيء يصعب فهمه على أهل الأديان و الطوائف، لأنهم كمجموعات لقبوا أنفسهم ألقاباً، بناءً على قبولهم مسلّمات معينة، ثم توارثوها: لا يقبلون أن يُقال لهم أن هذا لا يعني بالضرورة أن كل فرد من مجموعتهم إستحق اللقب الذي لقبوه،
و إن أية محاولة لتحري هذا الأمر و وضع معتقداتهم على محك التحليل المنطقي العقلي: مرفوض عندهم، بل و إن رفضه عماد من أعمدة معتقدهم،
لذلك فالأديان و الطوائف ترفض و تقاتل بالكلمة و بالسلاح كل من يضع معتقداتهم تحت مجهر العقل،
و يبقى على الأرض أفراد انتشروا، قادرون على التغلب على مقولات رجال الدين و تخويفهم، و مواجهة معتقداتهم و معتقدات غيرهم بنور عقولهم،
هؤلاء، أينما كانوا: يصلون إلى الحقائق عينها على طرقهم المختلفة، على درجات متفاوتة، كل نفس حسب وسعها،
هل هؤلاء هم الذين شهدوا الحقيقة في حيوات مضت، و هذا ما يضيء الآن عقولهم في أشد الليالي حلكاً، فوق صراخ المعذبين و صياح المتقاتلين و المتنافسين؟
ربهم الأعلم بهم، و الرسل ما فتؤوا يأتون ليلقوا ذكرهم، عسى يسمع أحد، و جاء الباب في إيران بنور متكامل، ليرتفع بالأديان الإلاهية (monotheist) إلى عتبات التوحيد، و جاء كثيرون، 
و ليس القول أن المعتقدات مصدرها واحد: دليلاً على وحدتها: حتى يُبرهن هذا عقلياً، و إذا لم يُبرهن فلا ينفع إلا في خطب رجال السياسية و الدين، الذين يقولون ما يقولون ليس لنشر المعرفة، بل لتسجيل الإصابات في الصحافة والإعلام، في لعبة السياسة و الدين

 

ألقدس (48)

تنبأ الباب بالذي سوف يقرأ سورة يوسف و بقراءة القرآن، و ترك كتباً لم تحظ باهتمام الأديان و الطوائف، و الذي تبناها بعد زمن قال أنه بهاء الله هو إبراهيم ليس هو: لأنه أراد أن يضيء طرق الأديان الإلاهية المتضاغنة المتقاتلة، و يخرجهم من الشعائر إلى الحسرة على عذابه و آلامه، 
فلكلٍ شجرة زيتونة، أما ميرزا غلام أحمد فلم يكن له زيت و لا مصباح، و كان المهدي ضيفه لما هرب و اختبأ من ظلم الشعائر، و هو الإمام جعفر، لو أنه صدق،
و قال بهاء الله أن رسالته تتخطى الكتب، ذلك لأنه لم يكن قادراً على قراءتها، و الذين يحاولون محو الكتب لا يفهمونها، و الإنسانية تتخطى وثنيتها و همجيتها: ليس بادعاء تخطي الكتب أو إغلاقها، بل بالقراءة الصحيحة، و بفهمها يستنير المتنورون

 

ألقدس (49)

ما أكثر المعلمين الروحيين اليوم، و ما أكثر الذين قالوا أنهم مسحاء و أنبياء، في الشرق و الشرق الأقصى و في الغرب، و أينما نصتم تسمعون مُحاضراً، لقب نفسه أعظم الألقاب، بهروا أنظاركم و أسروا أسماعكم، يرددون كلماً قيل من قبلُ، يوم كان الرسل ينطقون، أين كان هؤلاء؟ يقولونه اليوم و كأنهم هم قائلوه، قد خلت الروح منه من أفواههم، و سقطت الكلمات في الطبيعة، فلم يبق إلا زخرف القول، لو كان ينفع من أفواههم لاهتدى كل من في الأرض،
و لو كانوا سادقين لآمنوا بالكتب جميعها، يقولون أنهم يؤمنون ثم يتنافسون كما يتنافس الحكام و باعة المستهلكات، يوقعون اليائسين والملهوفين من الناس في فخاخهم، ولّى زمان كانت هذه صيغته و ولّت سماؤه،
فإذا كنتم لا تميّزون بين الكذابين والسادقين لا تلوموا إلا أنفسكم، قد أوصلت الصناعة و الإتصالات المعلومات للجميع، و أصبحت هيّنة على السراقين، فإذا لم تتنوّروا بالحقيقة، هذا هو زمان الإمتحان العظيمTop of FormBottom of FoTop of Form

Bottom of Form

ألقدس (50)

ربكم غني عنكم، و عن معتقداتكم و شعائركم و انتماآتكم، و أنتم المفتقرون،
لا تمنّوا عليه سجودكم و ركوعكم، و شهادة تقولونها أو كتبتموها على ورق، و لا التعابيرَ التي تعلمتموها من الكتب، تقولونها لتُسمعوا بعضكم، و يا ليتكم تعرفون إلى ما أشارت لكم، لو تطلّعتم على تلك السماوات لاهتزّت الأرض تحت أقدامكم قبل أن تفوهوا بها، و لارتبكت ألسنتكم و ارتجفت قلوبكم كي لا تقولوها، إلا لتلقوا جذوة من نارها بين أيدي السائل و ابن السبيل،
تقولون على ربكم أخلاقكم و أخلاق الطغاة و المعتوهين من حكامكم، الذين يغضبون عليكم إذا لم تُرددوا ليلَ نهارَ ألقابهم، و يزجوكم في أقبية التعذيب في جهنمهم،
لا ينفع ترداد الكلمات شيئاً، خلت الروح منها من أفواهكم، تخافون رجال دينكم أكثر مما تعرفون ربكم، و لم يبق لديكم إلا زخرف القول، و لكل دين و طائفة قاموس، لم تقطعوا أيدي السراقين الذين جمعوا القواميس، و تركتموهم يقطعون بها أيدي الضعفاء التي خلقها ربكم، ثم يمنون عليه همجيتهم

 

ألقدس (51)

"و يسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي"، فيا ليت أهل الكتاب و الحكمة يقرون بتقصيرهم، و تراهم لا ينفكون ينقضون تعريفات غيرهم بتعريفاتهم، و لو أن الذات والأمر و النفس و الروح و الذات كلمات تقبل التعريف لتعرفت، 
هذه مراتب إدراك تدركها النفس التي قتلت نفسها، فإذا حية تُرزق عند ربها، و قد توحّد زوجها،
فمن قتل نفساً بغير نفس، أعادها إلى الدنيا، فكأنما قتل الناس جميعاً،
خير لبني إسرائيل و غيرهم أن يقتلوا أنفسهم، فهذا وقاية لهم من قتل الناس بمفاهيم الطبيعة،
ليس أن النفس ليست شبحاً غير مرأي: إكتشافاً عظيماً: إلا إذا كان مقابلةً على جانبي مرآة ذاتي، ليكون روحاً: حقيقةً: ليس كلاماً مُعرّفاً

 

ألقدس (52)

فهكذا خلاص القدس من الوثتية خلاص البشرية، و أهل الدين و الطوئف سوف يُبخعون حين يرون أن هذا ليس مشروطاً بمعتقداتهم و أعراقهم و لغاتهم و هي على درجات من الوثنية، و أن الآلهة التي يقيمون لها الشعائر من صنعهم،
و حين يتجلى ربكم إلى الجبل و في الشرق الأقصى و على كل الأرض لكل الخلق ينظر الذين نظروه، سوف يُصعقون كما صُعق كثيرون قبلهم أو كانوا غافلين،
و ينزل بن الإنسان عن عرشه و يُحكم العالمان بالحق، و الحق واحد لجميع البشر، فينتهي الجوع و العراء و الظلم الذي تصنعه الوثنية بأنظمها و تحله بمعتقداتها و شرائعها: ثم تذرف دموع التماسيح، و تدّعي الفضيلة و تقول أنها جاءت لتنهيه، إلا لتضاعفه و تثبّته،
فينتهي الكذب و النفاق و تبدأ رحلة إنسانية جديدة بمتحدّياتها الجديدة، تدوم عشر ألفيات، و يكشف تاريخ الإنسان و الكون، و تأخذ الضدية صيغات جديدة، و يعود ربكم و هذا عليه يسير


 


All rights reserved
Copyright The Circle of Beauty

  Site Map