ألإنسان و الكون (1)

كثُر الكلام عن العصور الفائتة و التاريخ المستور، على الإنترنت و في كل مكان،
و رغم أن بعضاً منه يحمل قسطاً من الصحة، إلا أن أكثره يُنشر بهدف ترويج أديان ما يُسمى العصر الجديد (New Age) و تكريس نبييها، و هذه أديان سادت في تلك العصور التي سبقت التاريخ المعروف،
و ليس عصر الأديان هذا الذي نعيشه إلا عاقبة فشل تلك الأديان التي سبقت ... فلماذا يريد هؤلاء أن يعيدوا الأخطاء عينها؟ هذا أمر عجيب ...
و قد نشر موقع circleofbeauty.org ملخصاً لما تيسر من ذكر بالإنغليزية، و سوف ننشره على هذه الصفحة بالعربية غير منقول بالتعريب.

تذكُّر الماضي علم يستطيع كل إنسان أن يدركه، بالتدريب و المعرفة و الرحمة و البراءة من الأوهام و الخوف،
و ليس قبوله من أفواه الناطقين به و التسليم بصحته شرطاً للإيمان و الإرتقاء العقلي، لكن رفضه قد يعيقهما،
لذلك فعلى القارئ أن يتأمل بهذه القصص روياً، و عساه يجد لها أصداءً في خفايا ذاكرته، و في أحلامه، أو في اللحظات التي تُسمى deja-vu: شاهدتها سابقاً،
و لكن كما ذكرنا مراراً، عندما يُنفخ في صوركم، يعني في قمة رؤوسكم، سوف تُفتح نوافذ ذاكرتكم الوجودية، فالذين هم مهيؤون لهذه الساعة العظيمة: هؤلاء سوف يغتبطون و يشعرون أنهم قد تحرروا من طغيان الزمان الخطي (linear time)، و يتذكرون حيواتهم الماضية، هؤلاء هم المنتصرون،
و أما الذين ساروا على معتقدات الأديان و الطوائف، فسوف ترونهم صرعى كنقع الدواجن،
يقولون نحن قوم مسحورون، يقولون هذي تكنولوجيا أعدائنا، يتحكمون بعقولنا من الفضاء،
يقولون كم لبثنا فيها؟ أيوماً أو يومين؟ يُقال لهم بل لبثتم أياماً عديدة، كما جاء في كتابكم، لكنكم استمعتم لرجال دينكم و طائفتكم الذين وصفوا لكم الجهل دواءً، إرجعوا إلى السجن الذي في ظلامه تنامون

 

ألإنسان و الكون (2)

إن الكلام عن الكون منفصلاً عن الإنسان: غير ممكن،
و إن الكلام عن الكون منفصلاً عن الإنسان، بمعنى قبله أو بعده: غير صحيح: بمعنى أنه كلام عن شيء لا وجود له:
فإذا سلمنا جدلاً بأنه قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن فيه شيئاً مذكوراً: فإن الكون الخالي من الإنسان هو الإنسان بالقوة: يعني قبل تمثّله بالصورة الإنسانية:
ذلك لأن الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على إدراك الكون في الكون و من الكون،
و هذا القول يفترض أن وجود الكون يستوجب إدراكه:
إذا سلّمنا جدلاً أن هناك إلاه يدرك كل شيء، فبحكم قدرته على إبداع الكون: هو فوقه و غني عنه: لذلك فإذا لم يكن هناك عقل واعٍ مُفكّرٌ قادر على إدراك الكون: فإن وجود الكون و انتفاءه يتعادلان،
و أما إذا سلمنا جدلاً بأنه لا يوجد إلاه يدرِك أيَّ شيء، و بالطبع: ألكون الخالي من الإنسان غير قادر على إدراك نفسه في إطار هذا التسليم: يصبح الإدراك و الوعي البشريّان في الكون للكون من الكون: شيئاً إبتدعه الكون بغير و عي أو إدراك:
فهل في غياب الوعي و الإدراك قوةٌ قادرةٌ على خلق الوعي و الإدراك؟

إن الذين ينحون نحو التسليم بوجود إلاه يفشلون في رؤية عقل الكون،
و أما الذين ينحون نحو التسليم بغياب الإلاه، فهؤلاء لا يقرون بوجد وعي ذاتي في الكون، بل ينسبون كل نشاط عملي و فكري و عقلي للكيمياء التي يتركب منها جسم الكائن الحي أيّاً كان: ألكيمياء التي في إطارها الوعي الذاتي وهم، و الوجود الحقيقي هو مادة الكون أو طاقته:
و هذا يرمي بكل مقولاتهم في الفراغ، و تنفي مقولاتهم نفسها تلقائياً، و هم غير متنبهين لهذا الأمر،

هكذا يرسب الفريقان في العدم، و يقيسون وجودهم بغبار الكون، و يأخذون طبائعها و أخلاقها، لأنها كل ما يرَون

 

ألإنسان و الكون (3)

فهكذا في كل طور من أطوار الكون كان هناك الإنسان ليشهده، و هذا هو المقصود،
لأن الإنسان يحمل هذه الأطوار في عقله أولاً كممكنات، ثم ينسى كل شيء ليختبر وجوده فيها،

ألكون الذي هو جَدّ الكون الحاضر كان عائماً على الهيولى، كما تعوم الفلك على الماء،
و الأرض زبد الماء الذي يجف، و الوصول من حال إلى أخرى يأخذ ثوانياً على الزمان الخطي، الذي كان في ذلك الكون مثل تلك الجزر الأرضية السابحة،
و كل هذا إنعكاس للسبحان في الهيولى،
و كانت بعض هذه الجزائر تحوم بجاذبية المحبة حول شموس مضيئة غير حارقة، و في جد نظامنا الشمسي كان زحل و المشتري شمسين عظيمتين غير حارقتين،
و كان Pluto مكوراً منذ ذلك الوقت، و فلكه يقترب من كل الأراضي، و عندما يقترب يملأ السماء بضيائه البهي، و يخاطب الناس ويخاطبونه، ويسبب وجوده انجذاب الأراضي لبعضها، فيقفز بعض الناس من أرض لأخرى،
و كانت طبائع تلك الأراضي محكومة بموقعها حول دائرة، و بطبائع سكّانها،
و مرت ملايين من القرون،
 
و الشمس الحارقة كانت في مهاوي تلك الجزائر في انعكاسها في الهيولى، حيث ينقلب كل شيء، حتى الرؤوسُ، مجذوبةً بجاذبية تلك المهاوي الطبيعية التي سماها الكتاب ألأخدود،
و كان الناس يقفون على مشارف أراضيهم و ينظرون تحتهم و يُبهرون بمناظر الطبيعة الكثيفة، التي تتمدد و تتسع بحب الناس لها، كما تكبر المدن و يتضاعف العمران اليوم بالتكاثر،
و بدأ كثيرون هجرتهم إلى العالم المنقلب، و خصوصاً بعد أن قيل لهم: لقد أنست ناراً لعلي آتيكم بجذوة منها،
فقيل له: إني أنا ربك،
لكنه استحب النار و هبط معه كثيرون، و صار الخروج منها صعباً بقوة جاذبيتها الطبيعية

 

ألإنسان و الكون (4)

و لعل ميزة هذا الطور الكوني هي قرب الأنفس من أزواجها، فكل نفس متجسدة هي زوج لوجودها كطاقة واعية مدركة ناطقة، هذا الوجود يعلو المكان و الزمان الخطيين،
و كذلك كل كائن في الكون زوج بهيج المنظر لوجوده فوق الكون، هذا الوجود الذي سوف أتجنب تسميته روحاً، لأن هذه الكلمة ضاعت بين الخرافات و التعريفات الدينية و الطائفية،
و الكون مُلك سليمان الكلمة و هو آدم أبو كل الكائنات الحية و لا يفرق بينها و بين أزواجها،
لكن الشياطين كانوا يعلّمون الناس ما يفصل المرء عن زوجه، ظناً منهم أنه باستقلاله عن وجوده يستطيع أن يحيا حياة حرة في الكون الطبيعي ليفعل ما يشاء،
و كان الملكان هاروت و ماروت يعني جبريل و ميكائيل يقولان للناس: لا تكفروا يعني لا تبتعدوا، فما هذه المظاهر إلا فتنة تأتي ثم تذهب،
لكن الشياطين كانوا يأخذون العلم و يستخدمونه في تطوير المعارف الطبيعية، ليغروا الناس بالهبوط إلى الطبيعة و السكون فيها أبداً،
و ليست الشياطين إلا الأنفس التي أختارت البعد منذ خلقها، و أما الشيطان و إبليس الذي ورد ذكرهما في الكتب فقد تكونا من النفس حين نظرت إلى المجهول في نفسها، عندما بدأها العقل، يعني أطلقها بقانون الشفع من الوتر، و نظرت إلى الحق ثم نظرت إلى غير الحق،
هذا المجهول في نفسها تمثّل بالظلام و استشعرت منه غربة و خوفاً، فلما عكست عليه ضياءها إتخذ صورة رأتها قبيحة فجملتها بالرحمة،
و صار وجود الشيطان مستقلاً، فراح بإذن ربه يعاكس النفس و يشاكسها، و جاء في الكتاب إني صنعتك لنفسي، لأنه مخلوق من الخوف و الجهالة،
لذلك فالتغلب عليه لا يتحقق إلا بالعلم و الخلاص من الأوهام و الخوف، و هكذا تتوحد النفس مع زوجها،
و يخضع الشيطان و إبليس للعقل و النفس ليُظهرا عبقريتهما في العلوم الطبيعية

 

ألإنسان و الكون (5)

و بنى الشيطان المدينة التي هي جّد بابل على جزيرة من تلك الجزائر، و كان يقول إنه لا يوجد شيء فوق الهيولى، و هو لم ينظر إلا لمظاهرها الكثيفة الطبيعية تحت سطح الماء،
فبنى برجاً عالياً بمعارفه الطبيعية، بهر به أنظار الناس، حتى سادةَ الكون جبريل و ميكائيل و آدم، و اغتر بنفسه غروراً عظيماً،
و صنع آلة تطلق أسهماً، ثم صعد إلى قمة برجه و أطلق سهماً إلى السماء، و هذا سلّط ضوءً على ممكنات الطبيعة و قوانينها، التي توافقت عليها الأنفس في طور سبق هذا الطور بالوجود، ظهر
 بعد بدءٍ لا يُدرك قِدَمُه بالزمان الخطي، و الذين يقيسون عمر الوجود بالسنوات الأرضية كالذين يقيسون السماء بأشبارهم،
لكنه بقانون الوجود: لا يمكن للسهم المصنوع من العناصر الأربعة أن يخترق سطح الهيولى ليرجع إلى السبحان، فتفجّرت مادة السهم كما تتفجر الذرّة و تتحول مادتها لطاقة غير محكومة، تفلت لتسبب حريقاً و دماراً،
فحكم الحق أن يزداد المبتعدون بعداً، فلا يفهمون ما يسمعونه من الرسل، و يبقى العلم الخامس فوق العناصر باطنياً، فإذا سمعوه وقع على أسماعهم معارفاً طبيعيةً،
و لا يزال أهل الأديان و الطوائف يبحثون اليوم على براهين لما جاء في الكتب بالعلم التجريبي،
و هذا يضع العلم التجريبي على درجة فوق الكتب في فهمهم، 
و يجعل الطبيعة مقياساً للحقائق العقلية في فهمهم، و يتخلّقون بأخلاق التراب،
و هذا دليل الحق لهم أنهم على ريب مما جاء في الكتب عظيم، و هم لا يشعرون

 

ألإنسان و الكون (6)

و شهدت كل الأنفس هذا الحدث، كما تشهد في الحاضر أحداث العالم،
و الذين بهرتهم مظاهر الطبيعة قال عنهم الكتاب الكريم: مثلُهم كمَثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب اللهُ بنورهم و تركهم في ظلمات لا يبصرون،
ذلك لأنهم استبدلوا نور عقولهم بما يجْنون بحواسهم حتى رسبوا في الطبيعة، هم الذين أسرت مظاهر الطبيعة عقولهم، يعبدون الشيطان، و هو الذي يخوفهم من أوهام أنفسهم، و الشرور التي يفتريها هو،
و قيل له في الكتاب: تَصنع بعيني،
فالكثير من أعماله الفكرية و المعمارية و الفنية و الأدبية بديعة الجمال و يعجب بها الناس و أسيادهُ الرسل،
و صار برجه حجّاً لعابديه، فلم يروا عمله عصياناً بل علماً بالغاً و سلطاناً، و شرعوا يطوفون حوله و يسجدون و يركعون،
و الرسل يهدون الناس و يدلون بحجتهم و أسبابهم لكنهم لا يستطيعون أن يُرغموا أحداً على الخلاص من عُقدهم، فهذا شأنهم و خاضع لإرادتهم بإذن ربهم، و لا يريد الشيطان أن يعرفه الناسُ لئلا يتحرروا من طغيانه و تخلوَ جهنمُ من الناس،
و الذين اتبعوه في ذلك الكون هم الذين رؤوا في تمرّد أخيه إبليس قبل الزمان و الكون سلطاناً عظيماً،
ذلك عندما أضاء جبريلُ سماء الخلق بشمسه البهية، و خرج من البيضة بصورة إنسان ملاكاً ذا أجنحة مثنى فثلاث فرباع،
فحسده إبليس و أراد أن يجذب الأنظار إليه، فأظهر ضدَّ ما أظهر، و ابتدع الأصوات الناشزة التي لا تقبل لحناً كالزين و الخاء و الشين، و أظهر نوراً باهتاً الذي منه نور القمر الخاسف، و أظهر وجهاً ميتاً بعينين مفتوحتين خاليتين من الحياة، منها وجه الخنزير، و جاء في الكتاب أنه أبى أن يسجد لآدم و قال إنه خير منه، 
فرأت بعضُ الأنفس عرضَه مضحكاً و مُسلياً، و بعض رؤَوه مخيفاً، و بعضٌ رؤوا فيه سلطاناً فشرعوا يسجدون له و يركعون و لا يزالون،
و الذين أحبوا الحق و الرحمة و الفضيلة أحبوا جبريل و لم ينخدعوا، يبتعدون عن أكاذيب الشيطان و إبليس و تخويفهما لهم، و لا يزالون

 

ألإنسان و الكون (7)

مرّت عصور عديدة في ذلك الطور، لا يمكن إحصاؤها و عدُّها بالتسلسل،
و يتساءل الغارقون في الطبيعة: أين حدث هذا؟ و يسألون: ماذا وراء الكون؟
و الذين يسلّمون بمقولات الأديان لا يفهمون أن الإله و الكون كما يفهمونه لا يتوافق مع الحقائق العقلية، فهو لذلك غير موجود إلا في أوهامهم،
ذلك لأن الفريقين يريان أن الوجود يُقاس بالمكان و الزمان، ذلك لأن العلم الخامس قد غاب عن أبصارهم في انقلابهم في الطبيعة،
وكم وصف واصفون دواءً لمرض لم يتمكنوا من تشخيصه، و أُمهلوا رويداً عساهم يستفيقون، لكنهم اليوم يتسابقون إلى سقوط كتبوه على أنفسهم.

و العديد من الأساطير والميثولوجيات، و حتى قصص الخيال العلمي (science fiction) و أفلامها السينمائية ... جذورها في ذكريات ذلك الكون و كائناته و حضاراته و تكنولوجياته، و أراضيه و أخاديده، و أبطاله و صعاليكه، و أنبيائه و سَحَرته ...
يتمنى الإنسان لو يعود إلى ذلك الزمان، حين كان السفر عبر المجرّات و على أمواج الهيولى سهلاً، على مراكبَ صنعها الإنسان بالعلم، أو راكباً على الخيل المجنحة، التي كانت تحمل أزواجها على ظهورها في رحلاتها في الأراضي و الأخاديد،
وكانت هذه قادرة على التغلب على جاذبية الطبيعة المنقلبة، إلى أن إزدادت عنها الأنفس بعداً، و هبط كثيرون في خروق جهنم ذات الشمس الحارقة، بعرق جبينهم يأكلون خبزهم، و بالعذاب يتكاثرون و يولدون،
و كانت الأنفس تنادي أزواجها أن يرجعوا قبل أن يصير الخروج من الأخاديد صعباً لبعض و لبعض مستحيلاً، فتنقطع الروابط بين المرء و زوجه و يُترك يتيماً،
كثيرون دُعاة البعد و الإستقلال عن الحق في أوهامهم، و لعل أشهرهم فَيْنوس إلاه اللذة الحسية، الذي كان يدعو الناس إلى أقبيته القذرة، ليرهق حواسهم بالموسيقى و الأطعمة و العطور التي تدفع بوعيهم إلى أجسامهم، فيتحققون من حناجرهم و مِعَدهم و أعضاء تكاثرهم، فتستعر فيها طاقة لا تنفّسها إلا النشوة الحسية فيُدمنونها و يعودون إليه ليطلبوا المزيد،
و أحب الناس هذه الملذات لأنها هينة، و ما هي إلا مسخاً للملذات الحقيقية، و لا ينتصرون عليها بالتتظاهر بقطعها، و لا بالإستسلام لها و اتخاذها أمل الدنيا و الآخرة، بل بلقاء الحقيقة و الخلق الإنساني الكريم و رجاحة العقل، كما جاء في الكتاب العظيم:
مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ (ألحج 15)

 

ألإنسان و الكون (8)

و ازدادت جاذبية الطبيعة إذ اتسعت و عمرت، و بدأت الأراضي العائمة فوقها بالميل تدريجياً إليها، و تقبل أكثر الناس هذا الحال و رؤوه حسناً،
و كان نوح طفلاً يذهب إلى بيوتهم و يدوخ في داخلها من عدم توافق اتجاه الجاذبية مع أعمدتها و أسقفها، لكنهم لم يروا في ذلك خطأً،
و كان سكن كثيرون في المهاوي، فرحين بالحزن و الخوف و الملاهي الحسية،
و بعض من سكان الأراضي العائمة هبطوا إلى المهاوي و أحبوها و سكنوا فيها، و كان سكانها يتبنَّونهم و يتزوجونهم ليتكاثروا منهم، فيأتيَهم بنون صالحون بصورة مجمّلة، ذلك لأن الذين كانوا فيها أزماناً طويلة كانوا قد تقبحوا و تمسّخوا بالطبيعة،
و التكاثر بالجنس كان شيئاً جديداً، و كان بعض الأولاد الجدد مشوهين و غير قادرين على الحياة، و جاء في الكتاب أنهم كانوا يدعون ربهم أن يأتيهم نسلاً صالحاً،
و كان الشيطان من قبلُ أولَ من أظهر صورة جسمه عل برجه بصورة الأنثى و قد قُدَّ قميصُه يعني جسمه، من قُبُلٍ، بينما آدمُ قُدّ قميصه من دُبُرٍ، فصار أختياراً للبشر أن يتخذوا صورة الذكر أو الأنثى، و منهم من احتار بين الإثنين، و هو و عابدوه الذين دعوا بعضهم و الناس للتكاثر،

و سوف يقول كثيرون هذي خرافات جديدة، فالذين قرؤوا خرافاتهم في رؤوسهم: من أهل الأديان و الملحدين: ليست في كتبهم، و لا نخسر شيئاً،
نمر بالأعمار لنأتي بالحجة و ما لديهم إلا الظن، ترونهم يبحثون عن ظنهم بين أسطره، و كل ما هجر الزمانُ في منظورهم: أسبابه قائمة و هم الغافلون

 

ألإنسان و الكون (9)

هذي هي القرى التي مالت ميلاً كبيراً، حتى ابتلعتها جهنم قريةً قريةً،
و كان نوح يقول لهم: يا ناس، هذى قراكم، قد حتمتم قدرها بالغرق في الأخدود، فيقولون ما أدراك؟ لا أنت ترتفع على أوليائنا هامةً و لا تلبس أزياءهم،
و كان لاح له جبل من أفق في بصيرته، لا تطاله العين الجسمية، ذكّره بالنشأة الأولى، فكان له نداءً، و صنع المراكب و نادى الناس، و لما هُدِرت الأرضون، و هبطت السماء: فاض الهيولى الأدنى: مادة الكون الذي تعرفون،
و جرت المراكب في موج كالجبال، لا تضلها لججها و لا تُهيبها عبابها، حتى استقرّت على ذلك الجودي، و تجلى ربكم إلى الجبل، و هذا ذكر لو تذكرون عظيم، 
فلا تمنوا علينا إيمانكم و توحيدكم، و لقد ذُكّرتم مراراً،
ليت أهل الأديان و الطوائف يريدون خلاصاً، بل يريدون أن يستمر العذاب على ذوقهم و حسب اختيارهم، ليجتنبوه و يناله أعداؤهم،
ليس العالم وكالةً خاصة لنبييهم و أربابهم و أممهم، وليس الوجود منزلاً لسكناهم، 
لكل أمة معتقدهم و تقاليدهم، يرَون أحداث الكون و حروب البشر براهيناً، و ما داموا عليها فعليها استقرارهم: و يبقى وجودهم على الأرض عبثاً، مثله كالكائنات الطبيعية، لا تربو إلا لتتلف، ثم تربو من جديد

 

ألإنسان و الكون (10)

أما أطلنطِس التي غرقت في بحر هذه الأرض في نهاية الدور الزماني الفائت، و ذلك الذي أسمى نفسه نوحاً، و بنى سفينة ليهرب من قَدر محتوم و حباً بالحياة في الأرض: فسنأتي على ذكرهم في حينه،
لكنا الآن بصدد الكون الذي ورد ذكره في سفر التكوين و في بعض من سور القرآن، و خلطه المفسرون بانتهاء الدور الفائت و ابتداء الدور الحاضر، منذ ما يزيد على عشرة آلاف من السنين الأرضية،

و كان سبق ذلك الكونَ أكوانٌ قبله، فلا تُحصى الأكوان عدداً، و عسى نأتي على ذكر بعضها إذا كان مُعيلاً (relevant)،
لا يتحقق شيء إلا إذا كان له نمط (model) سابق له بالوجود، و الرياضيات تقدم الدليل العقلي على ذلك، و قد آن الأوان للفيزياء و العلوم التجريبية أن تقبل هذه الحقيقة العقلية الوجودية،
فالكون لا يرتجل أحداثه ارتجالاً، و لما قال أينشتاين أن الخالق لا يلعب بالزهر (ألنرد) كان مُحقّاً،
العقل وحدَه قادر على التعرف على النظرية المتكاملة، التي تتوافق فيها فيزياء الكَم (quantum physics) و النظريات الأخرى، و هو القادر على سبك المعلومات المُجتناة من التجربة: و الحقائق الرياضية: في العلم الخامس، الذي فيه تنصهر المعارف و منه تنطلق،
هل سيتمكن الإنسان من وضع معادلة واحدة تلخص نظرية واحدةً؟

فرضتْ جاذبية المادة، من كل نظرية، أن تتكوّر الكواكب و الشموس و أن تأخذ المجرات و كافة الكائنات السماوية صورها المعروفة، و كان هذا الكون الظاهر، الذي في الميثولوجيا القديمة: كوّره أطلس (Atlas) و حمله على قرنيه،
و في الميثولوجيا الهندية قصة مثيلة لمجيء كرشنا في طور قديم إلى العالم،
و أما ما حوت هذه الكواكب في باطنها: فهناك الأرضون الفاضلة، المحكومة بالمجسم ذي الأوجه العشرين (dodecahedron)، الذي أنبأ عنه أفلاطون،
ففي داخل أرضكم هذه أرض فاضلة، ليست تحت أرضكم، بل أرضكم تحتها، ذلك لأن جاذبيتها معكوسة، و فضاؤها مكور على نفسه، و هذا التكوير سر فضلها و عدم خضوعها لتتالي الليل و النهار و الولادة و الفناء، لذلك قال الكتاب عن سُكانها: تجري من تحتهم الأيام (الأنهار) خالدين فيها أبداً،
و سوف تتعرف الرياضيات المخمّسة على سر تكوينها في المستقبل في الشرق الأقصى، عندما يرجع رسول ليستنبط أسُسها،
و الذين نجوا من الغرق في الجاذبية الطبيعية في ذلك الكون هم الذين استحقوا أن يُبعثوا فيها، و بعض منهم برغبة منهم يرجعهم ربهم إلى هذه ليُرشدوا سكانها التعساء، يتبوؤون فيها حيث يشاؤون، و كلما تعبوا رجعوا إلى الأرض الفاضلة، حيث لا رفث و لا فسوق و لا منافسة، و ليس أملهم أن يؤمنوا ليأمنوا، بل أن يزدادوا طرباً،
يتجلى عليهم ربهم و يأتيهم طعاماً من مسابح العقول، فينشدون معاً،
قال القرآن أنها جنة عرض السماء لأن الناظر في أفقها يراها قد علت، و في كبد سمائها كوكب دري، إذا نظروه لا يحرق العين بل يزيدها بصراً، تتألق أنواره بألوانها البهية، فتغير تلك السماء حليتها على سحب لطيفة، و كل مشهد حقيقة وجودية و لقاء للناظرين،
بيوتها بُنيت آنذاك من موادها الكريمة التي لا تخضع للتحلل و الفناء، و لا يهرم سكانها و لا يمرضون، يظهرون بالصورة التي تحبها نفوسهم، بعضهم يبقون أطفالاً و شباناً، و بعض يشيخون قوةً و وقاراً

 

 

ألإنسان و الكون (11)

و كانت الأبواب بين الأرض الفاضلة و الأرض لا تزال مفتوحة، لينزل أهلُ الأرض الفاضلة في عَمَد ممددة، يعني أنفاقاً، سيراً على الأقدام، و عندما يقتربون من الأرض تنقلب الجاذبية أمام أنظارهم، و هذا اختبار مخيف لأهل الأرض ذوي العقول الضعيفة إذا حاولوه، فكان رادعاً لهم و حُرّمت الأرض الفاضلة عليهم، و لو أُرغموا على دخولها ملأ جمالُها و ألوانها قلوبَهم رعباً،
فكان الفاضلون ينزلون إلى الأرض ليشهدوا ما حلّ بأهل جهنّم، حيث الوحوش الكاسرة، والحر والبرد والشمس الحارقة، و الأمراض و الجروح و القروح،
و عندما يقتربون من مداخل تلك الأنفاق على الأرض: كانت تخيفهم الحيوانات الهائلة: الديناصور، قبل أن دجّنها ربكم وجمّلها، وقال هذي ناقة الله، كما سنقص عليكم بعينه قريباً،
و كانوا يتأسفون عليهم و يحزنون، و بعضهم كانوا أصدقاءً لهم و أحباباً، فكانوا يرجعون إلى الدار و يطلبون من ربهم أن يرحمهم و يسامحهم، 
و خلق ربكم ناسوته ليمشي بهم في الأرض و يشهد الإنسانَ بالإنسان، كما شهدت الكتب و الحكمة، لكن الناس عن معاني الكلم غافلون،
حتى أذن ربكم أن تهاجر جالية صغيرة من الأفاضل، ترافقهم الرحمة والسدق، ليكونوا هدايةً للناس، عساهم ينتصرون على الجهالة، و شهد الكتاب إذ قال أن فئتين التقتا، واحدة تقاتل في سبيل الله و الأخرى كافرة، يرونهم مثلَيهم: يعني تصغيراً: رأى العين،
فالأفاضل كانوا بشراً، بأجسام إنسانية جميلة، و وجوه مطمئنة مبتسمة، و عقول يقظة و أخلاق كريمة، يتكلمون لغة عربيةً يعني فصيحة، و يلفظونها لفظاً مطرباً للآذان ... فأسماهم أهل الأرض ملائكةً، فأحبهم بعض و بعض حسدوهم و كرهوهم و لا يزالون،
و أهل الأرض كانوا بشراً مقبّحين بأخلاقهم البذيئة و عداواتهم بين بعضهم، بعثهم ربهم قِردة و أشباه بشر (humanoids)، و يكشف المنقّبون آثارهم المتحجرة (fossils) و ينظّرون أنهم أجداد الإنسان: لكنهم ما سقط من الإنسان، 
و كان قد سقط الإنسان مرات عديدة، و كثيرون من الناس اليوم، من أهل الأديان و الطوائف و الملحدين، سوف يسقطون سقوطاً مماثلاً إذا لم يستفيقوا من كوابيسهم، ليشهدوا وجودهم و يستعيدوا خلقهم الإنساني الكريم

 

ألإنسان و الكون (12)

هؤلاء هم الذين أسماهم الكتاب جنّاً، و أما الإنس أو الملائكة فهم الذين فضّلهم ربهم بجهادهم في سبيل علمه، و قربهم و حفظهم للغيب: ذلك الكنه المستور،
و كانوا يطلبون منه أن يعيد الجنَّ إلى الأرض الفاضلة، شوقاً لهم و رحمةً بهم، فكثيرون كانوا أحباباً لهم،
و بُعثت زمزم و ابنها قايين فيها، و أُسكن هابيل، و هو ميكائيل، معهم، فلم تحب أهلها و كانت تجدهم سُذجاً، و كانت تختبئ كلما تجلى ربها في الدار، و لما كبُر ابنها كانت تحثه أن ينزل إلى الأرض، و مرةً غاب فيها زمناً طويلاً، و لما رجع ظهرت السحنة الأرضية عليه و عانتُه نبتت،
فأحبت زمزم هذا، فخطط أن ينزل و يأخذ غصناً من شجرة التفاح و أشجارٍ أخرى كانت محرّمة على أهل الأرض و طعامهم فيها ضربعٌ،
و لما كبُرت و أثمرت جاء بثمراتها إلى أمه، فأحبت مذاقها أكثر من فاكهة الأرض الفاضلة، و وجدت في خشونتها لذة، و في مزازتها طيباً،
فعزمت و ابنها و آخرون تبعوهم أن يهاجروا إلى الأرض و أن لا يعودوا، فأمر ربكم قايين أن يرافقهم و كان طفلاً

 

ألإنسان و الكون (13)

نقص عليكم لتستيقنوا أن هذه الأحداث قد وقعت، و هي قائمة في خفايا ذاكرتكم من منظوركم، لا يمحوها شيء، و منها تستوحون معتقداتكم،
و الوجود يحب كل كائناته و بمحمبته لذاته خلقهم، و من خلقه يستوحي الناس أفعالهم و معتقداتهم، لكن الذين يعرفونه هم القادرون على التبرّؤ من المعتقدات و الأديان والطوائف، لأنه المعرفة الكاملة، والرحمة و التكامل الكوني،
كل الموجودات بدائعه، و هو الذي يُظهرها ليَظهر الحقُ، أن لا معبود إلا ربكم الأحد، رب الظهور الصمد (Ubiquity)، ألفرد بلا عدد (The Numberless Oneness)،
كم نحن محظوظون بأنه ينعم علينا بأنبائه و تعليمه، و تذكاره و تذكيره،
فقولوا للذين يسألون: لماذا لا يمنع الله الشر والعذاب؟ و يحسبون أنهم أحرجوكم،
قولوا لهم، إمنعوا الشر عن نفوسكم فلا تظنوا ظن السوء بربكم، و لا تطلبوا العذاب لأحد، كائناً ما كان، يمنعِ الله الشر و العذاب عنكم و عن كل الكائنات كائناً ما كانت.

و عاش هابيل و قايين و أمه عمراً طويلاً، و كان أهل الأرض يستهيبونهم لخَلقهم الإنساني و يستشيرونهم في أمور حياتهم، و تعلّموا و عَلّموا أن يأكلوا بعرق جبينهم، و كان قايين يقتني بهائماً دجّنها، و الحيواناتُ اللبونة موجودة بصورٍ مختلفةٍ منذ أن اتخذت الكائنات أجساماً، 
و تعلم قايين من أهل الأرض أن يقتل البهائم ليأكل لحمها، و كان مشهد دم الذبيحة المهدور و عذابها يؤلم أخاه الذي استحب الزراعة و أكل نباتها،
و هذا قربانهما لربهما: و كل عمل يعمله الإنسان غايته الحقيقية المعرفة والإرتقاء بالأخلاق، كما جاء في الغيتا، و ربكم غني عن كل ما خلق،
فلا تمنوا عليه فتات موائدكم، تشترون بها تجارة الوثنية تجارةً خاسرة،
و قد قلب أهل الكتب هذه القصة في فهمهم الطبيعي، فارجعوا إلى كتبكم، أحراراً من اقتناعاتكم المسبقة، التى غرسها رجال الأديان و الطوائف في نفوسكم،
و كان ربكم يخاطبهما في رؤوسهما، واستشعر قايين غضب ربه لما قال للناس أنه مالك الأرض التي يعيش عليها، و كان أخوه يعنّته و يقول له أن يكون رحيماً على الضعفاء، و بدأت التساؤلات في فكره حول الملكية و الحقوق الفردية، و كان يُرشده ربُّه،
و في يوم من الأيام تجادلا على أمر و غضب قايين غضباً كبيراً، و كان مشهد دم ذبيحة و رائحته يزيدان غضبه، فحمل غصن شجرة و هدد أخاه بقتله، فقال له لئن حاولت قتلي لن أدفع عن نفسي، أخاف إن رددتك بقوتي أكون عصيت ربي،
و كأن لم يسمع قايين شيئاً، إنهال عليه ضرباً حتى رماه أرضاً، فضربه على رأسه و أردى جسمه ميتاً، و استشعر على الفور بذنب عظيم، و بكى سنيناً على موت أخيه حزناً، و صار يشعر أنه أينما حل أو ارتحل في الأرض غريباً، و وجه أخيه يلاحقه في بصره، إن فتح عينيه أو غمض غمضاً،
فبُعث قايين في الأرض، مبتدئاً رحلةً و جودية جديدةً، ليختبر الإنسُ و الجن نفوسهم، و يُظهروا أسرارهم، و علّم قايينُ الناسَ جميعاً، أن يدفعوا عن أنفسهم إذا اعتُدي عليهم، و أن من قتل نفساً بغير نفسٍ، أو فساداً في الأرض، فكأنما قتل الناس جميعاً

 

ألإنسان و الكون (14)

و هبط كثيرون من الإنس إلى الأرض، بعضهم عدوٌّ لبعض، يعني سابقاً، فربهم لم يحتم العداوة عليهم، بل علمهم أن يتعارفوا، و العداوة من صنعهم، 
و الناس جميعاً ينجذبون إلى الأرض، حباً لمغامراتها و مُغرياتها، و معارفها و مجاهلها، و أعمالها و أملاكها، فيها تنكشف خفايا نفوسهم، و لهم فيها متاع إلى حين، و لأن الضلال فيها و الضياع ملحٌّ ما إن يفتحون فيها عيونهم، فهل سيستطيعون عليه نصراً؟
و ابتدأ طور وجودي جديد، دام ملاييناً من القرون، و ليس الحاضر إلا تلخيصاً له،
و كانت الأرض في أوله حدائقاً غنّاءة، أُسميت عدن و عاداً، و فيها من النبات و البهائم ما ينفع الناس و يسر أنظارهم، و ليست ناقة الله التي ذكرها الكتاب إلا تلك الحيوانات الهائلة، تسمونها اليوم ديناصور مُجْملةً، ذات الفراء الناعم بألوان مختلفة، يركب الناس على ظهورها ليجولوا في الأرض أو لتطير أو تسبح بهم،
و قال لهم أنبياؤهم هذي ناقة الله، ذروها تأكل و ترتع، لكن التوسع العمراني تعدّى حدود مراعيها، فتضاءلت أعدادها، و كانت ذكية و تعرف أوطانها و لو ازدحمت بمنازل الناس، فصار بعضهم يرونها عبأً و أرادوا منها خلاصاً،
و كانت تتكاثر بغير الجنس و كانت لبونةً، و بقي واحدةٌ منها، قال لهم نبيهم لن أدعكم تقتلونها، و هيّأ لها مكاناً خارج سور المدينة لتنام فيه، و كانت تمد رقبتها الطويلة لتصل نوافذ منازل الناس لتناديهم،
لكنها ماتت ذات صباح و قطّعوا جثتها العظيمة قطَعاً ليزيلوها، و كان هذا يوماً أسوداً في ضمير الإنسان، ذكّره به الكتاب العظيم،
و ترون اليوم المتحمسين للمحافظة على الطبيعة و كائناتها، ذلك لأن الذكرى كامنة في نفوسهم و هم لا يشعرون، و يعلمون أن حياة الإنسان و هناءه على الأرض مرتبطان بالأرض كما هما بالسماء، و جاء في الكتاب أن البهائم أمم مثلكم، لكن الذين لا يقدِّرون حياتهم حق قدرها لا يقدّرون الحياة كيفما كانت أنواعها، و الذي يقتل بهيمة غيرَ مُرغم متفاخراً يقتل إنساناً غيرَ مرغم متفاخراً

 

ألإنسان و الكون (15)

و بقيت الأنفاق المؤدية إلى الأرض الفاضلة مفتوحة، و كان ينزل بعض الإنس منها إلى سقر ثم يرجعون، فلم يجدوا فيها إلا عذاباً، و بعض كانوا ينزلون ويقعون في أهوائها أبداً، و بعض ينزلون و يرجعون تكراراً، رغبة منهم بمساعدة أهل الأرض، و حباً بمجابهة الصعاب، و لا لذةَ أعظمُ من لذة الإنتصار على الأوهام، و لقاء الحقيقة، و قال ربكم كنتُ نسياً منسياً،
و الإنس كانوا لا يزالون يُعرفون بخَلقهم الإنساني، بينما كان الجن صاغرين و مقبّحين،
و كان ربكم يوصي الإنس في الدار قبل نزولهم أن لا يتزوجوا من الجن لكن كثيرين عصوه و قالوا تمتّعنا بهم قليلاً و شهد الكتاب، و اختلط بحر الإنسانية بفراته العذب و الأجاج المالح، و كان الإنس يفقدون بصيرتهم و طاقاتهم العقلية المتفوقة بغرقهم في الملذات الحسية التي كانت خاصة الجن،
و تقدم العلم الطبيعي و تقدمت التكنولوجيا بدرجة مثيلة للتي هي عليه في الحاضر: في المواصلات والصناعة و عمرت الأرض أكثر إعماراً و شهد الكتاب، و كان الهيدروجين مصدر طاقتهم، يستخرجونه من ماء البحر، الذي كان لا يزال غير مالح، بفعل ... باكتيريا ... أو ... تحليل كلوروفيلي أصطناعي غير كامل ... و كانوا يخزنون الهيدروجين سائلاً و يستعملونه كما تستعملون منتجات النفط،
و لم يحصل هذا بغير عواقب سلبية، و إن الرمال المتراكمة في الصحارى المعروفة نتيجةٌ جانبية (byproduct) لهذه العملية، هذه الرمال التي خنقت جنات عادٍ و دفنتها داخلها، لذلك مشى رسول أُرسل إليهم، أسماه الكتاب هود، على الأحقاف ليرى بعينه ما صنعت يد الإنسان،
و عسى أن جاذبية الأرض كانت أضعف قوة من جاذبيتها اليوم، و لست أدري كيف ستفسر الفيزياء و الرياضيات هذه الظاهرة، فإن الطائرات التي صنعوها تتجاوز أكبر الطائرات المعروفة حجماً، و كانت تحلق إلى ارتفاعات stratosphere فوق الجو، كما تحاول التكنولوجيا الجَوية (aeronautics) اليوم،
و هذا التقدم التقني و الإزدهار المعيشي جلب على الإنسان صعاباً لم تكن في حسبانه، كما هي الحال في الحاضر، و هذا ليس لأن التقدم والإزدهار خطأ، بل لأن أكثر الناس ينسون أنفسهم، فيتعلقون بأمور و أشياء زائلة، يبنون عليها مساكنهم و يحسبونها دائمة، فتخيب آمالهم و يتألمون ما إن تتغير أو تزول، و يا ليتهم يتعلمون درساً

 

ألإنسان و الكون (16)

إن أحداث العالم توجهها طاقات عديدة، عسى أن الطاقة الأعظم منها هي مُعتقدات الناس، 
و يعبد البشر كلَّ ما يجدونه مصدراً لحياتهم و بقائهم، 
هكذا يعبدون أشياءً كثيرةً و أفكاراً، جميعها من صنعهم، و يطلقون عليها شتى الأسماء، و يحسبون أنهم مهتدون، سائرين بتعاليم رجال الدين و السياسة و المعارف الطبيعية،
و هم يعبدون هذه الأشياء يعني أنهم يعتقدون أنها سبب وجودهم و بقائهم و تقدمهم حسب معتقدهم الديني و العلماني، و هكذا تتضارب الآلهة المتعددة الغايات و الرغبات، و من تضارب غاياتها و رغباتها ينزل الدمار و العذاب، لأنه لو كان في الأرض و السماء آلهة إلا الله لفسدتا،
فلم تكن هذه الآية مقولة إفتراضية: بل واقع و حقيقة،
ألأرض تفسدها الآلهة التي يعبد الناس، و تصبح الأرض مرتعاً للمعتوهين و المرضى العقليين، الذين ينفثون سمومهم و أحقادهم، حتى يروا الدمار و الدماء، يُسلَّط عليكم أشراركم ليسوموكم سوء العذاب،
هذا كان حال عاد في قرونها الأخيرة، حالاً شبيهة بحال الأرض اليوم

 

ألإنسان و الكون (17)

نعم، إن فهم الأسباب و إن معرفة سبب الأسباب: ليس سهلاً،
لكنه ليس صعباً،
و هو ارتقاء يرتقيه البشر أفراداً،
و أما الأمم، فهذه تؤمّ قادتَها الدينيين و السياسيين و الفكريين، قتتبنى آمالهم و تمرض بأمراضهم،

إن تلف جزء من آلة، مهما كان صغيراً أو كبيراً، يؤدي إلى تلف أجزاء أخرى ثم إلى تفكك الآلة تفككاً الآن محتوماً،
و إن فساد عنصر ما في بيئة طبيعية يخلّ نظامها و توازن أنواعها و يسبب هلاك بعض منها أو هلاكاً كُلياً،
و إن تخلّف فردٍ ما عن القيام بعمله قياماً صحيحاً و صادقاً يؤدي إلى انحلال تدريجي في المجتمع البشري الذي ينتمي إليه، لا يلبث أن يعم الأرض كلها، إذا لم يتداركوه، و لو طال هذا أجيالاً،

ألذي يحث الإنسان على القيام بعمله هو فطرته،
إذا ماتت هذه الفطرة مات الإنسان،
و البشر الميتون يعملون ما يعملون مُكرهين و كارهين،
لذلك لا شيء يعملونه ذو قيمة وجودية، و مهما حاولوا الإصلاح بالقوانين و الثواب و العقاب: لا يغير هذا شيئاً،

إنى أحاول أن أقدّم لعقولكم أن الأرض و الإنسان وحدة متفاعلة و متكاملة، لكني لا أقصد تأييد النظريات القومية، فهذه تتمحور حول الملكية و الخوف من الأعداء،
أما أن الإنسان هو الكون و الكون هو الإنسان فهذه حقيقة وجودية، و الكون الأنساني ليس محدوداً بحدود سياسية أو جغرافية أو حضارية ... كيفما كانت،
لذلك فعندما يفسد الإنسان تفسد الأرض، و يختل نظامها، و تشذ الفصول الأربعة على مواقيتها، و تهوج الرياح، و تتسجّر البحار، و تتكاثر الكائنات التي تحمل الوباء ... ذلك لأن طاقة الحياة التي تنزل عليها من السماء: لم يتقبلها الإنسان، و لم يمتصصها عقله، فتأخذها الطبيعة و تُجنّ بها،

هكذا جلبت عاد على نفسها فناءً، يوم استفاق الناس من نومهم و لم تشرق شمسهم من مشرقها، بل من مشقرق آخر، و دارت في السماء ثم أفلت، فأحدثت ريحاً زعزعاً، و أنزلت على قلوبهم رعباً، و زلزلت الأرضَ زلازلاً، فابتلعت ما ابتلعت و فتتت ما فتت

 

ألإنسان و الكون (18)

و لا أقول هذا لأجزم أن هلاك هذه الأرض بات محتوماً، لا يعرف الأقدار إلا ربكم، و لا يُشرك بحكمه أحداً،
لكن الذكرى كامنة في نفوسكم، و هي جزء منها و إن غفلتم عنها، و قدر الإنسان و مرتبته الإدراكية هما تحقيقٌ لذاكرته الوجودية منذ نشأته، و هذا عمر لا يقاس بالعدد و السنين، كيفما كانت،
و الغيتا الهندية أُنزلت أولَ مرة في ذلك الزمان، و هو أول زمان للوجود البشري على الأرض المكوّرة،
و ما دام الناس يتجادلون: أي كتابٍ مُنزل و أي محرّفٌ، و أي صحيحٌ و أي خطأٌ، و أي تجاوز الكتب التي سبقته و أي بات دارساً (obsolete): دليل لهم أنهم لم يفهموا كتبهم و حكمتهم.

ثم تلى ذلك الزمانَ زمان دام آلافاً من القرون، تميّز بنشوء المعتقدات الدينية و شتى النظريات التي تُنظّر في أصل الإنسان و غاية وجوده على الأرض،
فهذه تزدهر كلما ابتعد الإنسان عن حقيقته، و في قربه من حقيقته هو غني عنها جميعاً،
و لن أعيد سرد بعض قصص هؤلاء الذي لخّص موقع دائرة الجمال منه ما تيسر،
و لكن في تلك الأزمنة بذر الناس بذور الشك في نفوسهم، ذلك لأنهم ابتعدوا عن نور عقولهم، الذي كان يضيء سماء أبصارهم من غير جهد، ما إن ينظرون،
و اليوم يتمنى الواحد منهم لو يذهب الشك، لا، بل يتمسكون به ويبنون عليه أدياناً و مناظراً، و تبقى رؤية الشمس و القمر من اختصاص العين الطبيعية، فهذان لا يشاهدان إلا بعين اليقين،
لذلك بقي أهل الأديان و الطوائف يذبحون البهائم قرباناً لآلهتهم، و شهدت سورة البقرة لو أنهم يقرؤون

 

ألإنسان و الكون (19)

و في نهاية كل زمان تبيضّ وجوه و تسود وجوه، ليس حسب تصنيف رجال الدين و الطوائف و رجال السياسة و المال، بل حسب إنسانيتهم، و هذه لا يعرفها إلا ربكم و له القول و الفصل،
و كان الخلق ما زال بحرين بينهما برزخ فلا يبغيان، و كان الإنس يُعرفون بصورتهم الإنسانية و الجن بصورتهم المقبحة، لكن بعض الإنس يفقدون إنسانيتهم، و بعض الجن يرتقون،
و كانت غمور واحدة من تلك البلاد المتحضرة، و كان جمال أهلها الطبيعي يغريهم بالملذات الحسية، و قال لهم عقلاؤهم أن الناس و كل الكائنات أزواج لنفوسها، و أن عليهم أن يعرفوا نفوسهم ليرجعوا إليها، لكن الذين ضلوا منهم قالوا أن الأنفس مشخّصة بالأجسام، و أنه على الإنسان واجب أن يبحث عن زوجه على الأرض، متى وجده اتحد معه بالحب الجسمي و تخلص من العذاب،
و لكن كما بينت لكم أن النفس المشخصة بالجسم ليست موجودة في الحقيقة حتى تدرك نفسها و تشاهدها فوق المكان و الزمان في مرآة ذاتها، هذا هو اتحادها بحقيقتها، و تحمل نفسها الجسمية ميتة تقدمها لنفسها قرباناً، لذلك قيل لجبريل إنك ميت و إنهم ميتون، و ما يزال يصعب فهم هذا على أهل الدين و الطوائف و الملحدين سواءً،
و كان الدجالون يقولون لضعفاء العقول أنهم أزواجهم، و قالوا أن لهم أزواجاً عديدة، و كثرت النظريات و صدّقها كثيرون و استسلموا لمتع جلودهم، ظانّين أنهم يطيعون ربهم، فازداد شقاؤهم و عذابهم،
و الكثيرون من هؤلاء الدجالين قد رجعوا اليوم ليُعلّموا الناس روحانية كاذبة، منهم من يعلم العفة و هم منغمسين بملذات جلودهم، و منهم يحثون الناس على الفواحش جهراً، و كلهم يدعون لعبادة إلاه من فهمهم و من كلام استحفظوه و هم غافلون عن مشارفه، لم يصعدوا درجة واحدة على قدس أعتابه، قد حُرّمت عليهم و نأت موصلاً،
و عندما يسلب الهوَس عقول الناس فلا يجدون منه مخرجاً يُنزل عليهم ربُّكم صواعقه رحمة منه ليوقظهم،
و ذات صباح أُنبئ الرسل أن وابلاً من الحجارة الملتهبة من حزام الشهب سوف ينهال على تلك المدينة هدماً و حرقاً، و يُنزل بقلوب سكانها خوفاً، فنجا الذين هجروا معهم، و الذين بقوا لقوا حتفاً

 

ألإنسان و الكون (20)

و كم كتب أناس لا علم لهم و لا شهادة تاريخاً لتلك البلاد، كان موقعها جنوب آسيا اليوم، و كان إلى شمالها بلاد متحضرة أيضاً في آسيا الغربية اليوم،
و عندما تغير الأرضُ محورها تأخذ هذه الحضارات مواقعها على اليابسة بالنسبة للمحور الجديد، لأنها إسقاط (projection) لما كان سابحاً في الهيولى قبل التكوير،
و تبقى في ذاكرة الإنسان مواقعُ الحضارات معروفة بالنسبة لمحور الأرض و الشمال و الجنوب حول الشمس،
و قد ذُكرت هاتان الحضارتان بإسم سدوم و غمور في الكتب، وفي القرن الماضي جاء كثير من النطقاء الذين يُسمَّون بالإنغليزية channellers، بمعلومات من أزواجهم فوق الزمان التسلسلي، ذُهل الناس بها، لأنها كامنة في ذاكرتهم الوجودية،
فالتقف هذه المعلومات كثيرون من اليائسين من حال الإنسان في هذا العصر، و يحسبون أن إنسان تلك العصور كان أكثر علماً و حكمةً، لكن هذه الحضارات هلكت بأخطائها، و لا يكرر الزمانُ عرضَ (replay) ما درسَ،
و ذهب بعضٌ إلى الإدعاء أن لديهم مخطوطات و رسوماً من غمور، كلها من خيال الرسامين و عساها من ذاكرتهم، لكن هذا تزوير، و قد مضت آلاف القرون على فنائها، و لا يعطي هكذا ادعاء هؤلاء فضلاً،
و ليست معرفة الماضي خاصةَ دين أو طائفة سريةً، و ما لديهم إلا قليلاً، و كلما نزل رسل و حيثما نزلوا أدلوا بما أُذن لهم، لا هو ملك لدين أو طائفة ليدعموا به كبرياءهم و لا هم مانعوه إلا مُغرضين،
و كانت بريطانيا القديمة معاصرة تلك الحضارات، جزائراً في الغرب، قامت فيها حضارة عظيمة، كان رجال دينهم يحرمون أن يظهر الناس عريهم، حتى لأنفسهم في حرمة منازلهم، و إذا تزوجوا و أرادوا أولاداً كان عليهم أن يُعلموا رجال الدين ليأخذوا منهم أذناً، و لا شك أن المرحلة البيوريتانية (Puritan) التي مرت بها بريطانيا الحديثة كانت صدىً لذلك الزمان

 

ألإنسان و الكون (21)

و أما في غرب الأرض فهناك كانت مملكة أطلنطِس، التي بنت حول أرضها سوراً عظيماً لتمنع المعتدين و المتطفلين، فلم يكن على أرضها قبائل من الجن البدائيين، فكانت مفضّلة في العالمَين،
لكنها في قرونها الأخيرة جلبت الكثير منهم و استعبدتهم لستخدمهم، و بنت لهم مساكن محشورة تتخللها أزقة قذرة خارج مدنها الفخمة الجميلة، و أسكنتهم فيها منعزلين، و هؤلاء كانوا من تُسمونهم اليوم نياندرتال (Neanderthal)، و لم يكونوا أغبياء و متوحشين للدرجة التي تتصورون،
و كان من تقاليدهم أن يدعوا حكامُهم عامة الناس إلى ولائم الطعام تِلالاً، ليأكلوا ملء بطونهم و يأخذوا إلى بيوتهم ما يرغبون، و كان العبيد محرومين منه، لا يدخلون المدينة و لا من يهتم بإطعامهم،
و كان أهلها مترفين و لم ينقصهم شيء، و بدل أن يزهدوا بالدنيا و يرحموا الضعفاء، و قد أخذوا كلَّ ما فيها، ازدادوا أنانية و طمعاً و تعلّقاً بالأرض،
و هم من أصول مختلفة من الإنس، هاجروا من الأرض الفاضلة في عصور مضت، لكن بعضهم اختلطوا بالجن، فباتت أصولهم موضوعاً للجدل بين بعضهم، و حافزاً للصراع على السلطة و الحكم و ثروات بلادهم،
دامت هذه المملكة عصوراً عديدة، و كلما أنتهى عصر عادت أطلنطس أعظم مملكة على الأرض،
و كان أهلها جميلي الهيئة، أقوياء البنية، يصارعون الثيران الهائلة عُزّلاً من سلاح، و يجيدون فنون القتال، و كانوا بنائين عظماء و ما بنوا بالحجارة عساه أجمل ما بناه البشر على هذه الأرض،
و كان ملوك الأمم الأخرى يتخذونهم مثلاً، و كانوا يستشيرونهم في أمور الحكم لذكائهم و حكمتهم، فهؤلاء كانت أممهم قد اختلطت بالجن،
ورد ذكرهم في القرآن أصحابَ الأيكة، لأن أرضهم كانت مميزة بأشجار ضخمة تعمّر آلافاً من السنين و تكبُر لتناطح السحاب،
و كتب أفلاطون قصصاً من تاريخها تدل على أن حكامها قد انهمكوا بالصراع على السلطة، ناسين سبب وجودهم

 

ألإنسان و الكون (22)

و في تلك الأزمنة، كان الإنس العالِمون منهم خصوصاً، لا يزالون قادرين على قهر جاذبية الأرض و الطوف في الهواء، في أوقات معينة من السنة القمرية، و كان الراسخون في العلم يطيرون محلّقين فوق الجبال و الغيم بأجسامهم و قدرة عقولهم،
و كان أقطاب الجن يغارون منهم، فقالوا لأممهم أنه سحر محرّم عليهم، و في البلاد التي حكمها الجن كان هؤلاء يقبضون على الإنس إذا شاهدوهم طائرين ليعذبوهم و يقتلوهم،
فكانوا يخرجون من نوافذ منازلهم ليلاً لئلا يُرَوا ليسبحوا في ضوء القمر، أو ليحوموا محاذاة أسقف منازلهم، ليس لشيء إلا لأن هذا كان يذكرهم بالحد الخامس في عقولهم، ليتذكروا أنهم الكون بكليّته،
و هذا يطرح السؤال حول ماهية الجاذبية و كيفية عملها، و لا تزال الفيزياء اليوم تقدم النظريات ثم لا تلبث أن تعيد النظر بها لتقدم نظرية جديدة،
و كما ذكرت في رسلة سابقة، أن جاذبية الأرض كانت أضعف مما هي اليوم، و كانت تساوي 9.1 بالمقياس العالمي الذي يحددها ب 9.8 في الحاضر،
و كان أكثر الجن عمياً للألوان، و كانت معرفة الألوان اختباراً للتمييز بين أنفس الإنس و الجن إذا كان التباس في سحنهم،
و في أوقات من الليل كانت صدور الإنس تضيء ضوءً خافتاً صادراً من قلوبهم، و كانوا يغطونه بملابسهم لئلا يُعرفوا، فقد كان بعض أئمة الجن عازمين على إخلاء الأرض منهم، ليحكموها حسب فهمهم بغير الحق،
و لم يكن الجن عرقاً واحداً، و بعضهم كانوا أذكياءً يريدون أن يزدادوا في العلم الطبيعي، و بعضهم كانوا أغبياءً محبين للجهل و الأذى،
و أنا أعلم أني أقول هذا و لا أقدم دلائلاً، و لا أقول أن تصديقه شرطٌ من شروط الإرتقاء العقلي، و لكن ليحتفظ به الطالبون في مخبآت عقولهم عساهم يجدونه يوماً ما نافعاً،
أما أطلنطس فقد كانت خالية من قبائل الجن، إلا الذين جيء بهم فيما بعد،
و كان إلى جنوب أرضهم بلاد سكنها شعب من الجن متحضر، و كانوا يتعلمون من الأطلطيين فن البناء و المعارف الطبيعية

 

ألإنسان و الكون (23)

و كان لتلك المملكة المجاورة لأطلنطس ملك هو حيرام الذي سخّره ربه ليبني بيت الله في بكة في لبنان حسب تصميم سليمان،
تعلم أسرار البناء بالحجارة الضخمة من الأطلنطيين و بنى بناءً عظيماً خشعت له القلوب و ذهبت له الأنظار، أراده برهاناً على سلطانه على الأرض، فكان يحج إليه الجن في بلاده، و زاره بعض الأطلنطيين فسجدت له قلوبهم، لأن فيه تلميحاً إلى النشأة الأولى، لكن حيرام يرسم الطبيعة بالطبيعة، و هو غافل عن كل معنىً،
فكان هذا إعلانه أنه ابتدأ حملته لاستملاك أهل الأرض من إنس و جن، و بدأت أطلنطس غرقها قبل أن غرقت في الطبيعة، و كان العالمون منهم يلاحظون خسرانهم لطاقاتهم العقلية، و قد فقدوا مقدرتهم على قهر الجاذبية بمعرفتهم للحب الجسماني، و بدأ عامة الناس منهم صلاةً شعائرية في بيوتهم،
ثم بدأ غرقها في البحر تدريجياً، و لاحظ سكانها أن أرضهم تؤخذ من أطرافها، و كان هذا تنبيهاً،
و مرت سنون عديدة، و ازدادوا قلقاً و خوفاً، و كان حيرام قد وُلد عليها، و كان هناك رسولٌ يعرفه، قد أنذرهم فهزؤوا به، فقال للنبي أن ينذرهم، فقد استحبوا البقاء على أرضه التي كان دعى الناس إليها أول مرة رأى شمسها الحارقة فآتاهم منها بقبس،
و أن الأرض سوف تموت لتولد أشد كثافةً، و أن اطلنطس سوف تغرق و تصبح نسياً منسياً، و الناس من إنس و جن سوف يتكافؤون على أسس مرئية، فيكون للجميع هيئة بشرية واحدة، و دماغ بشري واحد في جسم بشري واحد هو الكون بكليته، فإما أن يجاهدوا ليتسلقوا جباله التي تلامس السماء، و إما أن يرسبوا في التراب رسوباً كبيراً

 

ألإنسان و الكون (24)

و شرع حيرام يبني سفينة عظيمة من خشب أشجار أطلنطس، و كان الأطلنطيون يرونه و يهزؤون به و يقولون أتحسب نفسك نوحاً، فقد كانوا يعلمون أن نوح أنقذ الإنس من غرق كان محتوماً على الكون في زمن أوّل،
و كان رسول يؤيده و يقول للناس أن يركبوا السفينة معه،
و يقول علماء الطبيعة اليوم أن عصر جليد مر على الأرض في ذلك الزمان، و غطى الجليدُ و الثلج معظم شمالها، فعسى أن رتفاعاً مفاجئاً لحرارة ماء المحيطات مُنطلقاً من باطن الأرض: سبب غيماً غطى الجو غطاءً شاملاً، دام بضع سنين، أنزل مطراً متواصلاً، و أحدث نقصاً في الطعام و موتاً للكثير من الكائنات، ذُكر في الكتاب يومَ الظلة،
و كان الماء يدخل أرض أطلنطس تدريجياً، و دخل منشآتها حيث ... كانت تُخزّن طاقة عساها كهربائية، و نظر حكامها إلى ما حل بهم و ندموا ندماً كبيراً حين تذكروا من أين كانوا قد أتوا و إلى أين هم راجعون،
و ركب الذين أرادوا نجاةً على الأرض، بنيّة أن يصلحوا ما كانوا أفسدوا، كان بعضهم من الإنس و بعض من الجن من قبائل متعددة، و أبحرت السفينة إلى هدف مجهول،
و زلزلت الأرض زلازلاً فأغرقت أطلنطس و أراضيَ أخرى دفعة واحدة، و أخرجت أراضيَ كانت مخبأةً مئآت الملايين من السنين منها أوستراليا، لكن أهم شيء أظهرته كان تمثال أبي الهول الذي كان مدفوناً في الرمال منذ هلاك عادٍ

 

ألإنسان و الكون (25)

مرةً أخرى أجد نفسي أكتب و لا أدعم ما أكتبه بدلائل أو براهين عقلية، ليس لأنها غير متوفرة، و لكن لأن إيصالها إلى العقول يتطلب من القارئ معرفة بالفنون العقلية: إذا صحّت لها هذه التسمية،
في الشرق الأقصى و في الهند خاصة يسمونها يوغا، لكن اليوغا في الحاضر ضاعت بين المعتقدات الدينية و المفاهيم الطبيعية، 
و اليوغا كما علمتها الغيتا تهدف إلى معرفة الحق الذي بأمره يظهر الكون ثم يرجع إليه، و رغم أنها تقول بوضوح و من غير التباس أن صورة كرشنا ليست حقاً و أن الصور كلها منه و إليه ترجع: يعلّم المعلمون الهنود تلاميذهم أن رؤية صورة كرشنا هي غاية اليوغا، بل يذهب أكثرهم مذهباً أبعد من ذلك فيقولون لتابعيهم أن رؤية صورتهم هي غاية اليوغا، مانحين أنفسهم مرتبة تعادل عقل الوجود الكلي،
و الذي يقرأ تعاليم هؤلاء لا يجد فيها إلا فهماً طبيعياً لما جاء على ألسن الرسل في أزمنة مضت، لكنهم يبهرون أنظار الناس بمظاهرهم و سحرهم، و يسلبون عقولهم، فيصبح تابعوهم أسرى لهم، و إذا نظروا لا يرون سواهم، و يخافونهم إذا حاولوا التحرر منهم،
و اليوغا هي في الحقيقة علم التحرر من الحواس و المفاهيم المبنية عليها، في سبيل إرشاد البصيرة داخل الرأس: حيث المنافذ إلى الوجود بكليته،
و هذا يتطلب تدريباً يستمر حيواتٍ متكررةً، و إذا أراد الواحد منكم أن يتعلم من غورو فليجعل معرفة الحق غايته، و ليس الإستسلام للغورو أياً كان، و عسى يأتي يوم يجد فيه أنه تجاوزه بمسافة كبيرة لا يستطيع إليها وصولاً،
أقول هذه المقدمة لأحاول تقريب مفهوم الزمان التسلسلي الخطي و الزمان الحقيقي الذي منه تصدر الصوَر و حركاتها: إلى أذهانكم، و عسى يريد بعض منكم أن يحاولوا التطلع من تلك النوافذ،
لأن كل المفاهيم الدينية و ميثيولوجياتها: مهما ادعت من توحيد و علم، و كل نظريات الخلق الطبيعية: مهما أتت ببراهين تجريبية محسوسة: كل هذه: مبنية على مفهوم الزمان الخطي التسلسلي، و هذا ليس إلا إسقاطاً (projection) للزمان الحقيقي: متى علّقه أنهاه، ثم بدأه من جديد، و كأن لم يبدأ شيءٌ و لم ينته

 

ألإنسان و الكون (26)

مرة أخرى ألجأ إلى الرياضيات لضرب الأمثال، لأني أراها ممثِّلةً للحقائق الوجودية،
ألرياضيات تمثّل الأرقام التي تسميها حقيقية (Real Numbers) بخط، وهذا يشمل كل الأعداد و الكسور و الجذور التربيعية و غيرها و الأرقام السامية مثل π و غيرها ... و تقول أن هذا الخط متواصل (continuous) لا ثغرات فيه،
و هذه كلها مفاهيم تُعرف بالحدس، و الذي يثبت صحة التمثيل هو النظريات التي تبنى عليها ثم تُبرهَن حقيقتُها عقلياً و عملياً،
ثم تذهب الرياضيات إلى القول أنا إذا أخذنا مقطعاً من هذا الخط فإن هذا المقطع يحوي الأرقام عينها الموجودة على الخط الأصلي، بكليتها، و تبرهن هذا القول،
هكذا فإن الكل و الجزء يتعادلان، و تسمي هذا قوة التواصلية (Power of the continuum)،
و الفكر و العقل يقبلان هذه الحقيقة، لأن الحجة عليها دامغة و لا تقبل الجدل،
هكذا: إذا مثلنا الوجود بمحيط دائرة، و ليس هذا التمثيل إلا الواقع، فإن أي جزء من هذا المحيط يمثل المحيط بكليته، ألفرق بين الإثنين أن محيط الدائرة متماسك حول مركزها، و أما الجزء فهو مُنفلِت،
هذا التمثيل ينطبق على الأنفس و الأكوان و الأزمان،
لذلك فالذين يجدون أنفسهم في حال نوم صاحىٍ، سواء أوصلوا إليها بالتنويم المغناطيسي الذاتي، أو بالتهجّد (transcendental meditation)، أو تلقائياً في المضاجع آناء الليل و أطراف النهار: فإن الأكوان التي يجدون فيها أنفسهم: لو أنهم توقفوا قليلاً للتأمل بحاضرها و ماضيها و ممكنات مستقبلها: فسوف يجدون أنها أزلية كما يفهمون الأزلية في هذا الكون،
فالأكوان ليست إلا شذرة من محيط الوجود، فيها تنطبع سرمدية الوجود بالزمان التسلسلي و الأزلية،
فتأملوا بهذا، لكي تصبح المقولة: أن الكون و الزمان يبتدئان ثم ينتهيان ليبتدئآ من جديد: أمراً معقولا

 

ألإنسان و الكون (27)

هكذا انتهى زمان أطلنطس، و لا يسع الفكر إلا أن يتساءل: أين تذهب الأنفس و الأكوان في انتهاء الحركة؟ فحيثما هناك وقت هناك حركة،
هل تخبو في حال الإمكان و تنسى ذاتها: ذلك النسيان الذي يعادل المعرفة الكاملة، حيث تعجز عن الشفع لتتذكر و تتعرّف من جديد؟
و إن في خفايا ذاكرة الإنسان لمحاتٍ عن هذه الحال، حيث لا يستجد الفعلُ شيئاً، لأن كل الممكنات موجودةٌ دفعةً واحدة، هنا يتساوى الخلق بالخلق، و الأبصار واحد،
و إذا هبطت الأنفس قليلاً تتأمل بأقدارها، و هناك غرف للرسل و المعلمين، يدخلها من يشاء ليستمعوا لتعليمهم و ليملؤوا أنظارهم من صوَرهم.

و أصلح الحقُّ الأرض بعد أن فسدت بأعمال الإنسان و بعثها أرضاً جديدة ذات زرع من كل زوج بهيج، 
و دعى ربكم الملائكة إلى الدار، و شهد الكتاب، و إليكم تلك الآيات الكريمة:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33)

و يقول بعض المفسرين أن آدم خليفة الله في الأرض، و هذا لا يختلف عن القول أن عيسى إبنُ الله، 
ثم يحللون هذا النبأ العظيم لغوياً بالإعراب و بردّ الكلمات إلى القواميس، و هذه كلها من صنعهم، ثم يقولون أن أهل الكتاب يحرفون الكلم عن مواضعه، ناسين أنهم هم أيضا أهل كتاب،

و هناك خطأ في تشكيلهم و إعرابهم، فآدمُ علّم الأسماءَ يعني الرسلَ الذين هم حدود الله، لذلك قال ولما عرضهم، لأن ربكم عرض حدوده بصور بشرية، فلم يعرفهم الملائكة، 
فهذه اختبار الإنسان في هذا الطور الزماني الجديد الذي ابتدأ منذ حوالي عشرة آلاف من السنين، ليُعرف الحدود لا بسحرهم و لا بصورهم، بل بالحقائق التي يأتون بها،
لذلك كان على جبريل أن يعلمهم الأمر الجديد، و بُعثوا في الأرض لينطقوا بالحق و يزيلوا الحجب، فهذا العالم ظلامٌ فوق ظلام، مكورٌ على نفسه كتكوير الأرض على نفسها: إذا سار الواحد منكم عليها فسوف يبقى عليها ليرجع إلى نقطة ابتدائه، و كأنه لم يذهب خطوة واحدة

 

ألإنسان و الكون (28)

و وجد ركاب السفينة أنفسهم في البحر و قد هدأ موجه، و تشققت السماء عن فجر، و إذا بالقسطان ليروا ألوانه، كما رؤوه في زمن مضى، يوم خرجوا من الظلمات إلى النور و تلونت الأرض لعيون الناس جميعاً،
و اليوم يرى الناس الأشياء عينها و يسمعون، لا يفضَّل بعض على بعض إلا بما اقتنت نفوسهم، فالذين ادخروا علماً و حكمةً في أدوارهم يقولون ربنا ما خلقت من شيء إلا بالحق و يعجبون،
و الذين أُعطوا أجساماً بشرية فرحوا بها، يعلّم بعضهم بعضاً المكر و الخديعة و الطمع و الشهوة و الغضب و القساوة، و يعيثون في الأرض فساداً،
إذا مروا بنهر شربوه شرب الهيم، و إذا مروا بشجر اقتلعوه، و إذا مروا بوحش قتلوه، و إذا لم يجدوا وحوشاً يقتل واحدهم أخاه، خلت الرحمة من نفوسهم و هم أشباح بلا أرواح،
هذا لتختبر الأنفس أنفسها، فالذين استحبوا خلق التراب يسقطون معهم، و الذين يريدون خلاصاً يرفعهم ربهم حيثما بعثهم و يرشدهم طريقاً مستقيماً،
و تحققت رغبة الظالمين إذ قالوا لربهم يا ربنا لقد أجحفت حقنا و خلقتنا في الأوكار و الحظائر، حرمتنا رؤية الكون الذي خلقت و نحن على الرؤية قادرون،
و لما شفعت بهم نفسهم كسى ربكم العظام لحماً و جلوداً فصارت صورة بشرية يؤتنس بها، و بقيت الصورة تتبع الصورة و شهد المصحف،
فقال لها ربكم عسى يدوم هذا أدواراً معدودة و يجلب على الإنس و الجن عذاباً، قالت أنت تعلم ما لا نعلم، و لو لم تعلم كل شيء لما قلتُ قولاً،
فكانت مشيئة ربكم أن يزداد برزخ الكون مسافة لكي يكون الناس في مشاهد ربهم متعادلين

 

ألإنسان و الكون (29)

هكذا فإن الزمان ليس متواصلاً كما تودّونه أن يكون بمعتقداتكم الدينية و النشوئية الإرتقائية و كلها مبني على الملاحظة و التحليل الفكري، و البحث عن مبدأ الكون و مبدئكم و أصولكم لن يُرجعكم إلى وجودكم و لا يزيدكم علماً، بل ترسخ معتقداتكم فتزدادون رسوباً،
و الناس يرون في الكون ما يجهلون بمعتقدهم، و لو عرفتم الغيب لفضلتم الواقع.

و رست تلك السفينة على شاطئ مصر، وذهب ركابها في الأرض يبحثون عن معاشهم و يتساءلون، و كان أزواجهم يخاطبونهم في رؤوسهم، و كان رسول معهم و النبي الذي سمي نوحاً،
و رؤوا رأس أبي الهول قد برز من رمال عادٍ بعد أزمنة عديدة، و تذكروا يوم كانت الأرض غير تلك الأرض و هم لجبروت ربهم الحاكم خاشعين، يطوي الأكوان طي السجل للكتب ثم يفتحها، ليس بشيء يطاله إلا للمح العين،
و هاجر من الأرض الفاضلة الأوادم الذين أنشأهم ربكم في الصورة التي تعرفون، من أبيض و أسود و أحمر و أصفر عجائباً للناظرين، و هم من أئمة الناس، و أوصوا أن يتآلفوا و يتعاونوا و يتعلموا الحِرف و الفنون لتتسهل حياتهم و تزدهر الحضارات البشرية،
و كان نجا من الطوفان بعض من الجن، بُعثوا بالصورة البشرية الواحدة، لا تزالون تجدونهم في الغابات النائية عن المدنية، و قد كشفت المتحجرات أن الإرتقاء البيولوجي يحصل دفعة واحدة في كل أنحاء الأرض: ذلك لأن الصور تحقيق لممكنات موجودة بالقوة، و لا يرتجل الكونُ شيئاً،
و أُغلقت الأنفاق المؤدية إلى الأرض الفاضلة و كان عددها سبعة، و سُمع دوي إغلاقها في الأرض، فكان إعلاناً بعصر ظلام طويل، و شهد الكتاب إذ قال إنها عليهم مؤصدة في عَمدٍ ممدّدة،
و اختلطت البشرية و تعارفت، و كان على الإنسان أن يتعلم في العالم الجديد و كأنه لم يعلم شيئاً،
و الذين تذكروا وجودهم أرادوا خلاصاً و مخرجاً من جهنم قبل أن يقعوا في أهوائها، ترون آثارهم في الأرض و تحسبونهم بدائيين و هم أكثر علماً و حكمة، كثيرون منهم رجعوا إلى وجودهم آمنين مطمئنين،
و الذين أستحبوا المنافسة و التجارة و الصناعة و التكاثر قال الكتاب أنهم على سَفر، و عليهم أن يتذكروا أن إلى ربهم تُرجع الأمور

 

ألإنسان و الكون (30)

و ليست معجزات البناء و الهندسة المعمارية القديمة في كل أنحاء الأرض إلا شهادة الذين بنَوها على تناغم وعيِهم مع قانون الوجود و توحيدهم،
يتمناها أهل الأديان أن تكون أماكن لإقامة الشعائر الوثنية مثل بيوت شعائرهم، ليقولوا للناس أن إلاههم أقوى و أعظم من آلهة الأقدمين، لكن لم تعرف البشريةُ وثنية أظلم من وثنية أهل الأديان في هذا الزمان،
و يتمناها أهل النشوء و الإرتقاء أيضاً ...، ليثبّتوا معتقداتهم، و يقولوا أن علمهم الطبيعي أقوى و أعظم من آلهة الأقدمين، لكنهم لا يفهمون سر بنائها و هندستها،
فهي مُشيرة إلى هندسة الكون و وِحدته، بُنيت حباً للوجود و لتوحي للزائرين الناظرين طرباً و خشوعاً، فتُعينهم على بلوغ توحيدهم، 
و هذا أمر لا يريده الذين يحسبون أن إلاههم قد خلقهم ليشتروا منه خدمات عامة بالقرابين و الشعائر، و الذين يحسبون أنهم حصيلة أحداث عشوائية سواءً،
فالفريقان لا يعلمان أن الإلاه الذي يعبدون من صنعهم، و أن عشوائية الكون الظاهرة جهلُهم،
و تفوّق إنسان العصر الحاضر بالعلوم الطبيعية و الصناعة و التكنولوجيا، و هذا إنجاز عظيم، فازداد غروراً و في الأرض رسوباً،
و أُنزلت الكتب، كتاباً تِلوَ كتاب، لها باطن و لها عَرَض أدنى، أخذوا عرض هذا الأدنى، و إن يأتهم عرض مثله يأخذوه، و لو يعرف الواحد منهم أنه قد دان في حياة سابقة بدين أعدائه اليوم، و أنه قد يصير عدواً في حياة قادمة لدينه اليوم: اختلطت أنفاسهم بالندم، و ما تآلفت بالتوبة،
ألم يكتبوا على أنفسهم ميثاقاً أن لا يعبدوا إلا ربهم الأحد؟ بل شرعوا يسجدون و يركعون للبشر والحجارة و ما صنعت أيديهم، و ربهم في أبصارهم و لا هم ينظرون،
هنيئاً لهم الإلاه السادي المتعسف الذي يخلق الناس ليقاصصهم على خلقه، هنيئاً لهم الطبيعة العشوائية التي صنعت الإنسان فأخطأت صنعه

 

ألإنسان و الكون (31)

و لا ينفع الناسَ أن يقولوا أنهم أبناء رجل ما، أيّاً كان، و لا يضمن نسبُهم علماً و خلقاً كريماً لهم و لا خلاصاً، 
و التقاليد و المعتقدات التي يتوارثونها تُصلح لزمان ثم تَفسد في زمان آخر،
و لكم في التاريخ أمثلة، لكن رجال السياسة و الدين لا يهدؤون يوعدون تابعيهم نصراً و مجداً، وعداً ينقلب عليهم مآسيَ و عذاباً،
و بالخصوصية في السماء و الأرض و الخلاص، وعداً ينامون عليه فيزدادون جهلاً،
و الزمان يغير السماء و الأرض و لا يطلب منهم إذناً و لايعطيهم علماً مسبقاً، فإذا ثقلت أحمالهم لا يستطيعون للزمان مواكبة،
و أبناء سام تفرقوا قبائلاً، يتقاتلون على الأرض و الأديان، حملوا أهواء أطلنطس ليغرقوا فيها مرة ثانية، يدينون لحيرام ويلعنونه، و كلما جاءهم رسول قالوا هو رسول لقبيلتنا، و يزدادون عداوة،
سُفِعت نواصيهم كما وعدهم الكتاب، و هم بها يتفاخرون، و يوم تشهدون بأعينكم الDNA البشري مُظهراً ما خبّأ، يولد الواحد منهم مُقبحاً، فما جاء في الكتاب حق، أن قيل كونوا قردة خاسئين


 


All rights reserved
Copyright The Circle of Beauty

  Site Map