بين الصورة و الإلاه (1)
لا تقولوا ليس التوحيد معتقداً، و أنتم تشيرون بسباباتكم عامودياً و أفقياً تقولون هذا هو الله،
لإن ما تشيرون مخلوق، و لو لم يكن مخلوقاً لما تمكنتم من الإشارة، و لا تشيرون إلا إلى معتقدكم،
و الناس أحرار ليعتقدوا ما يشاؤون، وهذا حسن،
إذا أقروا أن درب المعرفة طويل، و الدروب عديدة،
آنئذ يقرّون أنهم مقصِّرون و يفتحون رؤوسهم و صدورهم
بين الصورة و الإلاه (2)
لم يخلُ كتابٌ و لم تُغلق حكمةٌ من الإنذار من عاقبة إشراك الخالق بالمخلوق،
لكن العين الطبيعية ترتد إلى الطبيعة، و يذهب البصر و هو حسير،
هكذا تُغلق أبواب الوجود و تتعدد آلهة المشركين بين البشر و الحجارة و الصحف،
و حتى الروادعُ الفكرية المنطقية تُعطّل و تُزاح جانباً،
و تحجبها التعابير التي باتت الآن زخرفاً،
التعابيرُ عينها التي لو أُطلقت لما رسبت
بين الصورة و الإلاه (3)
إنك مهما شرحت أن لله ناسوتاً يمشي بهم في الأرض، و ما رموا إذا رموا لكنه هو الذي رمى،
و أن داوود قال: قال ربي لربي،
و أن المسيح قال أنا الحقيقة،
و أن كرشنا قال أنا العارف في الأرض ...
و إنك مهما شرحت أن الذي ذُكر في الكتاب الكريم "فناداها من بحتها"، و في الحكمة المحض و الأحد و الفرد بلا عدد ...:
لا يُدرك بالفكر و النظر:
فإن أكثر الناس يختل توازنهم و يقعون على جانب من جانبي هذا الحد الحديد، بسبب ما يحملون من أثقال، حملوها باختيارهم من الذين أتبعوهم، على حيوات متعاقبة، حتى صارت مادة في تكوينهم،
فتراهم إما مشيرين بسبابتهم إلى السماء قائلين الله بعيد و ليس لنا منه إلا كتاب و حجارة أمرنا أن نسجد و نركع لها،
و إما مشيرين بسبابتهم إلي بشر مثلهم أو صورة لبشر، ساجدين و راكعين
بين الصورة و الإلاه (4)
لذلك فإننا عندما نقول على هذه الصفحة أن التوحيد مرتبة روحية إدراكية وجدانية: يغطاظ كثيرون و بعض يضحكون،
فقد وضع أئمتهم لهم تعريفاً لغوياً و وعدوهم جنةً و خلاصاً، ليس في الكتاب و ليس في الحكمة، لكنه في القواميس التي كتبها هؤلاء، و في أمانيهم الطبيعية،
و مهما أكثرنا من التلميح و التنويه: يبقى الذين اتخذوا إلاهاً ينظرون إلاههم، لأن الحاكمية تعالت على الوجود و الوجود تعالى على العدم علواً عالياً،
ما أبرع الذهن بترتيب الكلمات ترتيباً لغوياً صحيحاً، و ما أبرع الفكر بخداع نفسه، و ما أكثر اليائسين الذين يرمون أنفسهم في أقدار الدجالين و المغرورين
بين الصورة و الإلاه (5)
يا ليت أهل الشرق يُنزلون روحاً جديداً،
أن يعقدوا جلسات مفتوحة للجميع، ليتبادلوا النقد و الآراء في أمور الدين و الفلسفة،
بصيغة راقية علمية، تعطي الجميع حق التعبير عن أفكارهم بالتساوي،
تاركين المهاترة و الصياح و السب و الإهانات، و تاركين التهديد بالذبح و بقر البطون و الإرتكاء على الجماجم،
هكذا يكونون قد خطوا خطوة خارج سجن الجاهلية، الذي في ضِيقه حُشر الناس، فوجب القتال،
و الكون فسيح و متسع،
ألذي يحب أن يتخذ إلاهاً ليسجد و يركع له: فليفعل،
و الذي يعمل و يفرح بما يجتني من عمله: فليفعل،
و الذي يحب الكون و معارفه، فيسعى بطلب العلوم الطبيعية، ليمتع نظره و فكره: فليفعل،
و الذي يحب القيم الإنسانية، و يعمل لإقامة المجتمعات على أسس فاضلة و عادلة: فليفعل،
و الذي عرف كل هذه، لا يريد التورط بها، فترك الأسباب رجوعاً إلى سببها: فليفعل،
ولّى زمان كان "السيف أصدقَ إنباءً من الكتب"،
و المأساة النازلةُ اليومَ في الشرق: تُعلن نهايةَ تلك العقلية،
لن يهبط إلاه ولا ملائكة لينصروا فريقاً على فريق،
لم تعيّن الكتب و الحكمة حسيباً على الناس،
و "كفى بالله حسيباً"
بين الصورة و الإلاه (6)
ألقاسم الواحد: غير مُشترك،
ألناس يتشاركون على أمور ظرفية، تبدأ و تتغير، و ما إن تنتهي حتى تنتهي معها الشراكة،
و يرجعون إلى المربع رقم واحد على حد تعبير إنغليزي،
و في عصر الإتصالات و المواصلات السريعة و المتغيرات العديدة: لا تدوم هكذا شراكات أكثر من أيام و ساعات معدودة،
ألقاسم الواحد هو العقل الإنساني القادر على الوصول إلى الحقائق و الفضائل عينها في رؤوس كل البشر،
إلا إذا عطّله الناس بمسلمات غير قائمة على أي برهان، سوى أنها متوارثة، و الويل للذي يتساءل عن صحتها،
و لو لم يكن هذا القاسم الواحد: لما أوحيت كتب و لا حكمة ...
في أوقات و أمكنة بعيدة بعضها عن بعض، و بلغات و أساليبَ مختلفة: لتخاطب هذا القاسم الواحد
بين الصورة و الإلاه (7)
و عندما يُعرف القاسم الواحد تصير القواسم المشتركة بديهية في وقتها و ظروفها،
فإذا انطلقنا من الإعتراف بأن للبشر حقوق واحدة: تصبح هذه الحقوق القواسم المشتركة في وقتها و ظروفها، ليسعى الجميع بالعمل على تحقيقها: لأن هذا هو السبيل ليصل كل جماعة و كل فرد لحقوقهم،
أما إذا كان لدى الناس و قادتهم معتقدات دينية أو سياسية تملي عليهم أن لهم حقوقاً ليست لغيرهم، و أن إلاههم أو قائدهم خصهم بها و وعدهم أنها ستتحقق:
فلا الفرقاء أو الأفراد الآخرين سيقعدون مكتوفي الأيدي ليحقق هؤلاء أمانيهم،
و لا الألهة سوف تُنزل معجزاتِها لتنصرهم،
و لا نظريات القادة السياسيين قادرة على تغيير مجرى الأحداث الطبيعي،
هذا المنطق بديهي و واضح وضوح الشمس، فُطر البشر عليه، و لا يعطّله في أفكار الناس إلا المعتقدات الدينية و السياسية التي تتوهم أنها قادرة على تجاوزه،
و كلما ازداد هؤلاء عناداً و تعلقاً بمعتقداتهم و تقاليدهم، بِحثّ قادتهم و تحميسهم لهم: تسارعت دوامة الدمار و تردّى الحال من سيء إلى أسوء، حتى بات الدمار الشامل متوقَّعاً،
و ينظر كلُّ فريق أن الأذى الذي يحل بالجميع: إنتصارُهم
بين الصورة و الإلاه (8)
لا يفضّل الخالقُ الناس بعضاً على بعض إلا بما اقتنوا في قلوبهم و عقولهم، و لا يولد و لا يتخذ امرأةً و لا ولداً، و لا يرسل ملاكاً مجنحاً ليُقرئَ النبيين و لا يصلّي على بشر، و لا يركب على أتان ليهزأ من الناس، و لا يلبس قمصاناً ملونة و لا هو ساحر يبهر أنظارهم ...
يسجد له ما في السماوات و ما في الأرض، ألكل خاضع لحكمه، هم المفتقرون و هو الغني عن كل ما خلق،
لا وجود إلا بأمره، و لو شاء طوى الأكوان طي السجل للكتب، و رجع الشفعُ وتراً، و امّحت أكوان في أمرها و كانت نسياً منسياً،
ألكون بمجمله، بما فيه من صوَر و كتب و أحداث يقصر عن برهانه، لا يدل المخلوق على الذي خلق
بين الصورة و الإلاه (9)
و لا يوحي ربُّكم لرسله علماً ناقصاً حتي يبعث الرسول الذي اعتمده دينُكم: ليتجاوز ما سبقه و يمنعَ ما يليه، ليس العلم الناقص حقاً و لا يتجزّء الحق، و العلم القائم على الأجزاء ناقص، و إن بدى للعين الطبيعية حقاً،
و جاء في الكتاب أنه مصدّق لما بين يدي النبي من التورات و الإنجيل، و الإيمانُ بالكتب ركن من أركانه، لا يأمر ربكم الناسَ أن يؤمنوا بكتاب مخفيّ، أنتم تخفون الكتب و الحكمة لتفرّقوها بينها و تبثوا العداوة و تخصصوا قبائلكم، و أنتم تخفونها بقواميسكم و شرحكم و تفسيركم و الخطوط التي خطّطتم،
و لا يأمر ربُّكم الناس أن يتبعوا باطلاً حتى يأتي رجل حسبَ وصف وصفتموه: لا يأمر بالباطل، ماضياً أو حاضراً أو لاحقاً: إلا الباطلُ، تعالى الحق على أفهامكم الناقصة علواً كبيراً،
هذي غرائز العقل و بديهيات الفكر التي هي "فطرة الله"،
غلفتموها بمعتقدات ليس للعقول لها سبيل، و لا بالفكر لها منطق سليم، و قلتم أن إلاهاً يأمر الناس أن يعطّلوا العقول التي وهبهم ربهم: ليقبلوها: لئلا يقاصصهم و يعذبهم!
ذهبتْ معتقداتُكم بعقولكم سدىً، و جعلتم لأنفسكم من بين أيديكم سداً و من خلفكم سداً، و غشيتْ أبصاركم و سقطتْ أخلاقكم و لا تريدون من جهنّمكم مخرجاً، ما قال الكتاب إلا حقاً
بين الصورة و الإلاه (10)
خسرتْ تجارة الأديان و الطوائف جاهزاً:
لم تعلّمهم شرائعهم فضيلةً و لم ترفعهم من جاهليتهم،
و لم تنههم شعائرهم عن الفحشاء و المنكر و لم تخفف عذابهم،
و لم تؤلّف قلوبَهم و لم تعلمهم البرّ و التقوى،
شرائع الآلهة التي يعبدون و شعائرها،
سجدوا و ركعوا لها قروناً عديدةً،
فأخذوا طبائعها و أنستهم وجودهم،
لم يشتروا بها رضىً من ربهم و لم يزدادوا عِلماً،
و أنزلت غباءً على رؤوسهم و على قلوبهم قساوةً،
و اليومَ يريدون مزيداً و لن يبخل الزمان عليهم،
فلكل شيء سبب فيتبعُ سببه،
و تدور رحى الحرب الدينيةُ دوافعُها، و تزداد عنفاً بشريعة الوحش عينه على جانبيها
بين الصورة و الإلاه (11)
إن كثيراً من الحديث الذي تعتقدون أنه جاء على لسان النبي و الأئمة و العلماء: لا يتوافق مع ما جاء في الكتاب،
و لا تقبله الأخلاق الإنسانية، لأنه لا يحث إلا على الإجرام و الشهوة،
و أنتم تختلفون عليه،
و في اختلافكم حثٌّ على حثٍّ على الإجرام و الشهوة،
لا يريد العالم نزولاً في منازل عفى الزمان عنها،
و عفى الزمانُ عن فرمانات السلطنة العثمانية، و مُكدّسات الدولتين الأموية و العباسية
بين الصورة و الإلاه (12)
و إن بعض قصص النبيين العبريين و العرب التي توارثوها تقشعر لها الأبدان و تأبى النفس الإنسانية الإستماعَ لها،
لكن كثيرين منهم تعلّموا من رجال دينهم أن يروا فيها دليلاً على السلطان، و إذا استفسرتموهم يقولون أتعلم أحسن من الله؟
قولوا لهم لا أحد يعلم أحسن من الله و لكنا نعلم أحسن منكم،
ألرسل و الأنيياء بُعثوا ليتمموا مكارم الأخلاق و قال الكتاب للرسل إنك لعلى خلق عظيم،
أنتم اليوم أمام اختيارين لا ثالثَ لهما:
إما أن ترفضوا تلك القصص على أنها مُلفّقة و إما أن ترفضوا الأناس الذين فعلوا هذه الأفعال و نسبوها للأنبياء كذباً ليبقوا على جاهلية أجدادهم،
فما دام هؤلاء يجدون هذه القصص مثلاً ليقتدوا به: ستبقى أخلاق الوحش أخلاقَهم، يسفكون الدماء و يغصبون النساء و يتلذذون بتعذيب الناس و يحسبون أنهم مُصلحون،
أغلقتْ الوثنية أبوابَ المنطق السليم و الخلق الإنساني في رؤوسهم، فباتوا أجساماً بلا أرواح، هذا هو لحم الخنير الذي حرمته التورات و القرآن، و هذه هي المِيتة التي حُرم عليهم أن يموتوها
بين الصورة و الإلاه (13)
يحسب كل دين و طائفة أن العلم عندهم و الجهل عند غيرهم،
و لن يخوضوا حواراً ليحكّموا العقل و الأخلاق الإنساية بينهم،
لأن هذا سيفضح خرافاتهم جميعاً،
و أما الأمم العلمانية فهذه متورطة في الوثنية بدعمها فريقاً على فريق،
لأن سوق السلاح و الشركاتُ العسكرية المرتزقة كثيرةٌ و تجني أموالاً ملحوظة على ميزانيّتها،
و لا رادع يردعها، بل الأديان و الطوائف تطلب منها مزيداً،
و تشهد القوى الدينية و العلمانية ما تجلب معتقداتها عليها من دمار و عذاب، لكنها تزداد تعلقاً بسراب،
فهذا العالم لا يجري حسب خرافات الدين و الطوائف و لن تتحقق المعجزات التي وُصفت،
لا، و لا يجري بمعادلات المال و الحرب،
هذا الحق الذي تدور الكواكب في فُلكها، و تسقط الأوراق عن أشجارها ...: بأمره: لا يعجز أن يبدأ نهاراً جديداً، و يسقط كل ما نعب
بين الصورة و الإلاه (14)
إن آلهة الأديان الإلاهية (monotheist): من اليهودية إلى البهائية، مروراً بالمسيحية و الإسلام و الدرزية مما ذكرنا أو لم نذكر: تتعرف على إلاهها بالمقارنة،
و تتصور الكمال من النقصان،
و لأن النقصان يُعرف في ظرفه و يختلف، فهكذا الكمال بالمقارنة،
لكن المعرفة الحقيقية هي التوحيد،
ولقد حاولت هذه الصفحة مرات تذكيراً، عسى الذين في أزمنة واحدة يتذكرون و يأخذهم العجب الوجودي و الطرب الأصيل و الغنى عن الإلاه، و لو للحظات و هذا يهيؤهم،
و هذا هين في هذا الزمان، إلا للذين يخافون أجساماً طينية و أحداثاً طبيعية، و يحملون أعباء سحقتهم سحقاً،
و في رسلات لاحقة سوف أستعرض بعض ألوان الشر و الخير في ميثولوجيا هذه الأديان، عسى ينتصر عليها بعض، ليرموها في المقابر،
و قد نشرت هذه الصفحة رسلة بعنوان آدم و حواء و أخرى بعنوان الشيطان بالإنغليزية
بين الصورة و الإلاه (15)
إن الشر يُتصوَّر للناظر إلى منظوره،
و جاء في الكتاب قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق،
ملمحاً للثنائية التي من الواحدية،
فإذا أخذ النظر منظوره و غاب النظر، هذا الثالث الحقيقي هو العلم الخامس،
لذلك فإن الوجود في الحقيقة شاهد و مشهود و مشاهدة،
و ما دون ذلك وهم، مهما كان محسوساً
بين الصورة و الإلاه (16)
و ليس الغموض وسيلة لتبيان الحقوق و لا هو مذهب في السرية أو الباطنية، لكن الكنه المستور في الرؤوس و الصدور، لذوي السمع و البصر،
منه تخرج الكلمات فتعجز عن حمله، هذي رحلة الإنسان في الكون، حيث يرنو للكمال و يرجو أن يرجع إليه، و خُلق الإنسان من ضِعف،
لذلك فإن الإعتراف بالنقصان خير ما يفكره الناس، و يحثهم على طلب العلم و تهذيب الأخلاق، فلا خير غير الخير الطبيعي تحت الشمس الطبيعية، و هذا يربو و يهيج، ثم يصفر ثم يرديه الحقُّ حطاماً،
ثم يُنزل مطراً يُخرج الحي من الميت، و لا تنتهي دوامة الوقت، و يشهد الحق ربوبيته بخلقه البديع،
و القمر يبدأ هلالاً و يكبر، حتى إذا تمّ بدراً بدأ بالإنتقاص،
هذي الأمثلة الطبيعية: عَرَضُ الحق الأدنى،
متى شهدتم جذوة منه: عرفتم أنها تلقائية الظهور،
هذي عبادتها لربها،
يسجد له ما في السماء و ما في الأرض، و لا يشفع وترٌ إلا بإذنه، إذا قال للأكوان كن فتكون
بين الصورة و الإلاه (17)
و إن الإنسان ميت في العالم، لأنه برج سمائي مُشيّد يعني مُطيّن،
و موته هو إشراكه في الطبيعة، فيخضع لقانونها، بشراً كان أو إلاهاً، قالت الغيتا الهندية،
هذا الإشراك هو الفاعل و المفعول في نسيان المعنى الثالث الذي هو العلم الخامس الجامع، قبل الواقع و خلاله وبعده، حذّرت كلُّ الكتب،
في نسيانه يفعل أو يمتنع عن الفعل، و يجني ثماره حلوةً أو مُرّةً،
هذي الإستقلالية: لا تستحق نعتاً غير الوهم،
لأنها متغيرة و غير قادرة على الديمومة بنفسها،
فقال الكتاب أن العالم ظلام فوق ظلام، و قال "في ظلمات ثلاث"، التي هي ظلمة الجسم الطبيعي ظلمة الجهل و ظلمة غياب الرسل،
و في الشرق الأقصى قيل أنه وهم، و في الحكمة و في تاسوعات أفلوطين ذي النون: سُمّي عدماً،
هذي هي التجربة الوجودية الإنسانية في الثنائية الظاهرية،
لا هي خير و لا شر إلا للنساء (جمع ناسىٍ)،
لذلك لم يحرم الكتاب خطبة النساء، حباً لهم و من أجل تذكيرهم، و ما كتاب الخلق والأمر إلا ذكر للعالمين،
لأن في التذكار رجوع و متاع دائم لأنه الخير الحقيقي
بين الصورة و الإلاه (18)
إن الخير و الشر ضرورة في منظور الناس،
فهو ما يستوجبه الإستمرار الطبيعي، من انجذاب و نفور،
و هذا يدعو العقلاء منهم للتجرد من مشاعرهم بقدرة عقولهم،
فيروا أن العقل البشري واحد، و المشاعر واحدة و إن تعددت أسبابها،
و هذه معرفة بديهية للعقل،
إذا وُصلت أعطي كلُّ ذي حق حقه في العيش و الإعتقاد،
لا قوة للبشر على إلغائها إلا في أنفسهم،
و إذا أُلغيت في أنفسهم تراجعت في أنفس غيرهم و تعطلت،
و ترون المتورطين بمشاعرهم بحروب الشرق: إذا سألتم واحداً منهم: ما الذي جلب هذا الويل: فلن يتردد و قبل أن يتم إلقاءُ السؤال: أن يشير بإصبعه للإلاه و للشيطان من منظوره،
هذا الإنتفائية التقابلية يقع فيها كثيرون، و المأساة أن رجال الحكم و الدين و الأزياء و حتى الأكادميون الذين بُنيت علومهم على الموضوعية و التجرد ...: لم يبرؤوا منها، بل جعلوا منها سبباً لحياتهم و موتهم و بقائهم، و ضاعفوا بلاءهم،
و يجاهد بعض ليخرجوا من دوامة الهلاك قبل أن تبتلع العالمَ و تبتلعهم، و هذا خير جهاد و سبيل للخلاص من ظلمهم
بين الصورة و الإلاه (19)
يا ليت الناس من دينيين و علمانيين يأخذون قصة آدم و حواء التي في التورات و القرآن بحقيقتها، لتدلّهم على أسرار نفوسهم من خير و شر،
فالإختيار الذي كان على حواء أن تختاره: عسى أن الواحد منهم يواجهه كل يوم، ما دام حياً في جسم تلبسه نفس ذات عقل و أهواء ...
وتلك الشجرة في أنفس كل الناس، مهما كانت معتقداتهم و مراتب إدركهم،
وصفتها الغيتا بأن فروعها تمتد هبوطاً و صعوداً، و جذورها مُغريات الحواس،
لكن هذا لا يعني أن الإنسان مخلوق مخطئاً و أن كُتب عليه العذاب:
الدينيون اكتفوا بالخرافة، ليعبدوا ألاهاً متعسفاً، يحكم و يا ويل الذي يستفهمه أو يعصيه،
و العلمانيون اكتفوا بالخرافة: ليضحكوا و يرفضوها، و ليضعوا نظرياتهم على أسس غير دائمة،
و هكذا يتقدم العلمانيون على الدينيين باعترافهم بأسباب الأشياء الطبيعية، يستخدمونها لمنفعتهم في إطارها الطبيعي، بينما الدينيون عاكفين على حجارتهم،
على هذه المرتبة الإدراكية: لا يوجد إلا الشر، لأنه الخير المحلي الظرفي، حسب ما يستدل عليه الذهن و الفكر، مُستعيناً بحواسه و معتقداته،
إلا إذا وُضعت ظرفيتُه و محلّيته في إطارها،
هنا تبدأ رحلة معرفة الخير الذي حثت الناسَ على الإقدام عليها الكتبُ و الحكمةُ في وقتها و ظرفها
بين الصورة و الإلاه (20)
و إن ما جاء في كتاب النقط و الدوائر، و هو من كتب الدروز الدينية: مبني على ما جاء في كتاب كشف الحقائق،
و قد قدّمت هذه الصفحة رداً على تعتيم الحقائق و أخطائها الفكرية و الفلسفية،
ألتي فحواها أن الخالق كوّن نقطة الطبائع النورانية "التي هي كلية في ذاتها، جزئية في سائر الجواهر الروحانية، ما خلا جوهر الظلمة الذي هو الضد"!
فإن القارئ القريب من عقله يلاحظ أن الكاتب لا يزال يتصارع مع الظلام،
فلم يجرؤ على إفادتنا عن منشئه،
لأنه و بعد بضعة أسطر يتابع: "فرآه بلا نظير يشاكله و لا ضد يعانده و لا ند يعادله فحينئذ برزت نقطة الظلمة"،
فهكذا لا يمكن للضد أ يكون ذا منشإٍ آخر، الذي غفل الكاتب عنه،
و لقد أوضح الكاتب حقاً أن العقل في كماله كل الأجزاء و أضادها و أندادها دفعة واحدة،
فالتجزيء في المسافة عن النقطه الوجودية،
و آنما نبدأ بالوصف لكماله و جماله و فضله ... نكون قد ابتعدنا ليتكون منظورنا ... و تبدو الأنوار و ظلالها أكثر وضوحاً: في المسافة،
هكذا فإن الأزواج و الأضاد ... منه في بُعدها، لكنها ليست له،
لا ضد و لا ند و مقابل و لا نظير للحق،
و لو في الأرض و السماء إلاه غير الله لفسدتا،
و ما فساد الأرض في هذا الزمان إلا الإعتقاد بتعدد الآلهة و الشياطين
بين الصورة و الإلاه (21)
سقراط و البوذا قالا أن الشر هو الجهل، و أن المعرفة ذكر،
و لم تخالف الكتبُ تعليمهما،
"أحبوا أعداءكم"، لأن المحبة تقرّب المسافات و تذهب بالخوف و تبدد الكبرياء و الخصوصية الوهمية،
و "ألذين يدرؤون بالحسنةِ السيئةَ" هم العارفون حقاً أن هذا الكون لا يجري إلا بالتعاون،
هذا هو البر و التقوى،
و أما عبادة الحجارة و البشر فهي التجارة الخاسرة،
ذهبت بالعقول سدىً،
و الجنة و النار: ما جنت أيدي الناس،
و أما المعتقدات فهذي يلغي بعضها بعضاً،
لأنها "غير الحق"،
ألحق لا يتغير و لا يُلغى،
و المعرفة الحقيقية التي بلغها الناس من آلاف السنين هي عينها التي يبلغونها اليومَ إذا شاؤوا و جاهدوا في سبيلها،
لأن الطرق العقلية حقائق لا تُمحى و لا تتغير،
و الشيطان الذي وصفته الأديان و الطوائف القديمة والحديثة هو تقصيرهم عن بلوغ هذه الحقائق في ظروفهم و زمانهم،
هكذا يجلس الشيطان و ندُّه على عرشيهما،
و يسجد الناس و يركعون لإلاه يستوجب وجودَه وجودُ الشيطان
بين الصورة و الإلاه (22)
هذي الأمور تتناولها هذي الصفحة جهراً، فلا فائدة من حفظها سراً،
و عندما يخلو أهل المعتقدات إلى أنفسهم يبقون على ضلالها و يحثونها على التعلق بآمالها و أمانيها، و يسقطون كلما مد الزمان يد رحمته لهم ليرفعهم،
ألم يأتِ في الكتاب والنازعات غرقاً و الناشطات نشطاً؟
لقد أُمهِلت الأديانُ و الطوائف و أيضا الإيديلوجيات السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية رويداً،
و لقد بان ما جنت أيديها و أي مذهب ذهبت،
و إن العهود قد فُضّت لأنها نُقضت،
و إن معجزة الحق أنه الحق،
فلا تنتظروا ظهور المعجزات التي لا تبرهن شيئاً،
و إن شئتم أن تُمَسْرِحوها فقد فعل هذا أهل الأديان و الطوائف مراتٍ، و لا يعلّم الزورُ الناسَ إلا الوثنيةَ و الغباء،
و اليومَ يقف الناس جميعاً على المسطبة عينها، كيفما كان تصنيفهم لأنفسهم و لغيرهم، و مهما كانت خصوصية يدّعون و خلاصٌ ظنّوه مكتوباً سلفاً
بين الصورة و الإلاه (23)
حار أهلُ الكتاب و الحكمة في الكلمات التي في مواضعها الحقيقية تَفكُّ النباهةَ عن الذهن و الفكر، و تطلقها في السبحان العظيم، و تأخذ الواصلين يقظةٌ وجودية، و يشهدون بلا واسطة، لأنها عقولهم، و هي ميامي (جمع ميم) العقل الكلي، عليه الصِلات،
ألم يأت في الكتاب إنا أعطيناك الكوثر فصلّ لربك و ابحر؟ إذا وُضع الكلمُ في مواضعه ...
ألم يأت في الكتاب و الحكمة يُدرك الأبصار و لا تُدركه الأبصار؟ نفياً للواسطة ...
فقولوا للذين يعبدون إلاهاً يصلّي على مخلوقه و يُشار إليه بالسبابة عامودياً و أفقياً أنهم ضلوا سبيلهم،
و أسهب كاتب النقط و الدوائر في شرح، أظهر فيه اتجاه نظره من حيث لا يشعر، فلا مُبدل لكلمة الحق إلا في أوهام المقصرين عن الإيمان بالعقل، أما عن التوحيد فلا تسأل
بين الصورة و الإلاه (24)
و لقد قلنا على هذه الصفحة مراتٍ عديدة، أن خير ما يفعل أهل الشرق أن يهملوا معتقداتهم و تقاليدهم،
ألتي عساها كانت صالحة في ظروفها و زمانها لأممهم و لقبائلهم و طوائفهم، لكن الدواء: انتهت صلاحيّته، و بات الآن سامّاً،
و إذا سألوا: فما البديل؟ قولوا لهم أن البديل هو الصالح لأممهم و لقبائلهم و طوائفهم جميعاً في الحاضر و بلا استثناء،
و إذا عجز قادته الدينيون و العلمانيون عن فهم ما قيل على هذه الصفحة و ما جاء من قبلُ في كتبهم، فهذا شأنهم،
هم نصبوا أنفسهم وكلاء السماء على الأرض وهم جالبو العداوة و هم كاتبوها على جباه تابعيهم الطائعين أمرهم،
و الناس أحرار في ما يعبدون و ما لا يعبدون، و في مناهجهم و تقاليدهم،
إلا أن يشتروا نفعَهم بأذىً يدفعونه على غيرهم،
لم يأمر بالأذى كتاب،
و لا يُشترى رضىً بصراخ المعذبين إلا من آلهة الوثنية،
هذي، إذا لم تُقدَّم لها دماء أعدائكم فسوف تطلب دماءكم،
و إذا لم تُنزلوا الدمار على مدنهم و بيوتهم فسوف تُنزلها على مدنكم و بيوتكم،
و تشهدون بأم أعينكم ما حل بكم و بأوطانكم: لأن هكذا تجري الأقدار بقانون هذا العالم،
لا مبدِّل لكلمة الحق
بين الصورة و الإلاه (25)
و قلنا أيضاً على هذه الصفحة أن الدفاع عن النفس حق طبيعي فُطر الناس عليه، عندما يُعتدى عليهم،
أما شريعة الثأر فهذي من تقاليد الجاهلية، حرمتها التورات والإنجيل و القرآن، و لكن لا تريد شعوب الشرق منها خلاصاً،
يجد رجال الدين و السياسة فيها ناراً ينفثون في العُقد، ليحكموا قبائلهم بأهوائهم و يُسكنوهم في دوامة القتل و القتل المقابل،
و قلنا أن عسى كانت شريعة الثأر رادعاً عن العدوان و الإجرام، لكن الآلهة الوثنية لا تهدأ تحث عابديها على العدوان و الإجرام لترضى عنهم،
و يُملي رجالُ الدين و الأزياء على آلهتهم ما يريدونها أن تمليَ عليهم، و يكتبون شريعة الحرب بأيديهم و يقولون هذا من الله ...
و يضع حكام العالم العلمانيون القوانين التي في معانيها تعدل بين حقوق الأمم، و تضع يد القانون فوق نزوات البشر ... ثم يخالفونها بشريعة الثأر عينها، التي ما وُضعت القوانين إلا لتعطّلها ...
و تتسارع دوامة الدمار و لا من يريد منها خروجاً،
و قلنا أيضاً أن انهاءها رهينة أديان الشرق و طوائفه، متورطين كانوا أو شاهدين ...
لا ينهي حرب الشرق إلا أهله، و متى اتفقوا ألقوا باتفاقات المنافقين الدوليين و تجار السلاح في مقابر التاريخ
بين الصورة و الإلاه (26)
و قلنا أيضاً أن معتقداتكم الملطّفة هي معتقداتكم المتطرفة عينها، و لكنها تتناوب بين اللطافة و التطرف حسب الظروف و الإنتماآت السياسية الخاضعة لطاغوت الدين و مصالح الدول المقتدرة على التدمير،
فلا يمنن أحد على الأرض و السماء دينهم و تعابيرهم و ولاءهم ليأجوج و مأجوج بإسم دون آخر،
هذا هو الوعد الوحيد الذي أوفياه: أن أتيا من يمينكم و من يساركم و من قدامكم و من خلفكم و كان كثيرون لهما طائعين و شاكرين و لا يزالون،
و يُسلّم الناسُ أقدارهم و يقدمون و لاءهم لخدمهما من حيث لا يشعرون، فلا تنجذب الأنفسُ إلا إلى مراكز جاذبيتها بقانون هذا العالم،
لذلك قلنا أيضاً أن البراءة من الإنتماء هدى الحق، و كيف يجمع الحق أنفسه بغير علم أنبأ أئمتكم و علماءكم به، و ما الإنسان في منآى الإرض إلا ما ثناه وجوده
بين الصورة و الإلاه (27)
و كم من أمة سبقت أهل الشرق بالعلم و الأخلاق و لا تدين بأديانكم،
بل لقبتم أنفسكم ألقاباً عظيمة و فُتنتم بها، و بقيتم على شرائع الجاهلية و شعائرها، و ما تستوجبه من عذاب و غباء،
ما كتب الحق عذاباً إلا ما كتبتم على أنفسكم، و كتب هدىً و علماً حتى تطلبوه و تُغيروا ما بأنفسكم،
(99) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (ألعنكبوت)
بين الصورة و الإلاه (28)
ما نقوله لكم على هذه الصفحة يُبطل مُعتقداتكم، فلذلك لا تريدونه،
و يفضح عيوبكم، فتروا أن الأزياء تبلى و لا تخبؤها أبداً،
و كم من ذكر جاءكم في التورات و في القرآن،
قرأتم شريعة القتل و الأكل و الثأر و الإرث و النكاح و الإغتسال و نهب بيوت الكافرين و أوطانهم،
و كان صعباً على أهل الجاهلية، و لكي يبلغ الكلمُ الناس جميعاً أُحكمت آياته و كان لها عرض أدنىً،
هذا نصيبكم من الكتاب كيفما تلقّبتم و مهما كانت الوعود التي وعدتم أنفسكم،
و المائدة شجره المعرفة، تهتز غصونها لذوي السمع و البصر،
إذا قصّرتم عن بلوغها صح عليكم التحريم الذي جاء في هذه الآية الكريمة، في ظاهرها و باطنها، إذ رضيتم بالقانون الطبيعي شريعة و سبباً لحياتكم و مماتكم، فعصيتم ربكم، و باتت أنفسكم أنفساً حرّمها الله رحمةً بكم، و حسبتم أنكم مهتدون:
حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (ألمائدة 2)
بين الصورة و الإلاه (29)
و إن الكتاب قد حرّم الشعائر و التقاليد الدينية من أزياء و ألقاب و من تقديم للذبائح ... و هذي مناهج الوثنية و تجارة خاسرة،
تذهب بالعقول سدىً، و تمنع البحث و السؤال عن أسباب الأشياء،
و جاء في الكتاب و أما السائل فلا تنهر و أما بنعمة ربك، من علم و خلق كريم: فحدّث،
أما الذين لن يُطعموا الفقراء حتى يأتيهم أمر من إلاههم، فهؤلاء قد خلت الفضيلة من رؤوسهم و باتوا أجساماً بلا أرواح، كلحم الخنزير الذي يغوط ثم يأكل غائطه،
و إليكم هذه الآية الكريمة، التي حرمت الشعائر بلا التباس، إلا للذين انقلبوا على أعقابهم، فباتت أرضهم سماءهم و سماؤهم أرضاً:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ۚ وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا ۚ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا ۘ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) (ألمائدة)
و سوف نلقي ضوءً على قراءتها الصحيحة في الرسلة المقبلة بعين الحق الذي أنزلها
بين الصورة و الإلاه (30)
ألله خالق الظلمة و النور، فإذا قيل لكم لا تُحلوا ظلام الله: هل تقرؤون: لا تمنعوه؟
هكذا تنقلب رؤوسكم، و تُختَزل عقولكم،
و ذلك البيت سمي بيتاً حراماً لأن شعائر الوثنية كانت تُقام حوله، من طوف و سجود و ركوع للعجل ذي اللات و العز،
و جاء في الكتاب أن تُولوا وجوهكم شطره، يعني جانبه، ثم قال أن أينما تولون وجوهكم فثم وجه ربكم ذو الجلال و الإكرام،
و يوم يكشف الزمان ما خبأ سوف يرى العبريون و العرب أنهم عبدوا العجل الذي على تابوت الميثاق عينَه، و هم ينعتون بعضهم بالوثنية حقاً،
هكذا صرف حيرام أنظاركم عن مسلته التي كان بناها، و ورد ذكرها في الكتاب واحدةً من الكعبين، و اليومَ ترجمونها بالحجارة ثم تسجدون و تركعون للأخرى، و ربكم ينظركم من مَصرد عرضَ السماء كلما تم بدر ذي الحجة، و لا أنتم تنظرون،
و إذا حللتم به فيصطادوكم، فلا تغضبوا على مَن يمنعُكم عن الإقتراب، لئلا تعتدوا على الحق، لأن الوثنية فتنة للأنفس الضعيفة، يقع كثيرون في مهاويها من حيث لا يشعرون
بين الصورة و الإلاه (31)
لا يزال الكفن الذي قيل أنه لجثمان عيسى بن يوسف يخلب عقول الكثيرين،
و جاء في الكتاب أن يوسف قال للسجانَين بمصر أن واحداً منهما سوف يقدم الخبز و الشراب لربه و واحداً سوف يُصلب ثم تأكل الغربان رأسه،
و قد قصصنا عليكم ما تيسر من قصة لا تريد الأديان و الطوائف أن تسمعها لأنها تفضح زورهم،
كانت مريم امرأةُ يوسف حزينةً على موت ابنها على الصليب، بعد أن أذاعت أنه إلاه و ابن إلاه،
حزناً بكت له الإنسانية والسماء، على العذاب على الصليب ساعاتٍ طويلة، و نادى صديقه إيليا (يوحنا) إيلي إيلي لمَ شبقتني،
لكن يوحنا كان سجيناً لدي بيلاطس آنذاك، عاجزاً عن إعانته، و كان يتفطر ألماً على عذابه،
و قد نشرنا عل موقع دائرة الجمال كتاب يوحنا الجديد، الذي خطّته هذه اليد من فم يوحنا من وجهه المصباح، و كان طفلاً و أينما نظر لم ير شيئاً، لأنه كان وجهَ ربه،
و أخرجت مريم المجدلية و آخرون جثمانه و أخذوه لأمه، فأصرت أن تحتفظ به، فكفّنته و كانت تراقبه في الليل و يتراآى لها أنه ينظرها من الكفن،
و كان توما يزورها ليواسيها و كثيرون آخرون،
و ذات يوم استدلت الغربان على مصدر رائحة الجيفة فمزقتها من رأسها و أكلت منها،
و كان هذا تنبيهاً من ربها و رحمة منه لتتعلم أن الموت حق، و أنه يبعث من في القبور في أجسام جديدة، و أن محنطات مصر لن تقوم من أكفانها كما يدّعون
بين الصورة و الإلاه (32)
و يصبّ كل دين و طائفة و الملحدون اهتمامَهم به بدافع معتقداتهم،
و الحق يُقال أن الفضول العلمي الأركيولوجي الذي يتوخى المعرفة البريئة من المعتقدات هو خير دافع،
و أذكر أن من سنين قليلة أذن الفاتيكان أن يُجرى تحقيق فُرَنْزي (forensic: قضائي علمي) جديد، مستخدماً آخر ما توصّلت له تكنولوجيا التحليل الكيميائي و التأريخ بالعمر الفحمي (carbon dating) و التصوير الرقمي (digital photography) و بذبذبات ضوئية مختلفة ...
و كان الإقتناع السائد من قبلُ أن عمره لا يتجاوز الألف سنة و أنه مصنوع في أوروبا، لذلك لم تعترف الكنيسة به، لكنه بقي فولكلوراً يخلب عقول الجماهير "المؤمنة"،
لكن النتائج التي وصل إليها المحققون الأخيرون وضعت عمره في فترة من الزمان تتضمن الصلب!
و لعل التضارب يدل على فقدان النزاهة العلمية لدى بعض هؤلاء المحققين:
إما مدفوعين باعتقادهم أن ما يُسمى كفن تورين (The Shroud of Turin) نسبة للقرية الإيطالية التي احتُفظ فيها، هو كفن ابن الله،
و إما بازدرائهم لهذا المعتقد،
لكن السؤآل المنطقي الفلسفي الذي لا يبدو أن للكنيسة مصلحة في طرحه: أنه إذا ثبت بالعلم الإختباري أن عمره يطابق تاريخ الصلب، و أنه مصنوع في الشرق الأوسط من أقمشته ... فهل هذا دليل على أن فهم الكنيسة للأناجيل صحيح؟ و أنه فعلاً كفن عيسى بن يوسف؟
ألجواب العقلي المنطقي:
كلا
بين الصورة و الإلاه (33)
و أذكر أن التحقيق الأخير كشف عن وجود لطخات دم، متوافقةٌ مواقعها على الكفن مع أمكنة جروح ابن يوسف حسب بعض المخطوطات،
و لكن كان هناك أيضاً نقط دم في أماكن أخرى ...!
ألأمر الذي يُلقي الشك على وثوقية (authenticity) الكفن مُجملاً ...
و قد بحثت بسرعة على الشبكة العنكبوتية ... و وجدت أنه لم يتمكن المحققون من استنشال DNAA "الله" بسبب تفكك خلايا الدم طبيعياً ...
كل هذه المشيرات تدل على أن كفن تورين ليس كنزاً أركيولوجياً كما يوده كثيرون أن يكون،
و قد فتحتْ الإنترنت أبواب الإعلام على مصاريعها، لنشر المعلومات و أيضاً للدعاية الدينية و السياسية،
و أجد نفسي ساخراً من نفسي، إذ أمضيت بعض الوقت باحثاً عليها عن ذكر لفولكلور كاثوليكي،
و لكن لفت نظري ما تم نشره مؤخراً، ملخصه أن عيسى بن يوسف الذي مات على صليب جسمه، فعجز عن حمله ليتبع خُطى المعمدان و المسيح، ثم على الصليب جسمه مات: درزي: عرقياً ... يعني دينياً حسب فهم هؤلاء!
ألأمر الذي يستدعيني أن أفكر أن أموالاً صُرفت على تلفيق و تسجيل فيديو ... كان الأحرى أن تُصرف على شيء ينفع،
و ترى الإنترنت تضج بفيديوهات اليائسين من ربهم، المستمعين لأئمتهم، يقولون لبعضهم متى ستحل المعجزات التي وعدناهم في الماضي لنستأسر بعقولهم؟
لكنهم يعلمون الآن أنها لن تحل، و أنّ عقولهم ألفت الظلام و تعودت على الأوهام، و يريدون أن يجربوا زوراً جديداً
بين الصورة و الإلاه (34)
آه لو أن أئمة الأديان و الطوائف تستمع لنداء عقلها،
و تكفّ عن تضليل جماهيرها،
و تدرك أن الروح: التي تُجري الوقت و العالم،
و أن الحصون و القلاع، و جدرانَ عالية و أسهم نارية: لا تملك قوة و لا علواً و لا ناراً،
و أن أموالاً مخزونة و ذهباً: لا تشتري شيئاً موجوداً جاهزاً،
و أن أعراقاً و أنساباً، و DNA خاصاً و مخصوصاً: ليست علماً ولا خلقاً كريماً،
و أن الأنفس تُبعث حيثما قدْرها و قدَرها التي كتبته على نفسها،
و أن ارتقاءها: في جهادها على سبيل الحق، و ما اقتنت من علم و تألقت بالمعروف،
و أن من يتخذْ من غبار الأرض مُطهِّراً: يَزِل غباراً و يحظَ بغبار غيرها، ساء الزائل و المُزيل و الزوال
بين الصورة و الإلاه (35)
ليس عليك أن تكون عالماً في علم الجينيات البشرية و الأحياء الأخرى: لتحدسك نفسك أنه لا يوجد أعراق بشرية نقية اليوم، و عساها لم توجد منذ وقت طويل،
و لا يهدأ الباحثون في هذا العلم يجمعون المعلومات ... آملين بالتوصل إلى الجين البشري الأول، الذي انطلق من أفريقيا حسب نظرياتهم ...
و كلما اكتشفوا مجموعة بشرية في الغابات المعزولة و الجزر النائية لم تكن معروفة: يخرّطون (mapp) جينياتها أملاً بالتعرف على قطعة جديدة من أحجية جقسو (jigsaw puzzle)،
لا يوجد اليوم أعراق نقية،
و ما يُسمى بالجينيات النادرة: ليست محصورة على شعب واحد أياً كان،
و أجد نفسي ساخراً من نفسي مرةً أخرى، إذ أحاول شرح البديهيات التي باتت ثابتة لعلماء الوراثة و للشعوب العلمانية،
لقد سئمتْ الأرضُ النظرياتِ الدينية و السياسية القائمة على العرقية،
و كذّب العلمُ الإختباري هذه النظريات جملة و تفصيلاً،
و كلما شرعت حكومة أو مؤسسة دينية عنصريةٌ تبحث في جينياتها لتثبت فوقيتها الكيميائية: خذلتها الكيمياء،
لكنها بقيت متمسكة بغرورها!
و لقد نبّهتْ هذه الصفحةُ من الزور الذي يمسرحه المزورون، و يلتقفه اليائسون من رحمة ربهم،
هكذا يعيش الشرق ويموت بالخرافات، و ينجذب إليها سريعا مدفوعاً بمعتقدات تتضارب لأنها تتشابه،
و إن الذين يضللون قبائلهم عن علم: لا تُغتفر ذنوبهم، فليقرؤوا هذا في كتبهم،
و غلطة التلميذ غلطة، و غلطة المعلم بألف غلطة، لأن هذه تتكاثر و ترثها أجيال عديدة،
يُكرَّم الناس بعلمهم و خلقهم، و تُقاس البهائم بجينياتها و أصولها،
فالذي لديه علم، ينفعه و ينفع جاره فليأت به، و خير الناس أنفعهم للناس،
لا تزدهر الأخوّة العرقية و العصبية الدينية و القومية إلا في القحط الحضاري و الفكري، و العَوَز الأخلاقي
بين الصورة و الإلاه (36)
ما صلبوه ... وما قتلوه يقيناً (قرآن)،
فلماذا يريد بعض أن يرجع إلى معتقدات لم تنفع،
أسرت عقول الناس، وعلّقت آمالهم بوهم، و أنزلت على قلوبهم خوفاً من شر محيق بهم: لا يقوى اللهُ عليه إلا بالمعجزات و الخوارق،
و كأن الزمان يجري بحكم الشيطان،
و هذا أضاف خطيئةً على الخطيئة الأولى ...!
و بات الإنسان مستسلماً لضعفه، يرمى بنفسه في أحضان القديسين في بيوت الشعائر راجياً شفاعتهم،
و باتت كلمة يوحنا و المسيح شعارات سياسية دينية، لأنها أخلاقية غير عملية ...!
و ليس مطلوباً من الناس إلا التسيلم بأن ابن الله مات على الصليب لأجلهم، هكذا يخلصهم ربهم بسحره و قراراته الإعتباطية،
و أما اليقين الذي هو المسيح في قلوبهم و عقولهم:
فهذا كفر، و العياذ بالله،
لأنه يلقي الشك على الشك،
و يتعلم الإنسان من تجاربه و ملاحظته و فكره و حدسه ... و يقينه، خطوة خطوةً،
هذا سبب وجوده و تقلّبه في أدوار الزمان و أكوانه،
أليقين لا يُقتل، ما قال الكتاب إلا حقاً، و هو واحد في عقول كل البشر،
مارتا مارتا، تريدين الكثير، و المُراد واحد (إنجيل لوقا)،
و الذين يريدون رجوعاً إلى دين ابن الإنسان فهنيئاً لهم
بين الصورة و الإلاه (37)
إن المسلّمات الحقيقية هي المجرّدات العقلية التي منها عقول كل البشر،
و هذه لا تُفرض بالتخويف من ثواب و عقاب،
بل هي المتعة الوجودية الحقيقية،
و إن موت المسيح و المعمدان من أجل البشر هو مجيؤهما إلى هذا العالم في أجسام طبيعية، ليختبرا الظلمات و الغرور في وقتها و مكانها،
و إن قيامتهما الحقيقية هي انتصارهما على الطبيعة و الغرور،
فيمشيان في الأرض حرّين من صليب الجسد، و يُطعمان السائل و ابن السبيل،
و إني أتساءل كيف غابت هذه الحقائق عن سلطات الدين و الطوائف من متقدمين و متأخرين؟
و لما يلقب أنفسهم هؤلاء أعظم الألقاب و يوعدون تابعيهم وعوداً هم يعلمون أن لا سلطان لهم على أيفائها؟
تتبارى الأديان و الطوائف بفرض مسلماتها بالتخويف، و بالوعد بحياة أبدية حسب أمانيها،
و المؤمنون بالعقل العقلُ ملجؤهم و تقواهم،
يعلمون أن المعتقدات القائمة على التسليم و الإفتراض قصور ورقية،
تبدو مختلفة، و بعضها أقوى من بعض،
لكنها من صنع الناس،
كما يأذن الزمان ببنائها يأذن بهدمها حين يمضي تمهيلها
بين الصورة و الإلاه (38)
لم يتقدم الغرب صناعياً و فكرياً و سياسياً لأنه مسيحي، و لكن لأنه تخلّى عن خرافات الدين، و دأب يبحث عن أسباب المظاهر الطبيعية، و لم يرض بممثلين للسماء على الأرض،
و ترون أن الشعوب الغربية جغرافياً، الدينية بمعتقداتها و تقاليدها: لا تزال رازحة تحت طاغوت الدين،
و الحضارات التي سوف تكتب على أنفسها الإستمرار هي تلك القادرة على مجابهة تحديات الزمان، أو على الأقل المُعترفة بهذه التحديات،
لأن لا الأزمات الإقتصادية و السياسية، و لا التغيرات المناخية، و لا الأمراض التي تسببها المدنية و أطعمتها التي تملأ البطون و لا تغذي الأجسام و الأدمغة ...: سوف ترحم الشعوبَ الوثنية: لاختيارها حجراً على أخر أو بشراً على آخر أو شعائرَ على أخرى أو شريعة جاهلية
بين الصورة و الإلاه (39)
و قلنا أيضاً أن جولة جديدة من النفاق لن تجلب أمناً و استقراراً في هذا الوقت المتسارع،
و تشهدون كيف تنهار الإتفاقات ما إن تُعقد،
أمهلها الزمان طويلاً، ريثما يصحو رجال الحكم و الدين من سكرهم، و يروا أن قوانين هذا العالم لا تُزاوَر،
و هي قائمة أمام كل من يريدها عِوَجاً،
إنه لمن حسن حظ الذين اتخذوا النفاق و الجهل و الكبرياء ديناً أن الزمان لم يبخل عليهم، ليروا بأم أعينهم ما تجني أيديهم،
و إنه لمن حسن حظ الوثنية أن أذاها لا يظهر فوراً،
فهي سرطان يدخل الدماغ ليأكل منه و يربو حتى يستحوذ على الرأس كله،
ليست مآسي العالم حكم حاكم متعسف و لا هي خبط عشواء،
إن الكون الذي يعرفه الناس و ما لا يعرفون بالحق من صنعهم،
خيره و شروره أمانيهم و خوفهم،
و آلهته المنتظَرة البشرية قد فشلت فشلاً فادحاً،
و لمّا أُعطيت مهلة لتحكم العالم بغرورها جلبت ويلاً على الناس و أنزلت بالأرض دماراً،
و هي تنظر اليوم ما جنت أيديها و لكن لا حول و لا طَول لها،
و تطلب من الزمان أن ترجع دوراً جديداً، لتصحح أخطاءها: ما قال الكتاب إلا حقاً
بين الصورة و الإلاه (40)
و كان الأولى بالدروز أن يدعوا الناس جميعاً للعقلانية، بعد أن فشلت المعتزلة بالنظر إلى الحق الذي منه حرفية الكلم و مجازه،
لم يكن الشرق مهيّئاً لتقبل العلمانية التي تفصل سلطة الدين عن شؤون الدولة،
و قد قلنا على هذه الصفحة أن الحاكم بأمر الله هو حمزة بن علي عليه صِلات الصلاة، فهو جبريل ذو اللوح المحفوظ في معارجه، مُنزل الكتب و الحكمة على إخوته أجنحتُه مثنىً فثلاث فرباع، ملقنو الكلم للنبيين الذين نبوا و معلموهم القراءة دوراً بعد دورٍ، و لا حاكم إلا هو، فليقرؤوا كتابه إن كانوا صادقين،
و هو و إخوته بشر يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق كما جاء في الكتاب الكريم،
لا يَنزل عليهم ذهب من السماء ولا ملائكة طائرة، ما قال الكتاب إلا حقاً و ما علّم إلا العقلانية، و لتُدفنَ سننُ الجاهلية و أساطيرُ الأولين و شعائر الوثنية في نفايات التاريخ،
لكن حرس جهنم صنعوا معتقداً جديداً، و حرّموا العلم و غلّفوا الكتب و الحكمة بما كتبوا و شرحوا، و قالوا أن الزمان قد توقف، فمن كان من قبائلهم فهم الفائزون و من كان من غيرها فهم الكافرون الذين خلقهم ربهم مظلمين ليعذبهم،
و بات الشرق ساكناً في ظلماته حباً لها، يعبد آلهةً غير قادرة على خلق أنفسها، و حقَّ الجهلُ و العذاب على الجميع بما جنت أيديهم، مهما كانت أسماؤهم و ألقابهم التي لقبوا أنفسهم
بين الصورة و الإلاه (41)
و كما يرتد الأذى على فاعله بقانون هذا العالم: يُضمَرُ الشرُّ لضامره، أسرّه أم أعلنه،
و تتبارى قبائل الدروز اليومَ على أصولها و أعراقها،
فهناك الأعراق "الموحدة" و هناك "الدَرَزية" ... على زعم رجال أزيائها،
و ينخل هؤلاء سجلات شجرات عائلاتهم، ليدعموا زعمهم،
و اليومَ تَطوّروا، يخرّطون (map) جينياتهم،
لكن السجلات غير مكتملة و الكيمياء قد خذلتهم،
و إني أؤكد لهم، ثم إني أؤكد لهم، أن الزمان لا يبحث في سجلاتهم و لا يجري تحليلاً مخبرياً،
هو صانع هذه الأشياء و هو مُزيلها عن سبب،
و إن مواثيقاً كُتبت عل أوراق و خُبئت، إنما كُتبت و خبئت لليائسين من رحمة ربهم و إرضاءً لكبريائهم،
إنما مواثيق الموحدين و المؤمنين في قلوبهم، يحملونها في أدوارهم أينما يبعثهم الزمان فتهديهم، و تضيء سبل الناس و لا هم يشعرون، و في دياجيره و في أنهاره،
فليتعلموا درساً مما جلب أهل الكتاب عل أنفسهم من عذاب خالدين فيه أبداً،
ألذين جعلوا دينهم شِيَعاً و لا تخبو نار عداوتهم،
فإذا لم يتركوا الحكم على العباد لرب العباد ليس لأهل الكتاب مثلٌ ليقتدوا به و ليس هدىً،
إذا فسد الملح فبماذا يُملَّح؟
بين الصورة و الإلاه (42)
لقد سئمتْ الأرض من أناس يفضلون أنفسهم،
و اليومَ و رغم البلاء و العذاب الذي حلّ بهم جميعاً: لا يزال أئمتهم يطبّلون و يزمرون ابتهاجاً، قائلين أن إلاههم قد خفف العذاب عنهم، و أنه سوف يوفي وعوده،
لكنهم يزدادون رسوباً،
لأني أؤكد لكم أن الوثنية قد شارفت على الإنتهاء، بآثامها و غبائها،
و إن الآلهة التي عبدتها الأديانُ والطوائف، من بشر و حجر، سوف تنهار بها عروشها،
لأن الحجة العقلية قد بلغت،
و هذه لا سلطة للحجارة و لا ليأجوج و مأجوج و خدمهم على تعتيمها،
و هكذا يجري الكون،
و إذا أذن الزمان أن يبقى بعض عاكفين على الحجارة، ساجدين و راكعين للآلهة: فسيكونون حطب جهنم، لئلا ينسى الناس،
و سوف تتقبح صورهم، كما جاء في الكتاب، و تُختزل أدمغتهم،
ليس أنتقامَ ازمان منهم، و لكن هذا قانون العالم، لكل معنىً صورة تدل عليه،
و يكونون ذكراً للناس و تحذيراً
بين الصورة و الإلاه (43)
يا ناس، أخرجوا من سجن الوثنية السنيت، و تتطلعوا على هدايا الوجود التي جعلها ربكم متعة لأنظاركم و عقولكم،
أخرجوا من أقبية التعذيب إلى مدرسة حضانة الأطفال، حيث اللعب و الغناء و الطعام الوفير،
أخرجوا من جوار الجرذان و الأفاعي إلى الإنسان ذي الوجه الباسم، تستبدلوا التهديد بالسموم و أن تؤكلوا أحياءً: بالدعوة للتسبُّح بالجمال،
و كم أُخرجتم في عصور مضت، و ذكركم الكتاب لما قال أخرجكم من الظلمات إلى النور،
أنتم تسقطون في الفخاخ و ليس هذا قدراً محتوماً،
و في عصر مضى قضيتم أعماراً في الأوكار، حيث الماء الآسن و الريح النتن و الطعام الضريع و الظلام يضاء بنار ضياؤها كالقمر الخاسف، حتى صرتم عمياً للألوان،
و كان خدم جهنم يقولون لكم حرام عليكم أن تخرجوا إلى العالم المجهول، إلاهكم أمر أن تبقوا معنا حيث الأمان،
و صنع مساحيق من أملاح معدنية فاقعة الألوان و جيء بها إلى الأوكار في شعار ديني، و لما نشرها يميناً و يساراً على الناس استيقظ بعض للون و عاد لهم بصرهم، بينما أغمض كثيرون عيونهم و كانوا خائفين،
و بُخع حرس جهنم و تمرد عليهم كثيرون و أرادوا خروجاً ليروا كل شيء،
حيث السماء و الليل والنهار و القسطان و الأرض والبحر و النهر و الجبل و الوادي بدائع لقوم يتفكرون
بين الصورة و الإلاه (44)
و قلنا أيضاً على هذه الصفحة،
لا فضل لمعتقداتكم بعضُها على بعض،
فكلها مفاهيم ذهنية، سلّمتم بها تسليماً،
طبعاً تختارون الإلاه الذي يختاركم و شعائركم و تقاليدكم،
و متى أقدمتم خطوة واحدة خارج دوامة الفناء ... هذا هو الإيمان و هذا غفران ربكم،
فتطمئن نفوسكم ليقينها، و تنزعوا عن قلوبكم الخوف من إلاه هو في الحقيقة شيطانكم،
أنتم الذين أمليتم عليه ما يملي عليكم،
أنتم الذين صورتموه،
و عساه كان نافعاً في حينه ليذكركم،
لكنك نسيتم أن أنفسكم التي صنعته قادرة على صنع غيره،
لم يأتكم الرسل بحق جزئي، و لم يدعوكم لاتباع النبيين الذين نبوا و للأديان الضدية يوماً واحداً،
فإذا فعل هذا كاتب النقط و الدوائر فهذه خطؤه،
و إذا اعتقدتم أن العلم قد انتهى عنده فقد فعل هذا أهل الكتاب قبلكم، فانظروا ماذا كان عاقبتهم
بين الصورة و الإلاه (45)
إن الأخلاقية التي تُعلّمها الأديان الإلاهية (monotheist) تقوم على مقاومة الشر،
لأن هذا يأتي بالخير من الإلاه الذي بأمره البقاء و الهناء،
و هنا تكمن نسبية و مَحَليّة الخير و الشر و ما يخلقان من عداوات و صراع،
و ليس هذا كشفاً جديداً،
كثيرون الذين خرجوا من دوامة الإستسلام للمعتقدات الدينية القائمة على الضدية التي تفترضها الوقائع عملياً،
لكن كثيرين من هؤلاء توجّهوا إلى الطبيعة بدلَ السماء بحثاً عن الأجوبة،
لأنهم استيقنوا أن الأجوبة الآتية من السماء قد افتُرضت افتراضاً، بينما تلك التي من الأرض تُبرهن بالوقائع المحسوسة،
هكذا وقع هؤلاء أيضاً في دوامة الضدية، لأن الحركة الطبيعية لا تجري إلا بالزوجية،
لكن الوجهة الجديدة التي توجهتها العلوم الطبيعيه: قسمت الفكر البشري قسماً جديداً: على جانبي الحد الحديد عينه: الذي كان قد قسم الأديان سابقاً:
بين مسلّمات الدين كيفما كانت، و مهما كانت كتبها و آلهتها المفترضة أو المرئية: و بين الوقائع المبرهنة طبيعياً،
هكذا فالتوحيد مرتبة إدراكية وجدانية كما قلنا تكراراً، يتجاوز كل تعريف و واقع،
"من له أذنان سامعتان فليسمع"