مواضع الكلم (1)

 

لقد قدّمت دائرة الجمال قراءة للقرآن المجيد بالإنكليزية على موقعها العنكبوتي،

أوضحت بها معانيَ عساها غابت عن أذهان كثيرين الذين اتخذوا شروح أئمتهم و علمائهم و تفاسيرَهم مقصداً،

و هي عديدة و متفرقة فوجب جمعُها في كتاب ليس قاموساً،

و القواميس يكتبها المتخصصون في معارف زمانهم، و هذي غايتها،

أما المعاني الحقيقية للكلمة فهذي في غرائز العقول،

من صُورٍ و حركة وجودية أوّليّة،

و هذي المجردات العقلية التي من الروح الوجودي، و الروح حقيقة كل موجود محسوس أو مُدرك بالعقل،

وقد قدمت دائرة الجمال سلسلة من المقالات تحت عنوان أين توجد الكلمات،

لتدل على حدود الوجود في الحاضر، و بعيداً عن المفاهيم الدينية،

فإذا كان أهل الشرق جادّين في دأبهم الديني و سعيهم في إصلاح أنفسهم ليخرجوا من المحن و البلوى التي استحقوها فعليهم أن لا يهدؤوا يطلبون الإزدياد من العلم،

و لم يؤتَوا من العلم إلا قليلاً

 

مواضع الكلم (2)

 

و عندما نقول أن لم يؤتَوا من العلم إلا قليلاً، ثم نقول أن الرسالات كاملة و لذلك واحدة: فلا يتناقض القولان إلا من حيث الجزئية المُستوجَبة في الوقت و المكان، اللذَين يفرضان اللغة و الصوَر الذهنية،

لذلك جاء في الكتاب الكريم: أخذوا عرَضَ هذا الأدنى، ثم جاء التعبير عينُه في الحكمة الشريفة،

فمن العرض الأدنى تتفصل الشرائع الظرفية و السياسةُ و دساتيرُ الحكم، حتى قيل أن الإسلام دين و دولة، و أن قبائل الدروز موحدة جُملةً و حصراً،

فما الدين و ما الإسلام و ما التوحيد؟

ألدين من دان، التي، في صيَغها واستعمالاتها، تدل على حق مؤجل،

لذلك فالمؤمنون يُخلصون الدين لمالك يوم الدين يومَ ينظرهم، يا أيتها النفس المطمئنة: إرجعي إلى ربك راضية مرضية،

على هذه المرتبة التوحيدية تصل الكتب و الحكمة بالقارئ إلى الأسماء (جمع سماء) الحُسنى،

لذلك فإن آية كريمة توصل ما أمر به ربكم أن يوصل: لمن استطاع إليه سبيلاً،

و تبقى الشروح و التفاسير و الأحاديث الظرفية مادة لجدل الضائعين، الذين يختلفون على غاياتهم و مطالبهم،

 

أما المؤسسات و المذاهب التي تقول أنها تمثل الدين فهذه من السياسة و للمنافسة على الحكم و أموال الأمم، و لنفث العداوة،

لم تؤتَ أيةٌ منها، و بغير استثناء: سلطاناً، مهما عظّمت الألقاب خلعتها على أنفسها و كيفما ضمنت لأنفسها من خلاص و لغيرها من عذاب

 

مواضع الكلم (3)

 

و أما "الإسلام"، أعني الكلمة، فمن مادة س ل م،

و هي في صيَغها و مشتقاتها تدل على بلوغ حال اكتمال الشيء،

فتمعنوا بهذه الكلمات:

سلِمَ، سلّم، سالِم، سلام، سُلَّم (يوصل إلى طبقة مرتفعة)،

و سلّم بالأمر: قبل بسلامته من غير جدل،

و استسلم: طلب السلام و السلامة من غير معاندة و مقاومة،

و أسلم: قدّم الشيء سالماً،

فاقرؤوا هذه الآية مرة أخرى:

بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ،

 

ألمشكلة في تفاسيرها المتوفرة لدى الأديان و الطوائف أنها مقصّرة عن إدراك المحسن،

وكم مرّ هؤلاء بِهاء هويته فلم يخطف أبصارَهم بريقها، و لم يصعق آذانهم رعدها، و صح ما جاء في التورات: إن الأموات لا يسمعون و لا يبصبرون،

هكذا فإسلام الوجه: لشرائعهم و شعائرهم، لأن هذا الإحسان عندهم،

 

و هؤلاء لا يتركهم الخوف و لا الحزن، من الإلاه المتعسف الجلاد الحرّاق، الذي لو وطئت قدمهم اليمنى جنته لما أمنوا مكره،

 

مرة أخرى قد أُسقطت الآيات التوحيدية في مدلولاتها الطبيعية،

و لا بأس بذلك، فالتوحيد طريق طويل، و الناس يريدون أن يهتدوا إلى دينهم و خيرِ دنياهم، على درجاتهم المتفاوتة من العلم و الأخلاق،

لكن عندما تكون السلطات الدينية غافلة عن المحسن و إحسانه: ترسب هذه في و ثنيتها، و تختلف و تتقاتل على غاياتها،

لأن الإحسان لكل واحدة منها: شيء آخر،

هل يهدي أعمىً و هل يعلّم جاهلٌ؟

 

مواضع الكلم (4)

 

و أما الإيمان، فقد خلطه جميع أهل الدين بالتسليم بمفترضاتهم و معتقداتهم،

و يصعب عليهم أن يفهموا أن التسليم يُرغم المُسلّم على تعطيل الفكر المنطقي في رأسه،

هكذا تُغلِّف المسلّماتُ الحقائقَ العقلية البديهية التي فُطر عليها كلُّ البشر،

و يغدو العقل عدواً لدينهم حسب فهمهم، مهما ادّعى هؤلاء من عقلانية،

 

لكنا لو نظرنا إلى قصة إبراهيم التي جاءت في القرآن، فقد توصلَ إلى الإقرار بوجود خالق فوق المخلوقات و مُتعالياً عليها: بالتحليل الفكري المنطقي،

و هذا ابتداء حسن،

و الإيمان رحلة عقلية طويلة، تسمو إلى التوحيد،

فالإيمان أمان الإنسان،

و أمان الإنسان في اتباعه هدي عقله،

لذلك فلا يهدأ المؤمن بطلب العلم و تهذيب خلقه و تدريب فكره، وصولاً إلى الحقائق المجردة، التي فوق كل الصور التي تبدأ و تتغير و تفنى بالحركة الطبيعية

 

مواضع الكلم (5)

 

لا تدل الكتب و الحكمة إلا على الحقائق،

و هذه ما كان يمكن إبلاغها إلا بالكلمة،

و للكلمة وجود طبيعي،

هذا هو اللغة بمفرداتها و أحرفها و ظروفها و ضمائرها و قواعدها و تعابيرها ...

و هذي ليست أمراً محتوماً و منذ الأزل،

و ما جاء رسول إلا بلسان قومه، و شهدت كتبهم،

 

فما كان نصيب الناس من الكتب و الحكمة؟

نصيبهم أنهم أحبوا اللغة و نسوا الكلمة،

قد حرّف أهل الكتب و الحكمة الكلم عن مواضعه في العقول، و لو نسخوه نسخاً صحيحاً،

و قرؤوه خطأً، و لو لفظوه لفظاً صحيحاً،

فلذلك الإيمان و التوحيد شيء آخر لكل فريق حسب قواميسهم،

و أشرطوة بأحداث طبيعية،

و هذه: لو شهدها عشرة شهود في حينها، ثم كتب كل منهم ما شهد منفرداً: لحصلتم على عشر شهادات تكاد لا تتوافق أكثر مما اختلفت،

فكيف يدعي اليوم، و بعد آلاف من السنين، أناسٌ أنهم على بينة من حوادث، لم يشهدوها بل قَرْأً؟

و كيف يبني هؤلاء مقولات فلسفية و نظريات، و يؤسسون أدياناً و طوائفاً، و يحكمون على الخلق بين مؤمن و كافر، و يضمنون لأنفسهم جنة و خلاصاً و لغيرهم عذاباً؟

و يشنون الحروب و يسفكون الدماء و يفسدون في الأرض، و يقطعون الأيدي و الأرجل و يقولون أنهم يريدون بالناس هدىً؟

 

 

فليعلمن أهل الأديان و الطوائف أنهم يدّعون مُلكاً ليس لهم،

و أن رب العباد لم يوكل منهم رقيباً و حسيباً على العباد أحداً،

و أن الإيمان لله و توحيدَه، و لا يعلم ما في العقول و الصدور إلا هو،

و أن يكفوا عن عبادة رجال مثلهم و حجارة، ليروا أخطاءهم كما أخطاء غيرهم

 

 

مواضع الكلم (6)

 

أما الشهادة فمن مادة ش ه د،

و شهد فعل تقوم به البصيرة و العين،

و عندما نقول شهد الكتاب فإنه مَجاز، كقولنا قال الكتاب،

و عندما نقول شهد شاهد، فلنعنيَ أنه أخبر عن شيء قد شهده،

و الذي يشهد بالقول بغير شهادة فهذه شهادة زور، و جزاؤها في القوانين المدنية كبير و جزاؤها عند ربكم لا بدّ أكبر،

 

و الذين يشهدون ربّهم في عقولهم و قلوبهم كل ما رأوا يشهد الله أن لا إلاه إلا هو ماتت غرور نفوسهم، أسمته الحكمة الشريفة موتاً طبيعياً، صعب عليكم حملُ مرآة ذاته، فاختلط في أنظاركم الموت و الحياة و الموت، لو كنتم تفهمون،

و مر المعمدان بجنائزكم فقال دعوا الموتى يدفنون أمواتهم،

تستحبون سُكنى محنطات مصر، تقولون ربنا يبعث من في القبور، و إنكم مبعوثون و لا تصدقون قولاً تقولون،

و قلنا لكم لاتقولوا أن الذين يموتون في الحروب التي تدفعونهم لخوضها شهداءُ، فالشهادة من ربكم و لربكم و أنتم تعلمون أنكم لا تعلمون،

صنعتم من الإجرام تجارة تشترون بها طعاماً و شراباً و نكاحاً، و يعدّ أولياؤكم الأناث لكم و يتنافسون بالأعداد كالباعة في سوق العديم،

و تدمرون بلادكم و تقتّلون أبناءكم تسابقاً إلى جنة يقول رجالُ أزيائكم و ألقابكم هذا أمر إلاهنا،

ليتكم بقيتم على وثنية الأولين، فهؤلاء كانوا يشترون رضى إلاههم بالذبائح في بيوت الشعائر، أنتم جعلتم من دياركم و شوارع مدنكم مذابحَ شمت أعداؤكم بكم و ضحك العالم عليكم، و لا تزالون تقولون أنكم مؤمنون

 

مواضع الكلم (7)

 

و ليس الذين قتلهم أعداؤكم شهداءَ و هم لم يستشهدوا إلا جنة الطعام و الشراب و النكاح، و أنتم القائلون،

إستشهد تعني طلب الشهادة، فلا نتجنّى على أحد لكِنّا نُرجع الكلم إلى مواضعه، بعد أن جعلتم منه أمراً للخصام و ما أُنزل إلا ليؤلّف بينكم بالحق و يهديَكم سواء السبيل،

 

و لا يُتوفّى كلُّ ميت، بل النفسُ التي لم تمت في منامها، فهي إلى ربها راجعة، و الأخرى التي ماتت يبعثها ربها في حياة جديدة:

 

اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (ألزمر)،

 

لكنكم تقرؤون بالعين الطبيعية و تُحجب عن بصائركم فاتحة القول الكريم، و لن تُوَفَّوا حتى تموتَ غرور نفوسكم و تستيقظوا من الكوابيس،

و ليس هذا هيّناً، و لا يُكلف ربكم نفساً إلا وسعها، لكن الذين اتخذتموهم وكلاء عليكم و أئمةً لا يهدون و لا يعلمون و قد حذركم الكتاب تكراراً، جعلتم أصابعكم في آذانكم و استحببتم أزياءهم و الألقاب التي لقبتموهم


 

مواضع الكلم (8)

 

إذا كنتم تعتقدون أن خير الجهاد هو الحرب فهذا يستوجب أن لا يكون سلام في العالم،

فلا تمنوا على الأرض و السماء قتالكم و لا تدّعوا حب السلام، و متى كان هذا في قواميسكم؟

أليوم تنادون به لأن العالم يتحدث عنه، و تريدون أن تظهروا مظهر المتحضر المسالم،

و الآية الكريمة التي قالت أن لولا دفع الله الناسَ بعضهم ببعض لفسدت الأرض: تقرؤون فيها حثاً على الحرب، لأن هذا ما حوت نفوسكم،

و هي حث على نزع السلاح و الوفاق: لو أنه ما حوت نفوسكم،

واليومَ تتظاهرون بالصلاح و تقولون أن الجهاد جهاد النفس و سعيها في دنياها!

فليتكم ضاعفتم عدد الإناث المُنتظرات المجاهدين في الدنيا، و ليتكم ضمنتم دخول جنتهن بغير عبورٍ القبورَ و لا حسابٍ، لقلّت حروبكم و زاد وفاقكم، و عجزت الدول الكبرى عن التآمر عليكم،

لقد حللتم  نيابة عن إلاهكم كل ما يضركم و نسبتموه لله و ما خشيتم، و حرمتم كل ما ينفع نيابة عن إلاهكم و نسبتموه لله و ما خشيتم، فما بقي من الدين عندكم؟

 

مواضع الكلم (9)

 

و الإشراك من ش ر ك،

و شرك تدل على تعليق شيء على آخر،

لذلك فمن مادتها شركة و تشارك و إشتراك و شريك ...

والتعبير الذي تردد في القرآن يشير إلى تعليق المفاهيم الذهنية أياً كانت على البحت،

و ليس هذاً هيناً، و يتطلب دراسة وعلماً و خلقاً إنسانياً كريماً،

و طهارةً، أعني ترفّعاً على الظن و تجريداً من الأوصاف و الأسماء و الأشياء المدلول عليها بالسبابة أو باللغة،

 

و يتجادل أهل الدين، من اليهودية إلى البهائية، مروراً بالماسونية و المسيحية و الإسلام و الدرزية، بفروعها و طوائفها،

فإذا أراد أي فريق منهم أن يتعرّف على أخطائهم التي أقصتهم عن سبل التوحيد: فليسأل بعضهم بعضاً: أين أخطأنا؟

لأنهم يشهدون الإشراك الذي أشركه خصومهم و يغفلون عن إشراك أنفسهم،

فلأن وَضَعَ كلُّ فريق تعريفاً للتوحيد مشروطاً بأحداث ظرفية طبيعية، فقد استوجب هذا تعريفاً مضاداً، مشروطاً بالأحداث عينها،

 

و لن أفصّل الحديث عن مقولات و شعائر كل فريق، فقد فعلوا هذا على خصومهم و أصابوا، يبقى أن يفعلوه على أنفسهم،

و لن يفعلوه حتى يبدؤوا ينزعون الإشراك عن أنفسهم

 

مواضع الكلم (10)

 

و ورد فعل عدل في القرآن للدلالة على شيئين:

عدل بمعنى حقق العدالة التي ضدها الظلم،

و عدل بمعنى أشرك، كما في الآية الكريمة: ثم الذين كفروا بربهم يعدلون (ألأنعام)،

ذلك لأن العدل في الذي يفيض العدلُ عنه إشراكٌ في العقل، يتنبه له المؤمن الذي صقل فكره و هذب أخلاقه،

 

هكذا فإن مادة ع د ل تشير إلى المساواة بين شيئين،

و عندما نعالج أموراً ثنائية التركيب فإنا على مسطبة الثنائيات،

ليس ما يُعالج هنالك توحيداً، لا من حيث اللغة و لا وجدانياً،

 

و من قال لكم أن التوحيد إعلان أو قبول لإعلان و قُضي الأمر: إلا رجالُ الأزياء و الألقاب؟

هكذا عدل جميع أهل الدين بين ربهم و بين رسله و نبييهم بصِيَغ و معادلات مختلفة لغوياً مُتساوية عقلياً، فلا فضل لأحد منهم على أحد إلا في أمانيهم و وعود رجال دينهم و أزيائهم

 

مواضع الكلم (11)

 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ (ألمائدة)،

و لقد ذكرت هذه الآية الكريمة مرتين على هذه الصفحة هذه ثالثتها،

ذلك لكي لا يبقى في رؤوسكم شك أنها تُحرم على المؤمنين شعائر الوثنية التي اتبعها العرب من يهود و غيرهم،

و ما جاء الرسل و ما أنزلوا كتباً إلا ليُبعدوا الناس عن الوثنية،

لأنها تذهب بالعقول سدىً،

و أحلَّ الشيءَ تعني أجازه، لذلك فلا يفهم مِن "لا تُحلوا": أحِلوا: إلا مَن رسب في الوثنية رسوباً دنيئاً و انقلب رأساً على عقبٍ،

 

و الصلوات ليست شعائر إلا في فهم أهل الكتاب من يهود و مسيحيين و مسلمين،

ذلك لأن أكثرهم لا يصلون في حياتهم، و يكتفون بأوامر رجال أزيائهم و ألقابهم،

و الصلاة صلة العبد بربه، و هم يقرون بذلك،

بل هي غيثه الذي لا ينضب،

لا توقيت له و لا فصول،

و لا شروط و لا نِفال،

 و ربكم الغني و أنتم الفقراء،

فإذا لم تسهَوا عن الصلات، و لم تمنعوا ذلك الماعون الذي يحيي العظام و هي رميم: فطوباكم،

أما الإلاه الذي تقولون أنه خلقكم لتسجدوا له و تركعوا،

و لتقدموا له الذبائح و أنفسكم و أعداءكم أشلاءً:

فهذا إلاه الوثنية العطش للدماء المتحكم بكم بغبائكم

 

مواضع الكلم (12)

 

و ع ب د تشير إلى العمل لغاية ما،

و سوف يتساءل بعض: من أين تأتي بهذه المعاني و هي ليست في القواميس،

لكن الصِيغ الأساسية خير دليل،

 

ألعبد يعمل لسيده، و الحر يعمل أيضاً، و هو سيد نفسه،

لكن إيمانه بربه يأخذ حريته طوعاً منه،

لأنه يرى أن لهذا الكون نظاماً، و لحياة الإنسان غاية نبيلة،

و أن كل ما يعمله: حق ...: له قوانينه و علومه و لا يتم إلا بإدائه بإخلاص،

و لا يري شيئاً إلا ليحقق حقه،

 

في إدراك هذه الكلية الإنفرادية: كل عمل عبادة،

فيه يتحرر الإنسان من عبوديته لغروره،

 

لقد تحدثت الغيتا عن العبادة بشيء من التفصيل،

و قالت أن لكل مرتبة إدراكية عبادة تليق بها،

ففي حال السكون، الذي تسميه هذه الصفحة وثنية: يعبد الناس أشباحاً وهمية،

و في حال الحركة يعبدون البشر المؤلهين و قوانين الطبيعة،

و في حال التناغم يحبون الفضائل التي علمتها الكتب، من عدالة و شرف و علم و محبة و رحمة  و تواضع ...

ثم تستدرك الغيتا القول أن التوحيد يترفّع على هذه الطبائع الثلاثة ...

 

يمضي الناس حيواتهم عابدين ...

وجاء في الكتاب الكريم  أن الإنس و الجن لم يُخلقوا إلا ليعبدوا ربهم،

فكيف يعبد الناس: شأنُهم، و بينهم وبين ربهم،

هو الأعلم بهم وهو الذي خلقهم و خلق لهم عباداتهم،

 

و خلط أهل الكتاب من يهود و مسلمين و مسيحيين العبادة بالشعائر أيضاً،

لأن إلاه أهل الكتاب يخلق الناس ضعفاء و مخطئين ليقاصصهم،

إلا إذا أقاموا الشعائر التي أمرهم بها رجال أزيائهم!

هكذا جعلوا أنفسهم أغنياء و جعلوا ربهم معوزاً:

لأنهم يعملون و يُرزقون ما يريدون من طعام و شراب و نكاح: بغير إقامة الشعائر:

ثم يقيمونها و يمنونها على ربهم و ليشتروا بها جنة موعودة،

هذي هي التجارة الخاسرة التي حذرتهم منها الكتب القديمة و الجديدة تكراراً

 

مواضع الكلم (13)

 

و يجب أن نميّز بين الإخلاص و العناد، و قد خلط أهل الأديان و الطوائف و أهل الأحزاب السياسية سواءً: المفهومين خلطاً كخلطهم التسليمَ بالإيمان،

ألإخلاص من خ ل ص، و تشير إلى النقاء و البراءة من الشوائب،

 

و أخلص فلان لأمر ما: يعني تبرّأ مما يشابه هذا الأمر أو يعارضه، فلذلك أحبه و حافظ عليه و حماه ...

و هذا بدافع اقتناعه به و إيمانه،

لكن معارف الناس غير مكتملة  و متغيّرة،

فإذا تبينن له خطأٌ في هذا الأمر:

فإذا أصر على تعلّقه به، و رغم معرفته بخطئه:

فهو الآن عنيد،

 

و تُعلّم كلُّ الأديان و الطوائف و العقائدُ السياسية: العنادَ لتابعيها،

لأنها تعرف أن مصيرها الزوال في نفوس الذين يسيرون بهدى عقولهم من البشر،

و يقع أكثر الناس في مهاوي العناد خوفَ  أن يُنعتوا بالخيانة و يُرذلوا،

 

ويقول جميع المعاندين بمعتقداتهم أن الإخلاص للحق والعناد للباطل،

و هذه المعادلة المُبسّطة صحيحة: إذا كان الحق غير ظرفي و غير نسبي،

 

هكذا يتعلق أهل الأديان و الطوائف و العقائد السياسية بمعتقداتهم معاندين بعضهم بعضاً،

لأن ليس في معتقدهم إلا الحقوق الظرفية

 

مواضع الكلم (14)

 

و بفهم أهل الأديان و الطوائف: ألتقوى تعني الشعائر و الشرائع و التقاليد،

فهكذا وضع رجال أزياء كل فريق تعريفهم للتقوى، ضمن لهم السكون في أطلال أجدادهم،

و الواضح أن تقواهم لم تقِهم من الإشراك و لا من المنكر و لا من العذاب ...

و طبعاً يقول كل فريق أن هذا ما كتبه الله و أنه سوف يكافئُهم في الآخرة ...!

و هذا المنطق المبني على المُفترضات لا يُجدي إلا المزيد من المفترضات،

 

و ترى الأتقياءَ يجهدون يدرسون و يتعلمون ... لكن جهدهم لم يُخرجم من هذا الفخ العقلي ... و يبقون على مسطبة أمّيّة عامّتِهم،

 

و الأمم التي خرجت منه بدأت بالبحث عن أسباب الأشياء الطبيعية، و تقدمت بالصناعة و الفكر على الدين و الطوائف،

 

و لا تفهم أحزاب الشرق الأوسط التي تدّعي العلمانية: أنها هي أيضاً أسيرةُ مُفترضات الدين و الطوائف، و الفرق بينها و بين تلك لغويٌ و تجميلي فقط ...

 

و ما دام أهل الدين والطوائف مُكتفين بسكونهم ... فسوف يسكنون،

ألزمان يجري و لا يستشير أحداً منهم،

و هذا العصر الذي يتعلم فيه الناسُ أسباب الكون: مهّد له كتاب سبب الأسباب و كتاب معراج الموحدين، و قد ذكرت هذه الصفحة، و لا يعير للحكمة أحدٌ إنتباهاً، ظانّين أن خلاصهم مكتوب و قُضي الأمر، و السكون تقواهم،

لكن الجدران التي يبنيها الناس لا تذهب بضوء الشمس و لا القمر، هذان يبلغان كل الأرض،

و قد قلت لكم على هذه الصفحة أن عندما يؤتى بالحجة العقلية: لا مانعَ لها، و هي الآن موجودة، و لا قدرة لبشر أن يمنعوها،

و إذا أغلقوا عيونهم و آذانهم فهم الخاسرون، مهما كانت مفترضاتهم و ألقابهم

 

مواضع الكلم (15)

 

و لا أتجنى على أحد إذ أقول أنه كان الأولى بالدروز أن يتقدموا الشرق بالفكر و الدين،

إن مقولاتهم التي بنَوا عليها سرية كتب الحكمة: من قبيل الميثولوجيا، و ليس إلى العقل لها سبيل، و كان عليهم أن يتنبهوا أنها قرار سياسي آنذاك لرد أذى الوثنيين عنهم،

و مرت ألف سنة،

و في القرن الماضي شهد الشرق فسحة من الحرية الفكرية، و قسط من الحضارة كان لم يزل، كان واجباً عليهم أن يدعوا الشرق إلى علمانية عقلانية،

لكن كان عليهم أن يتقدموا هم إلى هذه المرتبة الفكرية أولاً!

 

و البهائيون عرفوا أن لا بقاء للشرق و هو على وثنيته و خرافاته و أحقاده الدينية،

 

ثم كانت الثورة الإيرانية، التي أطاحت بالملك المؤلّه و نصبت الإلاه المستملك،

و بدأ السباق إلى الماضي بين الطوائف والأحزاب الإسلامية،

فلا واحدة تريد أن ترى غريمها سابقاً لها ببث الذعر و فرض الأزياء و إطلاق الفتاوى الإجرامية و الكوميدية و قطع الأيادي و الرؤوس ...

و حقق الشرق الحكم الذي طالما حلم به، و ظنه أفضل شيء يشتري به رضوان ربه ...

رجع الشرق إلى جاهلية قبل الأسلام،

ولم  يرض إلاه و لا من يحزن،

 

لم يكن هناك ذخيرة فكرية عقلانية لتتربص بالوحش فلا يفلت،

الديار خلت منها النواطير،

بل الذين يريدون أن يشمتوا بالمسلمين من سنة و شيعة كثرٌ،

 

فلم ينج من البلاء أحد،

لا الذين يريدونه: لأنه فرصة للجهاد و دخول جنة النكاح،

و لا الذين يريدونه ليشمتوا بالمسلمين من سنة و شيعة و يتخلصوا منهم،

و الشرق قد ازداد رسوباً في لا عقلانيته،

كل فريق، ينتظرون المعجزات النازلة من السماء، أو من الدول اكبرى،

هذا أمل الجميع الوحيد اليوم، من مسلمين و غيرهم

 

مواضع الكلم (16)

 

و تأويل من مادة آل أو أ و ل،

في الحالين تشير إلى ردّ الكلم إلى مآله أو أوّله، بمعانيه التي منها ينطلق،

و يُقر بهذا بعض الشارحين،

لكن كلمة تأويل تُستعمل اليوم للدلالة على الفهم و التفسير الذي لا يتوافق مع ما درج منه!

و عسى أن الآية الكريمة من سورة آل عمران: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ:

كانت المُبرِّر لأخذ الكلم بحرفيته،

على هذ الطريق المنطقي الوعِر وضعَ المفسرون أنفسهم في مُباطلة paradox، مضت قرون ولم يتنبهوا لها:

إذا قلنا أن "و الراسخون في العلم" جملة مُستأنِفة، حسب تعابيرهم، فيصح الإعتقاد أن الراسخين في العلم يعلمون معاني كلمة الله جل جلاله،

و هذا هو المُراد من تبليغه،

هنا فُتح الباب لكل من يدّعي العلم أن يكتب المجلدات الضخمة، من شرح و إعراب و تفسير ...  و تشريع  ... قائلين: قال الله كذا و كذا ...

و بات كل ما لا يتوافق مع أقوالهم: تأويلاً!

و كأن كلمة تأويل تشير إلى الشك بما ليس في تأويلهم!

 

و إذا قلنا أن جملة "و الراسخون في العلم" بداية كلام جديد، حسب تعابيرهم، يُصبح الكلم سِراً لا يعلمه إلا الله جل جلاله، فلماذا يبلّغه للبشر؟

في هذا الحال يكتب المفسرون و الشارحون ما يشاؤون ... و لا حسيب يحاسبهم و لا رقيب يراقبهم ... إلى يوم القيامة: حسب فهمهم،

 

ففي الحالين بات الكلم غيرَ بالغٍ الناسَ،

و ما هو إلا هدىً للعالمين،

و الذي بلغ الناسَ: التفسيرُ و الشرح و التشريع ...

و معتقدات كاتبيها و أهواؤهم و همومهم ...

و بات الكلم نسياً منسياً،

 

لكن القارئ الذي تقرب بإيمانه بعقله يرى أن الآية متكاملة بطبقاتها المعنوية، و لا يحاول لها شرحاً لأنها غنية،

و إن اللغة حدودُها فكرية و ذهنية،

و حتى لو جاز التنقيط punctuation، لغاية توجيه الفكر التحليلي، تبقى اللغة مُقصرة عن مواضع الكلم في العقول،

أقول هذا و لا أنزل منازل الشارحين و المفسرين الملقِّبين أنفسَهم و أديانهم و أممهم ممن تبعهم،

هناك تنقلب الرؤوس حيث الحقائق رهينة القواميس و الكتب الذي كتبها مغرورون لا يفهمون قولاً  مُحكماً

 

مواضع الكلم (17)

 

و لعلّكم لاحظتم أني أشمل المسلمين مع "أهل الكتاب"،

و هذا الشمل صحيح لغوياً و معنوياً،

فالقرآن هو الكتاب لا ريب فيه،

و المسلمون اليومَ بجميع طوائفهم و شيَعهم و أحزابهم و عصاباتهم العسكرية ...: أهلُ الكتاب،

و الآيات الكريمة التي توجهت إلى أهل الكتاب، لتحذّرهم من الإشراك و عواقبه: هي اليومَ موجهة لهم،

و قد أوضحتُ معنى الإشراك في رسلة سابقة، فلم ينج من الإشراك دين و لا طائفة، لو أنهم يتفكرون بأقوالهم و أعمالهم،

و إذا كان التعبير "أهل الكتاب" ليدل على قوم اتخذوا كتاباً و رفضوا غيره: حقَّ على المسلمين كما حق على من سبقهم و من تلاهم،

و الإيمان بالكتب: من أركان الإيمان،

 

و ما حالهم من تفرّق و عداوة و تخلف حضاري و استسلام للشعائر: إلا دليلاً على اعواججهم و انحرافهم عن طريق الحق المستقيمة،

و هذا لا يُقاس بالشرائع التي كتبها علماؤهم و أئمتهم،

و لا يُقاس الحق بشيء، و هو فوق البعوضة و فوق كل شيء،

بل به توضع الموازين و المقاييس،

فإذا ألححتم السؤال، فما هو؟

 

ألحق منه كل شيء و ضدُّه و ندُّه و نظيرُه،

و سوف أرجع إلى كلمة "الحق" في رسلة لاحقة،

و لكن أهل الكتاب اليوم هم الأمم التي لا تعرف حقاً غير الحق الظرفي،

 

و تشهدون تضارُبَ مصالح الدول الكبرى و ما يعكس على أديانكم و أحزابكم من حروب دائمة و هُدنات مؤقتة،

 

و الحق من منظور كل أمة و كل دين شيء آخر،

و هذه الحقوقية النسبية لا تجلب على الناس إلا الظلم و العذاب،

فإذا استطاعوا أن يجعلوا العقل: ألحاكمَ بينهم: ذهبت بلواهم،

يتطهر العقل من النسبية، فبمعرفته للحق و الرحمة، يتخلص من عصبياته التي أغشت بصيرته، و تتذلل الصعاب مهما كانت كبيرة،

 

و ترون قادتكم و قادة العالم يجتمعون حول طاولة النفاق، كل واحد يريد أن يشد الأقدار لصالحه و أن يُفنيَ منافسيه في النسبية،

و الدينيون منهم يذهبون لبيوت الشعائر ليطلبوا دعم آلهتهم، و الماديون يصنعون الأسلحة الجديدة،

و الحق يُجري الزمان و لا يستشيرهم

 

 

 

 

 

 

مواضع الكلم (18)

 

و جاء في الكتاب الكريم:

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا،

 

لم ير المفسرون و المشرعون في هذا الإعلان العظيم إلا درساً، عساه لاينفع، في استخراج معدن الحديد و صَهره!

و هذا الكتاب لا ريب فيه، لم يوحى به ليعلم الناس الخياطة والنجارة والحدادة،

لا، و لا المحاسبة و الإقتصاد والسياسة،

و ترى المسلمين يقولون كتابنا فيه كل شيء!

ثم أهل الحكمة قالوا الحكمة فيها كل شيء ...!

 

و هذا مقال يدل على مُحتوى رؤوس قائليه،

فماذا يعني "كل شيء"؟

 

و قد بُخع أهل الأديان و الطوائف لما رؤوا إنجازات العلم الإختباري و ممكنات الفكر الإنساني القادر على سبر غور كل أمر و مُعتقد،

و كانوا يقولون هذا من الشيطان،

و لما بلغ العلم الإختباري مبلغاً متقدماً على مُسلّماتهم المتوارثة: صار حجةً عليهم،

و لما وجدوه أنفع من شعائرهم و معتقداتهم في أمور دنياهم بدؤوا يحرّفون الكلم عن مواضعه مرة ثانية:

قائلين أن كل مكتشفات العلم الإختباري في القرآن و قد عرفها المسلمون أوّلاً!

و لا يٌظهر هذا إلا تقصير فكرهم عن التمييز بين العلوم الطبيعية و المعتقدات،

ألأولى تُعرف بالملاحظة و التحليل الفكري المنطقي، و الثانية ... يصعب تعريفها، لأنها شخصية، و قسط كبير من العاطفة يرسخها في قلوب الناس ...

 

و هذا موضوع مركب و لا يمكن الإحاطة به بكتاب، و متغير بتغير الظروف أيضاً،

لكن ما أحاوله: أن ألفت النظر إلى أنماط الوعي البشري و ما تستنبط من معتقدات و علوم،

كل واحدة: حقيقية في إطار حقيقتها،

و عندما يبحث الناس عن حقيقة فإنهم سيجدونها جاهزة في إطارها الذي اختاروه،

في هذه النسبية و الفوضى الظاهرية: أين الحقيقة؟

إذا حذونا حذو المادية المناقضة المعتقدات الدينية نقول: غير موجودة،

و لكن كيف؟

و المادية تقر بوجود قانون طبيعي واحد ...

و المجردات العقلية، مثل الرياضيات، واحدة و عالمية، و غير متغيرة بتغير المعتقدات ...

في هذه النسبية و الفوضى الظاهرية:

جمع ذو القرنين الأزواج المتقابلة بقراءة مزامير داوود الثاقب النظر، التي تلهب نار المحبة الوجودية،

لتحلّق في آفاق التجريد الطاهرة من نسبية الظن،

حيث الحقيقة قاب قوسين أو أدنى

 

مواضع الكلم (19)

 

لم تخلُ رسالة من الإشارة إلى الحق،

و إذا خلت منه كتبٌ: فهذا الدليل أنها كلام المغرورين،

 

الحق الذي يراه شارحوا الرسالات و رجال الأزياء: باطل،

لأنه ظرفي و لغوي،

 

هذه المرتبة الإدراكية هي انتصار الوجود على العدم في الرؤوس و الصدور،

و أما انتصاره في العالم: فهذا قائم دوماً، و لا تعوزه أوهام البشر،

لأن لا ذرة و لا مجرّة إلا دائرةً على موسيقاه،

و لا نور و ظلام إلا منه،

 

من أين تأتي الثنائية إلا من واحديته: من ذا الذي يشفع عنده إلا يإذنه؟

 

و قلنا على هذه الصفحة أن مثل البعوضة كان اختبار الأنفس في معرفته،

و الذين لم يعرفوه احتاروا بأمرهم: ماذا أراد الله به مثلاً؟ كما تنبّأت الآية المتعالية،

 

و إن كتاب العلم الخامس من كتب الحكمة طريق إليه بالكلمة، من استطاعها وصل،

في أسطره الأولى الدلالة على الوجود و الوجود و العدم و الوجود من العدم،

خرّت ممكنات اللغة ساجدة على أعتاب تقديسه و معالي تجريده و تطهيره،

حار به ذوو أزياء، فعلقوا عليه مقالة سقوطهم على الصخرة، و بات العلم الخامس حجة فوقهم،

 

و لما نشرت دائرة الجمال قراءة للغيتا بالعربية، قال بعضهم لبعض لا تستمعوا له، لم يعترف بإلاهنا،

 

فيا حسرة على أهل الكتب و الحكمة الذين لم يروا غير الحق الذي يحبهم و يجازي أعداءهم،

و أمم الأرض الملحدة تطلعت بالفكر الناظر إلى الكون بمنظار وحدة قانونه الطبيعي، و تقربت من الحق،

و أهل الأديان و الطوائف لا يزالون على معتقداتهم متجادلين

 

مواضع الكلم (20)

 

طوبى للجياع للروح ... قال يوحنا على الجبل،

و أ ما المؤسسات الدينية فتقول أقبلوا على أشياء غير مرئية، و نحن مُمثلوها،

 

و لا يمثلون إلا العداوة و حبّ المال،

و ما دام هؤلاء متعلقين بشيء قد حرّموا معرفته على أنفسهم: فلن تبقى أقدارهم إلا في الظلام،

ثم يقولون للناس لا تخافوا إلاهنا سوف يخلّصنا،

 

و لكن كيف يُخلّص إنسان؟

لقد قلنا على هذه الصفحة أن ما دام الناس على معتقداتهم فلن تتغير أقدارهم،

و إن معتقداتهم هي التي أوصلتهم إلى الحيرة و العذاب،

و الكتب حذّرتهم تكراراً،

و إن بقاءهم عل ما وجدوا آباءهم و أجدادهم عليه لن يضاعف إلا العذاب لهم،

و ليس لدي بلورة سحرية و لا ينزل من السماء علي ملك و لست مُخصصاً أصلاً و فصلاً،

لكن هذا هو الروح،

قليل منه يُنعش قلب الإنسان و يُضيء عقله، فكيف الكثير؟

 

لا قدر للأديان و الطوائف إلا المناطحة،

فإذا حُشر الناس في العتمة، و ليس في رؤوسهم فكر و لا فضيلة في قلوبهم، و لا يفهمون لغة واحدة بينهم: فلا يبقى إلا غريزة البهائم تدفعهم بعضاً على بعض، حتى أخرِ اثنين منهم

 

مواضع الكلم (21)

 

و هناك مصدران: نبأ و نبا،

ألأول يشير إلى إبلاغ علم ما، و الثاني إلى العصيان،

 

و في مشتقاتهما تختلط بعض المعاني،

ذلك لأن اللغة قاصرة عن المعنى، و هذا في العقل، و ليس في الحبر على الأوراق،

 

و ورد في الكتاب الكريم كلمتان: ألأنبياء و النبيون،

و الإثنتان تشيران إلى جمع نبي،

و نبي يمكن أن تكون من مادة نبأ أو نبا،

و جمعها يمكن أن يكون أنبياء و نبيون،

 

و تشهدون اليوم أناساً يطلقون فتاوى الإجرام و يحرضون الناس على الحرب و العداوة و يحثونهم على الشهوة ...

و هذا الكون العظيم خلقه ربكم للناس ليمتّعوا عقولهم وأنظارهم، و ليتمموا مكارم أخلاقهم ...

و الطعام و الشراب و النكاح أشياء تحصل عليها البهائم التي لا عقل لها،

فإذا عجز هؤلاء عن إدراكِ إلا بهيمةَ غرور نفوسهم: فلا يصح عليهم قول إلا أنهم نبوا،

و لم يخل العالم من أمثالهم يومَ كانت تُبلَّغُ الرسالاتُ، و لكل أمر في هذا العالم ضدٌّ و ندٌّ

 

مواضع الكلم (22)

 

ما أكثر الكلمات التي حُرفت عن مواضعها،

أكاد لا أستطيع لها إحصاءً و لا عدّاً،

لكني سأمر بالقليل منها،

ألذي بنيتم عليه بنياناً متصدعاً،

و كل ما يُبنى بغير الحق يقوم قليلاً بحقه المُغاير ثم ينهار بالحق،

شرح العلم الخامس هذا الحق الوجودي شرحاً مُحقاً،

 

لم يخلق ربكم العالم لكم ليقاصصكم،

"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً"،

هذه الآية الكريمة حجة قضائية على الخلق،

وهي أيضاً نفي للحجة القضائية،

 

على هتين المرتبتين ينقسم الملآن،

ألملأ الأعلى و الأدنى،

و كلما لمحت لهذا القسم الكتبُ استعجل أهل الدين و الطوائف الحكمَ على الناس و على أنفسهم،

لأنهم لم يقرؤوا إلا الحجة القضائية،

و غاب الوجود عن منال عقولهم،

 

و ليس هذا هيناً،

و ليس ربكم ظلاماً للعباد،

و لا يخلقهم ضعفاء وجهلاء ثم يقاصصهم،

لكن الذين استحبوا لحم الخنزير على هيئة الطير فلا يريدون إلا الطعام والشراب والنكاح: يحصلون عليه،

الذين لا يردعهم رادعٌ عن الإجرام و السقوط في خُلق الخنزير: إلا التهديد بالنار خالدين فيها أبداً: لم يرتدعوا يوماً واحداً،

و الأمم التي تتعلم من أخطائها و تستنير بعقلها تقدمت على أهل الدين و الطوائف،

و أهل الدين و الطوائف يزدادون رسوباً في جهنم و يطلبون مزيداً،

 

و يقول المؤمنون بعقولهم الذين يتفكرون كما أمرهم ربهم: يا ربَّنا أبعدنا من جنة البهائم التي لا عقل لها، لا نريد قرباً إلا من حمدك و جلالك و جمالك، إياك نعبد و منك نطلب الشهادة

 

مواضع الكلم (23)

 

و الصلاة صلة العبد بربه،

لا يصلّي الله على بشر أو على أي شيء آخرٍ،

يسجد له ما في السماوات و ما في الأرض، هو الغني و هم المفتقرون،

 

و يعدل أهلُ الأديان بين ربهم و بين أنبيائه و رسله،

و يتهم كل فريق غيرهم بالإشراك،

و لو أعادوا النظر في شهاداتهم لوجدوها متعادلة عقلياً مختلفة لغوياً و إسمياً،

و كما قيل للمسيحيين لا تقولوا ثلاثة، كفوا،

يُقال للمسلمين اليومَ لا تقولوا اثنين، كفوا،

و تختلف زخارف بيوت شعائرهم بأساليبها، و تتعادل بإشراكها بشراً بربها،

 

و أمر الكتابُ أن تؤمنوا بالرسل و أن لا تفرّقوا بينهم،

و قال أن جبريل أنزل كل الكتب،

فهل تفهمون ما تقرؤون؟

 

و لما جاء في الكتاب أن الله و ملائكته يصلون على النبي بغير الشَّدة على اللام: فهذا لأن ربكم يرسل رسله ليتربّصوا بكل من نبى، ليمنعوا أذاهم،

لكن كثيرين منكم يحبون حرس جهنم و يتخذونهم وكلاء عليهم، و قد أنذركم الرسل تكراراً،

 

فإذا سألتم لماذا لم يُبلغ الكلمُ بوضوح و من غير التباس،

و لكنه بُلِّغ بلاغاً لا ريب فيه،

لكن حرس جهنم كثيرون، تشهدونهم اليوم يُنزلون بكم عذاباً عظيماً،

و إذا محقوا أعداءهم يتقاتلون بين بعضهم،

و يعدونكم جنة لا يرضى إلا القردة بها منزلاً،

يقول لهم ربهم كونوا قردة خاسئين،

ما قال الكتاب إلا الحق

 

مواضع الكلم (24)

 

و جاء في الكتاب أن الرسل أوتوا الكتاب و الحكمة،

أما الأحاديث الذي جمعها جماعات من أهل الكتاب و قالوا أنهم تحققوا من صحتها: فهذه لا يتفقون عليها، و بقيت موضوع خصام بينهم،

و هذا إن دل على شيء فإن يدل على بطلانها، إلا القليل الأقل منها الذي في الكتاب آياتٌ مصدقة له،

 

و لو سلمنا جدلاً أنه صحيح بمجمله: نقول أنه قيل في ذلك الزمان و لظروف ذلك الزمان،

و هو لا يعالج أمور الزمان الحاضر و لم يوح للذين يتبعونه خلقاً كريماً،

و ترى المسلمين يزرعون المخدرات و يتاجرون بها و يستعملونها، و يستحلون سرقة أموال حكومات الدول التي يهاجرون إليها هرباً من بلادهم، و يشنون الحروب بين بعضهم و يقتلون الأبرياء من دينهم و غير دينهم ...

و يستبيحون غصب سبايا الحرب و الجواري الواتي يستأجرونهن ...

و يطلقون الفتاوى التي الأحرى بها أن تكون موضوع سخرية في الكوميديا المسرحية ...

و حكامهم فاسدون و ظالمون، يدعمهم و يباركهم رجال دينهم و الدول الطامعة ببلادهم، فليس في الحديث تحريم للرشوة و لا للكوميسيون و لا لتفضيل فئة من شعبهم على أخرى و لا أن يستفيد الحكام من مناصبهم لدعم أعمالهم الخاصة و أعمال أبنائهم و أبناء عمهم وخالهم وعشيرتهم و المتزلفين لهم ... و يطمعون أن يأتي يوم يفرضون الجزية على غير المسلمين كما كان الحال في ماضىٍ عفى عنه الزمان ...

و أهل الأديان و الطوائف لا يحترمون قوانين بلادهم و حقوق غيرهم و غير قادرين على التعاون مع بعضهم لتتسهل أمورهم و تتنظم بلادهم، و البداوة لا تزال منهاجهم،

 

كل هذا لأن ما يقولون أنه حديث و شرح لكتبهم لا يتناول مشكلات الزمان الحاضر و لا علم لمن تسمونهم أئمة و علماء بما يهدد العالم من أزمات بيئية ومناخية و إقتصادية و ديموغرافية و غذائية و صحية ... و لا يفهمونها إذا شُرحت لهم، فهي قائمة على فهم أسباب الأشياء الطبيعية و قوانينها، و ليس على مُفترضات الدين و وعودهم للناس بالجنة و الخلاص،

 

ثم يقولون أنهم أرقى الناس خلقاً، و ينتظرون يوماً يأتيهم العالم من أقاصي الأرض متوسلين لهم: علمونا علومكم و شرائعكم و شعائركم ...!

 

ذلك أن الشرائع التي يسيرون عليها قد جيء بها من ماضىٍ هم يجهلونه كما يجهلون حاضرهم، مهما ادعوا من علم، و لو عرفوه لما أرادوه بتّاً،

و الحكمة التي ذكرها الكتاب هي علوم عقلية لا طريق لها إلى العقول إلا لمن استطاع إليها سبيلاً، في الحاضر تشير إلى كتب الحكمة التي حفظها الدروز و لو لم يؤمن بها أهل الدين

 

مواضع الكلم (25)

 

و قلنا أيضاً أن لم يأت في الكتاب أن للنبي خليفة و لما سُئل النبي لم يقل،

ليس للأنبياء و الرسل خلائفُ، و لما جعل ربكم ذرية صالحة لهم لم يعطهم منصباً حكمياً أو علمياً،

ثم غضب على كثيرين منهم لما نقضوا عهده و شهد الكتاب،

و ليس العلم شيئاً وراثياً و لا الحكمُ، إلا في تقاليد الجاهلية،

و كم من غبي وُلد لعالم و كم من خَرِع وُلد لحاكم،

 

و الخلافة أمر افترضتموه ثم تقاتلتم عليه و جعلتم دينكم شِيَعاً، و الكتاب قد أنذركم،

و ليس أهل البيت قبائل من العرب أو غيرهم و ليس بنو إسرائيل قبائل من العابرين أو غيرهم و لا يرث أهل المعروف لقبهم من آبائهم و لا يورثونه لأبنائهم آليّاً، هذه الألقاب أنتم لقبتم أنفسكم، عساها نفعت في زمان مضى و هي اليومَ سبب للغرور و للعداوة بينكم،

 

و أنتم أحرار بأن تتخذوا من تشاؤون إماماً لكم و معلماً روحياً يهدونكم بالعلم و الخلق الكريم، فإذا اهتديم إلى طريق مستقيم فهذا خير لكم، و الذين يحملون أوزاراً تحملون أوزارهم فوق أوزاركم و قد أنذركم الكتاب،

 

و الرسل و الأنبياء و الذين اتخذتموهم وكلاء عليكم مبعوثون مثلكم، يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق،

و ينظرون حالكم و يأسفون عليكم،

ليس لهم سلطان ليحققوا الوعود التي وعدتم أنفسكم

 

مواضع الكلم (26)

 

و تردد ذكرُ الجنة في عدة آيات من الكتاب الكريم،

و إذا افترضنا أن المُفسرين قد فهموها لغوياً فهماً صحيحاً:

فلا واحدةَ منها تقول أنها مكان للأكل و الشراب و النكاح،

هذي أماني أهل الدين و ليست في دور السلام،

و قلنا على هذه الصفحة تكراراً أن الكتاب قد كشف ما تُخبئه نفوسكم،

 

و إذا قبلنا أن حور العين كائنات مدهشة الجمال: لا نقبل أنها دمى لنكاح المسلمين، و لا تلمّح للنكاح في الجنة تلك الآيةُ و لا أيّةُ آيةٍ أخرى لا من قريب و لا من بعيد،

و الأساور من ذهب فرسان من مكان بعيد لغوياً،

و حور العين تلمح للكينونة بلا أجسام إلا عينين ناظرتين هائمتين في السبحان الواسع المتسع، حيث لا مكان و لا زمان تسلسلي: تجري من تحتهم الأيام خالدين فيها أبداً،

كل هذه بعيدة عن فهم أهل الدين و لا يريدونها، و يريدون حديقة القردة و حظائر البهائم،

 

و في هذا الكون الفسيح أراضىٍ لا يؤذن للناس دخولُها إلا إذا ارتقوا بأخلاقهم الإنسانية و مداركهم العقلية،

إذا دخلوها صُعقوا، فلا موقع لمشاهدها في عقولهم،

و إذا دخلت الأبقار بيوت البشر تبول و تغوط حيثما شاءت بغير فهم،

 

و قلنا على هذه الصفحة أنه سيأتي يوم في مستقبل ليس بعيداً تذهب عدسات التصوير إلى داخل يوروبا من أقمار زُحل، حيث الكائنات أجسام سابحة بلا أرجل و لا عورة، إلتفت الساق بالساق و إلى ربهم المساق،

فيها حدائق عليمة تغني أشجارها للزائرين الذين اتسعت عقولهم وجوداً نبيلاً،

و فيها دار حولها أرائك الثمانية الذين يحملون عرش ربهم، إذا جمعهم  يتجلى للمبصرين


 

مواضع الكلم (27)

 

و ليس من المصادفة أن هذا الفتح لآيات النور يحصل في الليالي العشر و أصباحها المجيدة و الليالي التي تليها حتى اكتمالِ بدر ذي الحجة و البرهانُ لمن استطاع إليه سبيلاً،

لكن هاء الهوية انقلبت في انقلاب رؤوسكم إلى عمل لا يستطيعه إلا ميسور الحال!

 

ليست معرفة ربكم مشروطة بما تقتنون من مال،

و لا هي شعائر، أقامها وثنيون قبلكم في البيت المحرّم صعب عليكم الخلاص منها،

 

كُتبت الشعائر على أنفس المشركين كرهاً،

يحسبون أن يشتروا بها مالاً و بنين و نصراً على أعدائهم،

خسرت تجارتهم، و كلما ازدادوا حباً للحجارة ازداد غباؤهم و ذهبت عقولهم سدىً،

هذي عاقبة الوثنية، لم تنهكم عنها الكتب إلا لسبب حقيقي

 

مواضع الكلم (28)

 

و هذا النداء الذي يدوي في الكون: أللهُ أكبرَ ألله أكبرَ، تدفق ذلك الضياء في العقول،

و أكبرَ فعل ماضىٍ مبني على الفتح، و ليس من أفعل التفضيل،

و الله لا يُعرف بالمقارنة بمخلوقاته، و هو خالق المقارنة،

و عندما توصّل جدكم إبراهيم إلى الإقرار بوجود خالق فكان هذا لتنزيهه عن الحجارة التي عبدها قومه،

و هذا استدلال حسن، لكنه لم يتجاوز إطار المفاهيم الفكرية،

لذلك ترون المسلمين يتقاتلون و ينادي كلُّ فريق على الجانبين: أللهُ أكبرُ،

لو أن واحداً منهما شهد شهادة حقيقية لما كان اختلاف و لا قتال،

وهما في الواقع يناديان: إلاهنا أكبرُ،

 

و في شهر ذي الحجة تسهل الشهادة، تنزل الملائكة و الروح فيها، سلام هي حتى مطلع الفجر،

 

فليقتل الوثنيون ما شاؤوا من الأعداء و ليدمروا بيوت بعضهم،

و ليذبحوا الخراف في شوارع مدنهم،

يقدمونها لآلهتهم،

و ربكم غني عن شعائر الوثنية و الدم المهدور: و قد أنذركم كل الرسل

 

مواضع الكلم (29)

 

و التعبير الذي يفتح القرآن بسم الله الرحمن الرحيم،

و إسم هو ما ارتفع،

و إسم الرجل كلمة يعرف بها إذا بدى،

و من مادة سما: إسم و سماء و جمعهما أسماء،

 

و ربكم خالق كل هذه الأشياء التي يُعبَّرعنها بكلمات مختلفة في كل اللغات،

لذلك فالعقل لا يقبل أن يعرف مرجعه بإسم دون آخر،

و لما جاء في الكتاب أن لله الأسماء الحسنى في سورة الحشر فهذا للدلالة على حدوده حملة عرشه الثمانية،

و حدود الله حق يصعب شرحه في حدود اللغة، و معرفتهم أمر ربكم، لأنهم الطرق إلى أسمائه الحسنى،

و علّمَ آدمُ الأسماءَ كلّها و لما عرضهم على الملأ الأعلى قال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين،

هذه رحلة الإنسانية في الكون،

 

و ليس الأسماء كائنات ميثولوجية، و لو أن أكثر الميثولوجيا القديمة في الشرق الأقصى و اليونان و الأديان الإبراهيمية تقوم على أسمائهم،

و الفيزياء تحاول التعرف عليهم في دراستها للوقت والفضاء و الطاقة و القوة و القانون الطبيعي الواحد،

و قد اقترحت دائرة الجمال أن يُنظر للعقل والنفس  والكلمة التي في كتب الحكمة بمعنى الزمان و الصورة  و الحركة،

و المقصود هو الزمان الذي يعلو الوقت التسلسلي، حيث الممكنات موجودة دفعة واحدة، قبل اتخاذها صورة حية: ذات حركة،

 

من هذه المعاني يتخذ التعبير بسم الله الرحمن الرحيم كونية وجودية،

لا بأس بأن يقوله الناس حبّاً له، و موسيقاه تخاطب أفئدتهم و عقولهم مهما ابتعدوا،

لكن لا يحق لمفسري القرآن وشارحيه أن يدّعوا ملكيته و فهمه، و النظرُ إلى أسمائه أمر لايطلبونه لأن لا علم لهم بوجوده

 

مواضع الكلم (30)

 

ثم تنتقل الفاتحة من صيغة الغائب إلى صيغة المُخاطَب، معلنة التوحيد، بطلب شهادة العين،

و جاء في الكتاب لا تقولوا راعِنا و قولوا انظرنا،

 

أما الذين يبقون في إطار الأديان الإلاهية فهؤلاء الذين يريدون إلاهاً يعينهم في أعمالهم و تكاثرهم و نصرهم على أعدائهم،

لا يبرأ الناس من هذه الآلهة إلا بإيمانهم  بالحق ألا و هو سبب الأسباب،

لا يتحقق شيء إلا به،

و للناس أن يطلبوا ما يشاؤون من ربهم فهذا لراحة انفسهم،

 

و التوحيد رحلة كونية عقلية،

ألزمان يخلق الأحداث و ينهيها و هذا الوقت الحاضر بمآسيه و متناقضاته يعلن انتهاء الوثنية تمهيداً لعهد جديد

 

مواضع الكلم (31)

 

ليس فهم الوقائع هيّناً،

فكيف فهم الحقائق؟

و ترون أهل الأديان و الطوائف يحملون الأجوبة الجاهزة التي نصّها لهم رجال أديانهم و أحزابهم السياسية: تأسر حياتهم،

 

كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (ألمدثر 38)،

هكذا يبقى أصحاب الأوهام رهن أوهامهم،

ينصها لهم رجال الدين و الأزياء و رجال السياسة،

و هؤلاء يُلقون ما يشاؤون من الشائعات ليأخذها تابعوهم و يصبحوا دعماً لهم،

 

و لا يظن رجال الدين و الأحزاب أنه حرام،

لذلك لا تنتهي مباراتهم،

و تزداد شعوبهم ضلالاً،

فإذا لم يصدقوا أنهم مسؤولون أمام الحق فسوف ترتد عليهم أعمالهم، بقانون هذا العالم،

و النفس البشرية ذلك المارد، لا يُظلم القادر على كسر القمقم،

و تفلت الغوغائية وحشاً لا يُلجم،

و تصل السكاكين رقاباً لم تحسب لها حساباً،

و يرتد السحر على الساحر

 

 

مواضع الكلم (32)

 

و الربو هو كل ما يربو،

و الكتاب الكريم أحل التجارة و حرم الربو،

لأن الهدف من التجارة تبادل السلع و الخدمات، و ليس الربحَ أضعافاً مضاعفة، بهدف الثراء سريعاً،

و إذا رضي التجار بالقليل من الربح: يزول الفقر الفادح و الثراء الفاحش،

 

و لم تكن وسائل ربو المال المتوفرةُ اليومَ متوفرةً آنذاك،

و الربو و الميسر قد حُرّما لسبب واضح:

ذلك أن المستفيد يربح من غير أن ينتج شيئاً: مالاً ليس له:

 

فهو يقول أنه يربح بذكائه و بما أوتي من مقدرة مالية،

هذا التفضيل الذاتي يجحف حق غيره:

ذلك أن الذكي قادر على الربح بالإنتاج:

و عندما يُفتح بابُ الربو: يصل العالم إلى حاله الحاضر: حيث يحتكر أثرياءُ طغاةٌ  ثروات العالم و طاقاته الفكرية و البشرية، و يُحرمُ عامة الناس من حقهم في الإنتاج،

فلا يمكن الإنتاجُ اليومَ في أي مكان من العالم حيث الرأسمالية العالمية سائدة: إلا بترخيص و إذن من الشركات العملاقة والأثرياء،

و هؤلاء لا يقومون بأي جهد سوى الإحتيال والنفاق و الرشوة و أكل حقوق الناس و تجنب القوانين الدولية التي تمنع نظرياً بعض هذه الجرائم ...

 

و الدول التي تدعي أنها إسلامية النظام المالي: فيها بنوك تشتري المال و تبيعه بمخابرة هاتفية مثل البنوك الأخرى، و تشتري الأسهم التجارية و القروض المالية الضخمة و تبيعها بمخابرة هاتفية مثل البنوك الأخري ...: من أجل ربو سريع: ينعكس في الكثير من الأحيان سلباً على أجور العمال و بخسران أعمالهم و إفلاس الشركات الصغيرة ...

هذا السباق إلى الثراء يدفع بالعالم إلى شفير انهيار اقتصادي عالمي، و يزيد الفقراء فقراً و المفرطين في الثراء ثراءً ... و ليس سوق البورصة و العملات العالمية إلا طاولة لعب القمار الدولي، حيث يتم التداول بالإتصلات الإلكترونية ...

هل يصدق أهل الكتب و الحكمة أنفسهم عندما يحكمون أنهم أتقياء ويتصدقون على الفقراء و يزكون أموالهم و لا يأكلون الربو و لايسرقون؟ ولا يطففون الميزان و لا يُخسِرون؟ أيّ إلاه يخادعون؟

 

مواضع الكلم (33)

 

و الخمر لغوياً هو كل ما يُدّخر و يُخبأ ليربو قيمةً،

و ليس عصير العنب الشيء الوحيد الذي يُخمر،

ألسلع تُخبأ لترتفع أسعارها بالعرض و الطلب،

و إذا كانت هذه أساسية بين حاجات الناس يصبحُ واضحاً لماذا خمرها مُحرمٌ،

 

و كل ما يُسكر حرام، و هذا أمر بديهي لذوي العقول،

و هذا يشمل المخدرات و مُثيرات الشهوة،

و كلمة حرام تحذر من الإقتراب من الشيء،

لأن عواقبه مؤلمة و وخيمة،

و هذه قوانين طبيعية،

لكن الأديان و الطوائف تضع لوائح الحرام والحلال، و تخوف الناس من السكن في الفرن أبداً، أو من العقاب بصورة أخرى،

ألذين يصدقون يختزلون عقولهم،

هذي حدود الكون في منظورهم،

و العلم و الإرتقاء بالأخلاق، و هو ما فُطر الناس عليه: ممحي من ذاكرتهم،

 

هذا الفخ العقلي: الجهنم الفعلية،

وقع فيه رجال الدين والأزياء و أوقعوا أممهم معهم،

لا يجرؤ الواحد منهم أن يخرج منه،

لأنهم نسوا الكون الفسيح خارجه،

و عطّلوا فكرهم تعطيلاً شاملاً،

 

يكاد يستحيل فهمُ الوقائع و أسبابُ الأشياء عليهم،

لأن الفهم يمحو شرائعهم، و يُسلّم للعقل زمامَ الأمور،

و هذا أمر مخيف للرؤوس التي انقلبت رأساً على عقب،

 

لم يرتقِ أهل الأديان و الطوائف إلى مرتبة الإنسان المُهتدي بنور عقله،

باسثناء أفراد مُتفرقين قليلين،

و قد طالت هذه التجربة الوجودية طويلاً،

و الأمم التي دأبت تبحث عن أسباب الكون الطبيعية باتت قويةً،

هل الشرق قادر على هدي العالم إلى الحق الذي هو سبب الأسباب؟

عليه أن يهتدي هو أولاً

 

مواضع الكلم (34)

 

و كُلما ذكرت الكتبُ السكرَ: تفتحت الآذان و أنصتت النفوس:

تُريدون أن تعرفوا: أي سكر حلل لكم الكتاب هذه المرة؟

 

لأنكم تتظاهرون أن السكر حرام بشرعكم،

و الواقع أنكم تحبونه و لا تريدون صحواً،

 

عندما مر بكم يوحنا و كنتم تشربون، سألكم، فقلتم أنكم تريدون أن تنتعشوا، فقال لكم مازحاً و جاداً: قليل من الروح ينعش قلب الإنسان،

 

و مرت السنون، و ما كان كُتب بات ذا معنيين،

و إختار كهنتكم المعنى الذي لا يحرم شرب الخمر، لأنهم لا يريدون من الروح إلا الوهم،

 

و لما جاء في القرآن أن لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى، ثم أتبعه تحريم، قلتم أنه ناسخ،

و نسخ لا تعني ألغى إلا في قواميسكم، و الدليل أن كل مرة قلتم أن كتابًا أو آية نسخت ما سبقها: بينت لكم أنها مصدقة لها،

 

يا ليت الإنسان يصحو من السكر بالوثنية في اليوم التالي ليذهب إلى عمله،

هذا يذهب بالعقول سدىً فلا تعرفون ما تقولون و لا ما تفعلون،

و تذهبون للصلاة و معكم لائحة تسوّق، تأملون أن تشتروا بالصلاة كلَّ حاجة،

و يستحوذ دماغُكم الآلي على وعيكم، و ترددون آيات كريمة و لا تعرفونها و تريدون أن يمضي الوقت بسرعة ...

فأي سكر تحبون، مسيحيين و مسلمين؟

 

مواضع الكلم (35)

 

لن يُخفف العذابُ عنكم ما دمتم تعتقدون أن العالم يجري بسحر ساحر،

لأن لا قدرة لكم عليه،

و لا حيلة لكم غير الشعائر و الشرائع التي أمركم بها رجال الدين و الأزياء،

و هذه لا تعمل،

و عندما لا تعمل و ترَون أن العذاب لم يُخفف عنكم تزدادون تعلّقاً بها:

لئلا يزداد الساحرُ غضباً عليكم و يزيدَ عذابَكم،

هذه الدوامة الباطلة لا تخرجون منها إلا بالإيمان بعقولكم،

عقولكم هي الكون بكليته، و ليس في الكون شيء إلا عقولُكم القادرة عليه،

من عرف هذا الحق كان الحقُّ معه،

 

ألوثنية تذهب بالعقل سدىً،

يقول الوثنيون لكم: سيروا على شرائعنا و مارسوا شعائرنا: يرضَ إلاهنا عنكم،

لكنه لا يرضى و إن فعلتم،

فإذا تساءلتم يقولون: أتعترضون على الله و تظنون أنكم تعلمون أحسن منه؟

هكذا تزدادون ذلّاً للغباء إذا رضيتم،

و هذه الدوامة الباطلة لا تخرجون منها إلا بالإيمان بعقولكم،

عقولكم و أخلاقكم الإنسانية تعرف الخطأ في ظرفه و تهديكم إلى طريق مستقيم، إذا استمعتم لها،

هذا ما أراده لكم ربكم منذ البدء

 

مواضع الكلم (36)

 

و عندما نأتي إلى النساء فحدِّث و لا حرج،

لم ينزل كتاب في الشرق إلا لإنصافهن،

منذ أن جاء في الوصايا العشر أكرم أمك و أباك، قُرنت حواء بآدم،

فسأعرض عليكم عُسُباً من تقاليدكم ليست في الكتاب، عساكم تتأملون بها خارج حدود تقاليدكم:

أنكم أسياد على نسائكم، و إن كُنَّ أكثر منكم علماً و أرفع خُلقاً،

و أنكم تنفقون من أموالكم، و إن كن عاملات مثلكم و يُنفقن كما تنفقون،

و أنه حق لكم أن تضربوهن، و هذا شيء لا يقبله الناس في هذا الزمان، و ضرب البهائم بات مكروهاً و غير شرعي عند بعض الأمم،

فارجعوا إلى مصدر ض ر ب، تجدوا فيه معنى الهجر و المقاطعة، غير الضرب الذي لا تزالون تحبون، و تذكروا أن إذا انعكس الحال و كان الرجل ناشزاً فعلى المرأة أن تعظه و تهجره في المضجع و تضربه،

و أنهن ينسَين و شهادة اثنتين تعادل شهادة رجل، و لكنهن يتعلمن مثل الرجال، و عندما يذهب رجل إلى عيادة طبيب و يجده امرأةً: لم تنسَ الطب التي تعلّمت،

و أنه حق لكم أن تقتلوهن في فورة وحشية حفظاً لشرفكم و شرف الذكور  الذين من قبائلكم، و لكن جاء في الكتاب و إذا الموؤودة سئلت لأي ذنب قُتلت ... ...

 

فقبل أن تقولوا للعالم أنكم حافظون حقوقَ المرأة أرجعوا النظر بحال المرأة في بلادكم ثم في البلاد التي لاتسير بتقاليدكم، لعلكم تجدون هؤلاء قد تقدموا عليكم و تتعلمون منهم درساً،

 

و في البعض من آيات الكتاب الكريم و الحكمة النساءُ تدل على الذين نسوا، من ذكور أو إناث، و التأنيث مَجازي،

ألذين نسوا وجودهم، و ما الكتاب إلا ذكر للعالمين،

و النساء أميون و لا يفهمون، يستحلون الكذب وشهادة الزور، مهما علقوا من شهادات على جدران بيوتهم، و كيفما تزيّوا ومهما أسدلوا من لحىً

 

مواضع الكلم (37)

 

لم يأت مفسرو القرآن و المشرعون المسلمون بأمر جديد و علم سديد عندما أحلوا غصب سبايا الحرب،

فهذا تقليد بدائي سبق الأديان التي سبقت الإسلام،

كفوا عن القول أنه نعمة من الله على المسلمين،

بل هو أمر الآلهة الوثنية و من صنعها،

 

و إذا حللتموه لأنفسكم: يحلله أعداؤكم لأنفسهم،

و تغدو نساؤكم مبزقة لوحش مثل الوحش الذي إياكم،

 

و قد شهدتم بأعينكم نساءً مسلمات يُسلبن من رجالهن في حرب المسلمين بين بعضهم في بلادكم، ليُعطَين للمجاهدين عل مرأىً من رجالهن ...!

بعض أنواع البهائم تتقاتل فحولها على الإناث، و الذي يحظى بها يدافع عنها الموت،

هذي الأخلاق الطبيعية تُشرف البهائم،

و يتشرف الإنسان بتعاليه على شريعة الوحش،

 

و قد شهد العالمُ جرائم الإغتصاب في الحروبِ الدائرةُ رحاها في العالم، فسن القوانين التي تحرمها، و ينظر عامة الناس من غير المسلمين إلى تلك الجرائم فتقزّ نفوسُهم،

لا يريد العالم بقاءً على شرائع الجاهلية البدائية،

 

و الآيات الكريمة التي يتخذها علماؤكم و أئمتكم ذريعة للبقاء على شريعة الوحوش: تذكير لكم: كيف كان أجدادُكم قبل أن قرئ قرآن و أتاهم رسول ليتمم مكارم الأخلاق لهم،

بقوا على ما وجدوا أباءهم عليه و أجدادَهم جيلاً بعد جيلٍ، و لم يتعلموا شيئاً

 

مواضع الكلم (38)

 

و كم من قائل أن للكلم ظاهر و باطن، و أنهم يعرفون الباطن،

لكن الواقع أنهم علّقوا عليه معتقداتهم،

لو كانت حقيقية ظهرت للعقول،

و لو كانت عقلانية لما بقيت سرية،

فالعقل يكشف الحق بالحق،

و قلنا على هذه الصفحة أن السرية مخبأ الخرافات،

فما لدى هؤلاء إلا طبقة أخرى من الميثولوجيا الوثنية، فوق شريعة القتل و الأكل والثأر والإرث و النكاح والإغتسال و سلب بيوت الكفار ...

و بعض يقولون أنهم يحبون الله، و يرتلون ويرقصون،

و يؤلهون بشراً وُلد و رضع و نمى ولا يفهمون قولاً حكيماً،

 

كل هؤلاء يقرؤون ما تبطن نفوسهم، و يعبدون يأجوج  مأجوج بأسمائهما العديدة،

يلعنونهما يوماً و يعبدونهما يوماً آخراً،

 

و جاء في الكتاب أن المؤمنين يقرؤون قراءة صحيحة، و أنه في قلوبهم،

لكن القلوب التي انقلبت في الطبيعة تقيس بالطبيعة، و عدا الطبيعَة ما لها إلا الأماني

 

مواضع الكلم (39)

 

و إن عبارة لا إلاه إلا الله لم ترد في القرآن،

فهي لغوياً تشير إلى إسم الجلالة باللغة العربية،

و جاء في الكتاب الكريم ألله هو الحق،

و قلنا على هذه الصفحة لا يُعرفُ بالإسم و العدد،

و عندما يترجم المفسرون القرآن يكتبون صوتياً،

هكذا تتعدد آلهة الأديان الإبراهيمية و تختلف بأسمائها ولغاتها و زخارفها،

والحق واحد، خالق الإسم و العدد،

 

و قلنا أيضاً أن التوحيد شهادة، و لا يعلمه إلا هو،

و الشهادة فعل البصر و ليس للسان إلا النطق،

 

و الأنبياء بشر وُلدوا و كبروا و ماتوا، فلا يُشهدون إلا طبيعياً،

و المؤمنون لا يفرقون بينهم و يقبلون كلمتهم،

و الحق فوقهم، لا وجودَ مكانيَ زمانيَ لهم و لا صورة إلا بأمره،

لذلك فلا تُقرن أسماؤهم بالحق، فلا تقولوا ثلاثة و لا اثنين، كفوا،

 

يشهد الله أن لا إلاه إلا هو،

و الإيمان و التوحيد ليسا إعلاناً و لا انتماءً لجماعة، و لا شعائر يقيمونها  و لا قبولاً ببشر على أنه إلاه،

تعالى ربكم على ظنونكم و على مؤسساتكم و قبائلكم، خالق المتاهات الفكرية و المعاني العقلية، ألهدى بأمره الحقُّ، تعالى ربكم رب الأنفس و معتقداتها رب العوالم



 

مواضع الكلم (40)

 

و قد قلنا أن الدين لله، فلا وجودَ إلا منه و فيه و به و لديه و له،

لذلك لا يصح عقلياً أن يكون في الأرض أديان متعددة، و إن كان الناس مختلفين بمعتقداتهم و تقاليدهم و لغاتهم و أشكالهم،

و لو شاء لجعلكم أمة واحدة و بلسان واحد، و خلقكم شعوباً و قبائل لتتعارفوا،

 

و تشهدون أن أديانكم و طوائفكم: لقبائلكم،

و لا تنفصل عن السياسة و المال،

و إن الطاغوت الذي ذكرته كل الكتب هو ثالوث الدين و المال و السياسة، هو الذي يدفع الناس بالعداوة و يرمي بالعالم في بالوع الحريق المحتدم،

و ينتظر كل فريق معجزاتٍ حسب  و صف أئمتهم و علمائهم: لن تتحقق،   

 

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (ألروم 30)

 

و حنيف تعني مائلاً،

فيقول المفسرون مائلاً عن أديان غيرهم، و يقولون حنيف يعني مستقيماً!

ما  أسهل علهم أن يقلبوا الكلمة رأساً عقب،

 

و ربكم فطر خلقه على السمع و النظر،

و كلُّ ما عدا فطرةَ الله من صنع البشر،

فمن له أذنان سامعتان فليسمع، و من له عينان ناظرتان فلينظر

مواضع الكلم (41)

 

و قلنا على هذه الصفحة أن بعض القصص التي يرويها العرب و العبريون عن نبييهم تقشعر لها الأبدان و تأبى النفس الإنسانية الإستماع لها،

و يقول هؤلاء أنها دليل على سلطانهم!

و يتخذونها مثلاً يقتدون به،

و قد تخدّرت أذواقهم و مات الأنَف في نفوسهم،

و تشهدون ما يبيحون لأنفسهم من إجرام و شهوة بهيمة،

 

و الرسل يأتون ليتمموا مكارم الأخلاق،

فإما أن هذه القصص ملفّقة، و الآيات التي تقولون تذكرها أنتم تختلفون على قراءتها و فهمها،

و إما أنها أفعال وثنيين نُسبت للأنبياء، ليبقى الذين استحبوا سنن الجاهلية على جاهليتهم و يبرروا قساوة قلوبهم و شهوانية نفوسهم،

 

و القرآن مُصدق لما بين يدي النبي من التورات و الإنجيل، و شهد الكتاب لو أنكم قرأتم قراءة صحيحةً،

لم يأت في الكتب أن الله يحلل إرغام القاصرات على النكاح و لا الجواري و لا سبايا الحرب و لا أن يشتهي رجل امرأة رجل آخر،

و لم يأت أن الله يحلل قتل الناس من أطفال و نساء و شيوخ عُزّلاً في بيوتهم و شوارع مدنهم،

و إن الأخلاقَ التي تمليها حلائلُ الوحش تأباها بعض أنواع البهائم،

لن تهدأ حروب الأديان و الطوائف: عقاباً على معتقداتها،

بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ (ألحشر): إذا انتصر فريق ينشقون على بعضم و يرجعون إلى القتال،

يتبارون بالقساوة ليذوقوا العذاب الذي جلبوه على أنفسهم، ما قال الكتاب إلا حقاً

 

مواضع الكلم (42)

 

خير عبادة يعبدها أهل الشرق اليوم أن يُصلحوا فيما بينهم،

و يغلقوا سوق الأسلحة و ساحات التجارب العسكرية في بلادهم،

و يكفوا عن إطلاق الأحكام الدينية على بعضهم،

و يعملوا جميعاً على إنهاء الفساد من رشاوى و سرقة و محسوبيات ... في بلادهم،

و أن يحكم حكامهم شعوبهم بلا تحيز لقبائلهم و طوائفهم،

و أن تكون منافساتهم السياسية: من أجل الإصلاح و رفع الظلم،

و أن ينتهي رجال أديانهم و أزيائهم عن ضمان الجنة والخلاص كيفما كان لتابعيهم،

و يبذروا بذور العقلانية في نفوسهم،

و يعلموهم أن يتعاونوا، فهذا طريق البر و التقوى،

فيكونوا مثلاً بالحضارة للعالم،

كيفما كانت معتقداتهم،

 

هذا ما أمرتهم الكتب و الحكمة منذ البدء،

ليكونوا الأمة الوسط

 

مواضع الكلم (43)

 

إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (ألمائدة 33)،

 

فمن هم الذين يحاربون الله و رسوله في هذا الزمان؟

إنكم لو سألتم كل مسلم منفرداً أو كل دولة لهم أو كلَ حزب أو عصابة لحصلتم على أجوبة مختلفة بعدد المسؤولين، متقاتلين أو متحالفين،

و إذا لفتّم نظرهم لهذه الفوضى و النسبية العمياء لاغتاظوا و احترّوا و كتبوا أسماءكم على لائحة القتل المُباح،

ذلك أنهم أماتوا طاقة التفكير السليم في رؤوسهم، و استبدِلوها بما استحفظوا من أئمتهم و علمائهم،

في هذا الفخ الفكري وقع هؤلاء و أوقعوا أممهم معهم،

و نصبوا أنفسهم ممثلين لله و رسوله في قواميسهم،

 

و هم لا يمثلون إلا أنفسهم،

وما دمتم تتخذونهم أولياء عليكم فأنتم باقين معهم باختياركم،

نقول هذا لكل من لم ينطفئ في نفوسهم نور الحق منهم،

فإذا أطعتموهم بقيتم في جهنم خالدين فيها أبداً، حيث يحكم الإلاه الغضوب المتعسف، و يكافئ بالنكاح و الطعام الذي يملأ البطون،

و تتقاتلون على خلاف و لا تتوافقون و لا تتحابون،

هذا جزاء الذين ذهبت الوثنية بعقولهم سدىً، و باتوا لحم خنزير بلا أرواح،

 

جعلوا بلادهم مذبحة، قطعوا أيادي بعضهم و أرجلهم و صُلبوا على صليب الإجرام مرات متكررات و يريدون مزيداً، ما قال الكتاب إلا حقاً،

لا يحارب الله و رسوله إلا هم، الذين  يخفون ما جاء في الكتاب بشرائعهم، كما فعل أهل الكتاب قبلهم، ما قال الكتاب إلاحقاً

 

مواضع الكلم (44)

 

و إن القصاص من ق ص ص،

و القصّ يشير إلى تتبع خط مرسوم مسبقاً،

كأن يقص الخياط  ثوباً قد علّمه، أو أن تقصوا رواية حادثاً بعد حادث،

فهكذا القِصاص الشُذُب التي قُصّت، و تُقال عما قُصّ من صوف النعجة، حسب القاموس المحيط،

 

أما استعمالها للدلالة على العقاب فلا يوجد رابط ذهني بين المعنيين،

لكن الكلمات تذهب مذاهب متباعدة و لا تترك أثراً، فيصعب تقصّيها،

و عساها استُعملت بمعنى العقاب قبل القرآن ...

 

في كل حال إن لكلمة قصاص معنى غيرُ العقاب الذي لا يرى إلا إياه المفسرون، و هو ما قُصَّ مما فاض أو زاد،

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (ألبقرة 178)،

 

فإذا أراد أهل الكتب و الحكمة أن يبقوا على شريعة الثأر ليقولوا أنهم مطيعون لإلاههم فهذا اختيارهم،

آنئذ كل الحروب الأهلية و الطائفية و القبلية ... واجب ديني و دنيوي على جانبي كل هكذا حرب،

آنئذ لا يحق لهم الشكو و الملل، و حالهم اليوم: مُناهم و سبيلهم إلى الجنة و الخلاص كيفما يفهمونه،

 

و إذا أرادوا خلاصاً من عذابهم فلينظروا إلى المعاني التي في الكلم التي أخفاها علماؤهم و أئمتهم و رجال أزيائهم:

و قد قلنا تكراراً على هذه الصفحة أن الموت في حقيقته ابتداء الحياة،

فلا تحسبن الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياءٌ عند ربهم يُرزقون،

و كان جرى التقليد أن يتكفل الناس بالقتلى تكريما لهم كما قلت في رسلة سابقة، و أيضاً بأبناء السبيل اليتامى الهاجرين أهليهم

 

مواضع الكلم (45)

 

ألدائرة من أبجدية التكوين،

هي النون في "النون و القلم"، و الحَول في "الحول و الطَول"، و الفُتحة المستديرة في "ألبقرة الصفراء"، لأنها ما ينشقّ للناظر وراء الضباب ...

و في صورتها المجسمة هي الكرة: ألصورة الوحيدة التي لا تخضع للنسبية و التحيّز، إذ تظهر كما هي من أية زاوية نُظرت من قريب أو بعيد ...

و الجمال هو محبة النفس للوجود، و ليس العكس،

و في اليونانية kali تعني جمال و في العربية الجمال للكلية و الكمال،

 

لكن هذه الصفحة لا تتخذ لها رمزاً و لا تقترح على أحد أن يتخذ رمزاً كيفما كان،

و تتنافس الأديان الإبراهيمية من اليهوية إلى البهائية مروراً بالماسونية والمسيحية و الإسلام و العلوية و الدرزية ...: برموزها، فترى رموز غيرها و تتهمها بالإشراك ثم تنكر رموز نفسها،

 

في هذه الفوضى الرمزية لا ترى الأديان و الطوائف حقيقة،

و حتى الحقائق الهندسية التي في رموزها: غائبة عن إدراكها، و تحسبها اختيار إلاهها الإعتباطي!

 

و المقالات التي نشرتُها على صفحة دائرة الجمال جعلت عنوانها:

Where we open the Books which have been covered by

falsehood and dust ...

(هنا نفتح الكتب التي تغلّفت بالزور و الغبار)

 

فدائرة الجمال تكسر قيود التعريفات و التعابير المبنية على أطر معتقدات أهل الدين و الطوائف ... لتعيد الكلم إلى مواضعه في العقول،

طبعاً يغتاظ هؤلاء إذا كُشفت أغلاطهم و تزلزلت قواعد بنيانهم معلنة انهاء المهلة التي أعطيت لهم،

لم يأت الرسل بالكتب و الحكمة ليجعلها الناس زينة لتقاليدهم و شعائرهم، و لا ليفضّلوا أنفسهم،

فهي النعمة عليهم من ربهم، ليتكرم العدم بالوجود، عساهم يستيقظون و يرجعون

 

مواضع الكلم (46)

 

و قولوا للذين يقولون أتريدون أن تُرجِعونا إلى ماضىٍ عفا الله عنه: بل نريد لكم أن تتقدّموا إلى وقت قد فاتكم،

فإن لم تفهموا ما جاء في الكتب التي سبقت كتبكم فلن تفهموا كتبكم، و إن لم تفهموا كتبكم لن تفهموا الكتب التي تلتها، و قد قلنا هذا على دائرة الجمال بضع مرّات،

و الكتب مصدقٌ بعضُها لبعض إلا ما كتبتم يأيديكم من شرح و تفسير و وعدٍ بالجنة و الخلاص و خصوصيةٍ، غروراً و حثًا على العداوة،

 

و الإنجيل قائم على تعابيرَ توراتية و القرآن ينسخ تعابير توراتية و إنجيلية و الحكمة قائمة على القرآن،

و نسخ لا تعني ألغي إلا في قواميسكم،

 

إن الشرق بأديانه و طوائفه لا يزال في أطلال أجداده الأولين على سننهم قبل أن جاءكم رسل بعلم و خلق عظيم، فإذا فتحناها بالحق أولى بكم أن تشكرون،

تستكبرون بغروركم و حباً لقبائلكم  و تقاليدكم و أنا أحبها جميعَها أكثر منكم، إذا لم تسيروا في موكب الزمان درس الزمان أمماً كانت أعظم شأناً

 

مواضع الكلم (47)

 

و قلناعلى هذه الصفحة أن السلطة دينيةً أو علمايةً تستمد سلطتها من الناس الواثقين بها،

و وثق تعني إرتبط،

و هذه قوة حقيقية،

و جاء في الكتاب "أعينوني بقوة"،

فكل نشاط بشري جماعي يتحقق بقوة الإرتباط والثقة، و هذه كلها ألوان من المحبة الوجودية و الزمع الوجودي،

 

و الإختيار  للبشر أفراداً و جماعات: أين يصبّون ثقتهم،

و هذه تصير قوة مُحرّكة للأفراد والجماعات،

ينظرها الناس و تُذهلهم طاقتها،

ليس هناك إلاه يحركها، إلا بمعتقد الناس،

و الأمم العلمانية قد أدركت هذا الواقع،

و تحاول تحميسها و توجيهها بالدعاية السياسية و التجارية، و هي التي علّمت الناس أن يثقوا بها،

بينما يتكلم رجال الدين و الأزياء نيابة عن إلاههم،

 

كل هذا قائم على واحدية الإنسان والكون،

لذلك فإن محاولة لخلق كون أو أكوان في الكون الواحد محتوم عليها الدمار الذاتي مهما حققت من نصر مؤقت

 

مواضع الكلم (48)

 

و وثق تشير إلى الإرتباط زمنياً،

و هذا أشد صُوَره بالمقارنة مع أي رابط آخر،

لذلك فمن مادتها: ثقة و ميثاق و وثيقة،

 

و الثقة بالأمر كالإيمان به،

و إيمان من أمن، و أمن يشير إلى الشعور "بالأمان"،

و هذا يتضمن عدة قيم إنسانية: السلام و الطمأنينة و المعرفة اليقينية و المحبة ...

و كل هذه المعاني ترجع في أعاليها في العقل إلى الحق،

 

و يجد المؤمن أن عليه أن يتسلق هذه الفروع ليبلغ الأصولَ و أصلَ الأصول،

ليس لأن هذي أوامر تلقّاها من كتبة الكتب و رجال الأزياء و الدين،

بل لأنها متعة جوده و وجوده، و لا يرى لحياته معنىً غيرها،

 

هذه: ليست ملكاً لبشر ليعرّفوها و ليعطوها أو يمنعوها،

هذا ميثاق المؤمين السائرين على دروب التوحيد في حيواتهم،

 

أما ما يُعلن الناس و ما يكتبون على الأوراق فهو ارتباطهم بجماعة منهم، فإذا أخلصوا لها على حيوات متعاقبة صارت حدود كونهم،

هذي: إذا لم ينطلق منها الإنسان على درب المعرفة: صارت سجنه و عبءً عليه ثقيلاً،

 

لذلك فلا أعتذر عن تكرار أن كل الرسالات أطلقت العالم في اتجاه الحق،

فإذا سكن هؤلاء فهذا خطؤهم،

و يمر الوقت و بمروره يزداد الخطأُ خطأً،

لأن الشجرة التي لا تُسقى تيبس ثم تغدو هشيماً لا ينفع، تأكله الديدان أو النار

 

 

مواضع الكلم (49)

 

و هذا البلاغ العظيم من سورة النحل:

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (102)

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103)

 

و لست أعلم كيف يمر أهل اكتب والحكمة به و لا هم يسمعون،

و الذين آمنوا بالروح القدس قبل أن جاء بالقرآن الأولى بهم أن يثبتوا به،

و المسلمون أن يؤمنوا بالروح القدس من قبلُ،

و الدروز أن ما "يقولون" إلى آخر الآية الكريمة: حق لا يفهمانه،

فلم يكن جبريل رجلاً ذا جناحين هبطاً من السماء إلى النبي، و لا حمامة تنزل فوق رأس المسيح،

و لا يُعيب الرسل أن يكونوا بشراً يأكلون الطعام و يمشون في الأسواق، و شهد الكتاب،

لا يثبت الحق إلا في العقول، و تبقى الخوارق الطبيعية أساطير أهل الدين و الطوائف و سبباً لإختلافهم،

لأنهم يعلمون أن جبريل سلمان، عليه الصِلات، كان فارسيًا أعجمي اللسان و أوحي القرآنُ إليه بالعربية، كما أوحي كتب قبله بلغات أممها،

و إن مانع العلم كناشرالجهل،

لم تنزل هذه الآيات لتبقى سراً خصوصياً لجماعة من الناس بل هدىً للناس جميعًا،

 

وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ ۖ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ (8) (ألأنعام)،

 

فهل يريد أهل الشرق نهاية لعذابهم أم مزيداً منه؟

فلن يتغير حالهم ما داموا على معتقدات علمائهم و أئمتهم و شارحي كتبهم،

آن الأوان أن توضع تحت مجهر الفكر و دلائل العقل

 

مواضع الكلم (50)

 

إن أسوءَ الكذب ذلك الذي يصنع أمراً عرضياً من الكلمة الحقيقية،

فذلك لأن الكلمة الحقيقية غايتها الدلالة على الحقائق التي لا تتغير في المكان و الزمان، فترجع الرؤوس إلى اتجاهها الصحيح بعد انقلابها في أرحام أمها،

 

و عساكم رأيتم على هذه الصفحة كيف تُقرأ الكلمة لغوياً قراءة و احدة، و تُطبعُ العقولُ بأطباع مختلفة باختلاف أطباعها!

 

نعم ليس فهم الكتب و الحكمة أمراً هيناً،

و الذين اختزلوها بالشرائع و التقاليد و الشعائر أوقعوا أنفسهم و أنفس من تبعهم بفخاخ عقلية، سقط الإنسان فيها على مرتبة الوحش و البهيم، و نسي عقله و نفسه، و هذا هو الخسران العظيم،

 

و إن أسوء الكذابين هم ألائك الأذكياء الذين يحملون الألقاب الأكاديمية، و قد تعلموا فن الإقناع و البحث العلمي المنزّه عن التحيز و العصبية،

فيستمع لهم الناس و يصدقونهم،

 

و تخضع قصص المرسلين و الأنبياء التي جاءت في الكتب: للتحري العلمي في الدول التي تحمي قوانينُها و تقليدُها هكذا بحثاً،

 

لكن القارئ النبيه يرى أنهم يريدون توجيه الناس إلى أمر عرضي،

لأن هؤلاء لا يزالون واقعين في درك العرضية الأدنى، مهما برعوا بفنونهم العلمية و اللغوية،

هكذا فإن الكثير من حملاتهم على أوسُط التواصل الإجتماعي وما ينشرونه من أفلام "وثائقية": لا تزيد العصبيات و الأحقاد الدينية التي تمزق العالم و تدفع به في هوّة الدمار الشامل: إلا عصبيةً وحقداً

 

مواضع الكلم (51)

 

و كلَّ مرة حسبت أني ختمت هذه السلسلة وجدت نفسي أضيف مقالة جديدة، رداً على ما قرأته أو تحذيراً من المزالق التي ينزلها بعضٌ ظانين أنهم قد فهموا دينهم فهماً جديداً: يبنونه على الأسس التي بنى أجدادُهم و علماؤهم و أئمتهم عليها عينِها،

فهكذا بنيان محتوم بالقدر نفسه الذي حُتم على سابقه و بالقانون الطبيعي عينه،

 

و خاتم بفتح التاء أو كسرها من مادة خ ت م،

و ختم الشيء تشير إلى إغلاقه، فهكذا تأتي الآخرية عَرَضاً، لأنكم إذا أغلقتم شيئاً فقد وضعتم له نهايةً في معظم الأحيان،

 

و جاء في الكتاب الكريم: ختم الله على قلوبهم غشاوةً،

و ختم و كتم و قتم و حتم ... تصب عقلياً في معنى الإغلاق،

 

و يُستعمل ختم للدلالة على التصديق: مجازاً،

لأنكم إذا صدّقتم كتاباً و أردتم أن يشهد الناس تصديقكم: تغلقونه و تطبعونه بخاتِم أو طابع،

و الخاتِم الذي يضعه الزوجان في إصبعيهما دليل علي تصديق مجتمعهما لهما و ختماً لحياتهما معاً،

و كل هذه صور عقلية تتمثل بأفعالها،

و ليست القواميس إلا لجمعها و إحصائها حسب علم كاتبيها في وقتهم،

 

فلما جاء في الكتاب أن محمد خاتم النبيين: فلهذا القول عدة طبقات من المعاني، لا يجب اعتماد واحدة حصراً و إنكار الأخر،

 

ألرسل و الأنبياء ما يفتؤون يُبعثون في الدنيا لهداية البشر،

و هذا واقع يعلّم رجالُ الدين الذين يتبعونهم أن لا يصدقوه،

هكذا في نظرية كل دين أن نبيهم أو إلاههم هو آخر مبعوث من السماء إلى الأرض، و أن قبولهم له هو التوحيد و الإيمان،

و طبعاً لدى كل منهم ما يحسبونه دليلاً على اعتقادهم: في كتبهم،

و لا يفهم أهل الكتب و الحكمة الفرق بين الواقع و المعتقد،

و هذا لأن الواقع الذي يعرفونه ما هو إلا معتقدهم،

و هذه الظروف الصعبة تستدعيهم لإعادة النظر بمعتقداتهم، لكي يصطفوا الحقائق و يهملوا الوهم،

 

بل هم لا يفهمون الفرق بين الدليل و غيره،

و إذا كان لي أن ألخص أمره الفلسفي أقول أن الدليل لا يعوزه اعتقاد، كما الحال في المعرفة العلمية الإختبارية و الحقائق الرياضية و المجردات العقلية ...

فأما ما هو لازم بالإعتقاد فهذا ما بدأ الزمان حملة إسقاطه منذ  كتب الحكمة و ما تلاها من نهضة في أوروبا في الفنون و الفلسفة و العلوم ما أراد الشرق منها نصيباً،

 

قسط من الإعتقاد أمر لازم للثقة به،

فأين يضع الناسُ الحد بين المعتقد و الوقائع؟ سؤال لا يجاب عليه بجواب يصح لكل أمر أو معتقد،

لذلك فيجب أن تبقى أبواب المعرفة مفتوحة، و حق السؤال محفوظاً،

و جاء في الكتاب و أما السائل فلا تنهر، و أما بنعمة ربك من علم و خلق كريم فحدث

 

مواضع الكلم (52)

 

يا ناس،

 

إن محنطات مصر لن تقوم من أكفانها،

و إن أجدادكم لن يقوموا من قبورهم،

و إنكم و الحقِّ مبعوثون و لكنكم لا تؤمنون،

 

و لا أحد في السماء أو الأرض سيسأل العظام  إذا ما كانت قد نمت و كبرت بأكل الحلال حسب فهمكم أم بغيره،

و لا من قتلها و كيف ماتت، و لا إذا ما انتصرت على عدوها أم هُزمت،

 

و إن تأنيق الكلام لا يجعل من الباطل حقاً،

كفوا عن ترديد تعابير ضخمة تُلبِسونها فارغَ الكلام تخلبون بها قلوب الناس،

 

أفيقوا من غفلتكم، هذي هي القيامة في الحقيقة، و ليفيق من أَتبعتم إياكم معكم،

سوف تُسألون و سوف يسألونكم،

يومَ لا يبقى للكذب وكر يختبئ فيه و الحق شمس ساطعة نورها يكشف كل كذاب مُفترٍ،

 

أتركوا آلهة آبائكم الأولين و شرائعهم و شعائرهم لترتقوا إلى رحاب العقل،

هذا ما أمرتكم الكتب و الحكمة لو أنكم تعقلون

 

 

مواضع الكلم (53)

 

ينادي العلماء و الأمة علماءهم و أئمتهم،

ليأتوا بردّ،

و لن يأتوا إلا بما حوت نفوسم،

سننَ الجاهلية و شعائر الوثنية،

فتشهد أعمالهم و أقوالهم عليهم،

و قد قلنا لهم تكراراً على هذه الدائرة أنّا ندحض أقوالهم و قبل أن يفوهوا بها،

لأن الحق يعلو و لا يُعلى عليه،

فليجمعوا علماءهم و أئمتهم،

و سوف يُفرّقون قبل أن يجتمعوا،

و يجلبون على أنفسهم عذابا و بلاءً و على من تبعهم،

زلزلت الأرض زلزالها و أظهرت أثقالها،

و تخرج الأفاعي من أوكارها رغماً عن نفسها


 

 


All rights reserved
Copyright The Circle of Beauty

  Site Map